إعترافنا، في كل مرة، بواقع وظروف الآلاف من أسرى فلسطين بات مخجلا، ويمس بصميم كرامتنا كعرب وبشر، خاصة عندما نقارن الجهد الصهيوني في متابعة إطلاق سراح الأسير الصهيوني الجندي شاليط، هكذا يحاول الصهاينة خفض معنوياتنا إلى الحضيض ·· وفي كل مرة تراودنا المقايضة الصهيونية بإبدال آلام ومآسي عشرات الألوف من أسرانا برقبة أمثال شاليط، أو تسليم بقايا عظام أو جثة لصهيوني مفقود في غزواته· لقد بلغ مجموع سنوات الأسر الفلسطيني في سجون الاحتلال عشرات القرون، وسنوات الأحكام الثقيلة والمؤبدة تجاوز المعقول البشري، وهو ما يثقل الضمير والوجدان العربي والعالمي، لكن هذا الكابوس بات من الديمومة والتعايش والتطبيع معه لا يؤرق أحدا من العرب، رغم أن الأم الفلسطينية والزوجة الفلسطينية ما زالتا أسيرتي الوقوف أمام بوابات السجون الإسرائيلية التي صارت محتشدات أكثر مما هي سجون بالمعنى القانوني في عالم بدأ يفقد كل ثقافة حقوق الإنسان التي يتغنى من يسمي نفسه ويتمايز باسم العالم الحر· أي عالم حر هذا الذي يقبل أن يكون سجانا ومتواطئا في حراسة سجن يتسع لكل سكان فلسطين، وأي استقلال وطني لنا ونحن شهود مأساة شعب فلسطين وأسراها ·· فالمدن الفلسطينية التي تجاور المعتقلات الإسرائيلية أضحت محتشدات بشرية لا تضاهيها إلا المحتشدات النازية فظاعة وجرماً، وبات الناس في غزة والضفة يعيشون في محتشدات يتفرج عليها العالم والعرب خاصة، مدن تلفها الحصارات الإسرائيلية والعربية ·· لم نعد نفرق بين حال الأسير والسجين في سجن الرملة أو النقب أو القدس عن أولئك الناس البؤساء من الملايين المحاصرين والأسرى في مدن القدس والضفة وغزة· وعندما يهب جزء من الرأي العام الحر إلى نصرة غزة ويرسل السفن والقوافل، نكتفي بموقف المتفرج عن بعد من وراء التلفاز ·· نحن أسرى استرخائنا وغيبوبتنا وسلبيتنا، ونحن نجلس في صفوف النظارة وفي حياد المهزوم، لا نفك أسرنا ما بات علة العلل المستحكمة في وجودنا· إنّ واجب نصرة الأسرى الفلسطينيين هي من أولى واجبات تحريرنا لأنفسنا أولا، قبل أن تصير مدننا الواحدة تلو الأخرى محتشدات لأسرى الوهم الذي يسكننا، وهم أننا أحرار·