انتظرت بفارغ صبر كبير رؤية فيلم رشيد بوشارب ''خارجون عن القانون'' الذي أثار لغطا وسجالا سياسويا في أوساط اليمين المتطرف في فرنسا، ونادوا بإيقافه، وبالفعل كنت فرحا عندما جاءتني الدعوة من طرف وزارة الثقافة لرؤية الفيلم الذي عرض لأول مرة عالميا بعد مهرجان ''كان'' في قاعة الموفار عشية يوم الخميس الفارط، كان الحضور كبيرا وبهيجا، وملفتا للنظر، مجاهدون، سياسيون، فنانون، إعلاميون ومثقفون، كلهم كانوا هناك، الفيلم يريد منذ الوهلة الأولى الإنخراط فيما يمكن تسميته في السينما التاريخية الحربية التي تمزج بين النزعتين التوثيقية والأكشن الخيالي·· تروي قصة عائلة تتكون من أربعة أفراد، الأب الذي سيرحل عن الحياة، الأم (شافية بوذراع)، وثلاثة إخوة··· ينتقلون إلى فرنسا، مسعود يجند في حرب الهند صينية، عبد القادر يصبح مناضلا بجبهة التحرير في فرنسا، وسعيد يريد الإنتقام من القدر الذي فرضته عليه عائلته التي أصبحت تعيش في بيوت الصفيح بتحسين وضعيته من خلال انغماسه وإدارته لبنات الهوى والمهمشات وللحالمين أن يكونوا أبطالا في الملاكمة، وبالفعل يصبح منادجير مزدوجا لملهى وللملاكمة، وضمن هذا الجو الكئيب والأسود لقدر هذه العائلة، يسعى بوشارب للكشف عن جوانب الثورة التي يسعى أصحابها إلى نقل الحرب على الأرض الفرنسية، الوجه الذي يقدمه المخرج عن الثورة يثير الكثير من الإشكالات، تستحق النقاش، ومنها على سبيل المثال، الصراع بين حركة مصالي الحاج وجبهة التحرير على الأرض الفرنسية، إنه صراع اختزالي ونمطي لطبيعة الصراع، بحيث نجد أنفسنا أمام ثنائية مبسطة تتمثل في المصاليين الخونة الموالين لفرنسا، وممثلي جبهة التحرير الذين لا يعرفون تصفية خلافاتهم إلا بالقتل البدائي·· المثال الثاني أن ممثلي جبهة التحرير الوطني في خوضهم حرب التحرير يبدو وكأنهم عصابة من الفونقستار، هدفها تصفية كل من لا يخضع لسيطرتها، ويبدو ذلك جليا من خلال صراعاتها ضد البوليس الفرنسي وضد الموالين لمصالي الحاج، بل وضد كل من هو غير منخرط في نظامها، حتى وإن كان يدفع المساعدة المالية بشكل ديكتاتوري··· صورة الأفلان في الفيلم هي أقرب من العصابة المافيوية عنها إلى الجماعة الثورية·· المثال الثالث، أن الفيلم عندما أراد أن يحيي أولئك الفرنسيين المعروفين بشبكة جونسون، وهم من كانوا يساعدون الثورة بجمع الأموال وتزوير الوثائق، شخصّ ذلك في صورة امرأة كانت لها ميولات عاطفية لعبد القادر، أكثر مما كانت لها قضية·· إن ثوار جبهة التحرير بدوا مجردين من إنسانيتهم، ومن أفكارهم وهم شبه باهتين، وبالتالي هم أقرب إلى الآلة العمياء التي لا تؤمن إلا بالعنف والدم·· إن منحى الأكشين الذي انتهجه بوشارب في فيلمه جعل من عمله على الصعيد الفني أقرب إلى الأفلام التي أنتجتها هوليوود عن المافيا الأمريكية زمن الكابون·· لكن إلى جانب هذه الهنات والتحفظات، فلقد نجح الفيلم في نقل صورة القمع الوحشي الذي مارسته الشرطة الفرنسية ضد المتظاهرين في أكتوبر ,1961 وفي الإغتيالات التي قادتها اليد الحمراء، وذلك من أجل نقل الرعب إلى صفوف الجزائريين الذين كانوا متعاطفين مع جبهة التحرير·· كنت أنتظر من فيلم بوشارب، أن يكون لحظة تجاوز على الصعيد الفني لأفلام صنعت مجد السينما الجزائرية في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات مثل ''معركة الجزائر'' و ''ريح الأوراس'' و ''وقائع سنين الجمر'' لكن لحظة التجاوز النوعي لم تتحقق مع فيلم بوشارب ''خارجون عن القانون''·· وتبقى أهمية الفيلم أنه اجتهد في اقترابه من حرب التحرير ليقدم بذلك وجهة نظر جمالية وسياسية في ظرف لا زالت الحرب الجزائرية من بين الإشكاليات المثيرة للجدل على أكثر من صعيد بين الذاكرتين، ذاكرة الجزائر وذاكرة فرنسا··