لأول مرة ينجح عمل سينمائي في إثارة دوائر رسمية فرنسية بحجم ومستوى وزارة الدفاع، ولأول مرة يفتح فيلم سينمائي نقاشا طال أمده سنوات وسنوات حول ملفات طالما وقفت شوكة في حلق العلاقات الجزائرية الفرنسية،» فيلم خارجون عن القانون« كان أشبه بالقطرة التي أفاضت الكأس، أو حادثة المروحة التي جعلت وزيرة الثقافة خليدة تومي تتدخل لا لترد فقط على منتقدي الفيلم باتهامهم بالعجز عن تقديم الحقيقة المطلقة، وإنما أيضا لتوجه أولا رسالة صريحة لوزارة الدفاع الفرنسية توحي فيها بأن هذه الوزارة هي آخر من يتحدث عن أحداث الثورة الجزائرية لأن هذه الوزارة غير معترف بها عند الجزائريين، ولتتحدى كل الإرادات السياسية التي كانت تريد وأد فيلم بوشارب في مهده من خلال محاولة منع عرضه في مهرجان كان، وتكشف عن عرض الفيلم في قاعة الموقار في ذات اليوم الذي يعرض فيه في مهرجان كان السينمائي، مقدمة الفرصة للصحافة الجزائرية لتقديم وجهة نظرها حتى لا يبقى التقييم والنقد حكرا على أولئك الذين يحملون أحكاما مسبقة، خاصة وأن الموضوع يعني تاريخ الجزائر بالدرجة الأولى. فيلم بوشارب أسمع فرنسا –الصماء- كل ما لم ترغب في سماعه من السياسيين والمسؤولين، وأوصل إليها ما عجزت عن إيصاله وسائل المطالبة والتنديد والاستنكار، استطاع فيلم واحد أن يجر مسؤولي فرنسا إلى نقاش طالما صموا آذانهم عنه، بل إنه تمكن من إحراجهم بعد أن كشف كل ما تخفيه فرنسا –الحرة والعادلة- من قمع عندما يتعلق الأمر بمس مصالحها أو النبش في ماضيها الملطخ بدماء الأبرياء. فيلم بوشارب عزف على أكثر الأوتار حساسية في العلاقات الجزائرية الفرنسية، وهو الماضي الاستعماري الوحشي الذي تحسن فرنسا تغطيته، فأسقط بذلك كل الأقنعة الدبلوماسية ليظهر حجم التوتر الذي يسود العلاقات بين البلدين على خلفية هذا الموضوع، وإن شئتم الحق فإن فيلم بوشارب لم يتسبب في أزمة بين الجزائر وباريس، ولكنه فقط كان خير معبر عنها.