أصبحت بلدة حمام ملوان وجهة مفضلة للكثير من السيّاح المصطافين في هذا الفصل الحار، وهي المنطقة التي كانت قبل عشر سنوات محرّمة وتحت سيطرة عناصر الجماعة الإسلامية المسلحة، حيث يلتقي ماء نهر الشريعة البارد العذب بماء ''سيدي سليمان'' الحار والمالح، وحيث تتجاور الأضداد في تناغم غريب، لينتهي الكل عند مصب وادي الحراش سيء الرائحة والذكر· لم يكن الطريق إلى ''المقطع الأرزق'' عند حدود حمام ملوان طويلا، لكنه عريض بذكريات المكان، مع ضيق الممر الإسفلتي الذي يستحيل معه في بعض الأحيان سير عربتين في اتجاهين مختلفين وفي الوقت نفسه· وعند التقاء الماء المالح الساخن للحمام مع الماء العذب البارد للنهر الذي ينبع من جبال الشريعة المحيطة لينتهي عند قاذورات ''وادي الحراش''، تختلط الحقيقة بالأسطورة والناس عند تلك القباب التقليدية التي تتهدم ببطء فاسحة المجال لذلك المركب العملاق بفندقه ذي الأربعة نجوم، يستعيدون سرّ التسمية القديمة ''حمام سيدي سليمان'' وتحوّلها إلى ''حمام ملوان''، حيث تبدأ الحكاية بالنبي سليمان بن داود عليه السلام وتنتهي عند رئيس فريق إتحاد البلدية لكرة القدم محمد زعيم مرورا بداي الجزائر زمن الإيالة العثمانية، وكيف أن ما حدث لابنته حوّل ''حمام سيدي سليمان'' إلى ''حمام ملوان''· وعند المدخل الشمالي لحمام ملوان، انطلاقا من مدينة بوقرة المجاورة، يبدأ مهرجان الاصطياف في مياه النهر العذبة، ويمتد المشهد على طول البصر، ولا ينتهي مشهد المخيمات الصغيرة والسيارات الآتية حسب ترقيمها من مختلف مناطق البلاد والخيم الصغيرة، إلا عند منطقة ''المقطع الأزرق'' عند سفوح جبال الشريعة الشاهقة، حيث ينابيع النهر العذب الذي أصبح ينافس أكبر شواطئ الاصطياف في هذا الفصل الساخن· المقطع الأرزق·· ''منتجع'' على آثار ''الجيا'' يبدأ تدفق مياه نهر ''حمام ملوان'' عند منطقة المقطع الأزرق، الذي كان إلى غاية بدايات الألفية الثالثة هذه، منطقة محرّمة وكانت قبل ذلك تحت نفوذ الجماعة الإسلامية المسلحة، ولم يكن أحد يخطر بباله الذهاب هناك، لكن سنة بعد أخرى تحوّل ذلك ''المقطع'' إلى واحدة من أشهر الأمكنة جلبا للسياح في الجزائر، وفي هذا الفصل بالذات· وعلى ضفاف الجنائن، حيث ينحدر الماء العذب من جبال الشريعة، تنتصب عشرات الخيم الصغيرة التي تضم عائلات المصطافين، ويسبح الأطفال والنساء المحتشمات في ذاك الماء متقابلين على الضفتين· ويشرف على ذلك المخيم شاب يقول إن اسم شهرته ''عمر الملاحة''، وهو الذي يسكن حي حسين داي وارتبط بفريقه العريق، ويقول إنه في الأصل ابن ''المقطع الأزرق'' قبل أن تجبره الظروف على مغادرة المكان، ليعود إليه مع بدايات الألفية الجديدة ''مستثمرا'' سياحيا بإمكانيات شبه منعدمة، ويؤكد أن حكاية السياحة في ''المقطع الأزرق'' وحمام ملوان بدأت فعليا سنة 2003 مع استتباب الأمن، ويمتد موسم الاصطياف هناك من أوائل شهر جوان إلى غاية الدخول الاجتماعي والمدرسي في منتصف سبتمبر من كل سنة· ويضيف ''عمر الملاحة'' أن السباحة في ذلك النهر المنحدر من جبال الشريعة لا تضاهيها سباحة أخرى، فالنهر عذب أي ''عوم واشرب'' كما يقول، وبإمكانيات منعدمة إلا من قطعة الأرض المحيطة بالنهر، حيث ''الجنان'' الذي هو ملك للعائلة استطاع هذا الشاب وغيره صناعة سياحة تتطور سنة بعد أخرى، ولم يكن في حاجة إلا إلى خيم بسيطة وصغيرة يكتريها للعائلات بمبلغ بسيط، وهو 200 دينار جزائري لليوم، ليجلب تلك الأعداد من السيّاح، ويحرص عمر على احترام قيّم العائلات المحافظة والمتدينة في معظمها. ورغم أن الأشخاص هناك لا يدخلون إلا مع عائلاتهم، إلا أن السباحة في النهر لا يسمح بها للذكور إلا من كانوا دون سن الخامسة عشرة· عذوبة الشريعة تنتهي عند عفونة الحراش يفتخر عمر أنه بدأ ذلك المشروع السياحي من الصفر دون أن يتلقى سنتيما واحدا كإعانة من الدولة، بل وهو يدفع الآن ثمن تأجير الأرض المجاورة لمنتجعه البسيط المستعمل لموقف للسيارات، وبدا راضيا تمام الرضا على سير المشروع، لكنه يتدارك ليشير إلى قضيتين أساسيتين تقلقانه، وهما ضرورة فتح المركز الصحي المجاور إلى غاية الثامنة مساء والمركز في العائلة يغلق أبوابه على الساعة الثالثة مساء، ويقول إن أحد الزبائن أصيب منذ يومين بجرح خطير واضطروا لنقله إلى مستشفى البليدة، وفي الطريق الطويل إلى هناك ضيّع كميات معتبرة من الدم· إضافة إلى مشكلة النقل المستعصية، حيث يصعب التنقل إلى المكان لمن لا يمتلك سيارة خاصة، ويفتخر عمر بالشلال الصغير الذي يتدفق منه الماء العذب، ويقول إنه مع الانتهاء من أشغال بناء السد المجاور سيصبح الماء متدفقا من شلال عال يعطيه مظهرا ساحرا من شأنه أن يجلب أكبر عدد ممكن من السيّاح في السنوات القادمة· ويبدو السيّاح في حالة نشوة كبيرة وملامح الرضا ترتسم في وجوههم، انطلاقا من وادي الشريعة وصولا إلى أبعد نقطة من محيط بلدية حمام ملوان، حيث يتجاهل أصحاب بعض السيارات القرار الجديد القاضي بمنع غسل العربات على ضفاف الوادي، وهو القرار الذي علّق في كل الأمكنة دون أن يأخذ طريقه إلى التطبيق. ومثلما يبدأ النهر جذابا عند منابعه الأولى ليتحول عند حدود حمام ملوان الشمالية إلى مجرد مغسل للسيارات، فإن مصبه النهائي في البحر المتوسط ما هو إلا ''وادي الحرّاش'' نفسه بكل روائه الكريهة وقذارته، بعد أن يتحد وادي الشريعة هذا مع ثلاثة وديان أخرى هي ''وادي الآخرة'' و''وادي يما حليمة'' و''وادي بومعان''· حمام سيدي سليمان وحمام ملوان نعود إلى بلدة حمام ملوان الصغيرة، حيث المحلات المتعددة التي تبيع التحف التقليدية وحيث أبناء البلدة الذين يرتسم الفقر في ملامحهم والكثير من الأطفال يبحثون عن زبائن لخبزهم التقليدي بلمسة محلية، وحيث المطاعم البسيطة التي تبحث لها عن زبائن والمسجد الصغير الذي ينادي لصلاة الظهر، ويبدو أنه سيغير مكانه لاحقا مع بداية تشكل مشروع المركب السياحي المعدني الذي يمتلكه رجل الأعمال المعروف محمد زعيم، الذي اشترى الحمام من وزارة السياحة قبل أربع سنوات من الآن، ويعمل على تحويله إلى قطب سياحي كبير، ظهر منه لحد الآن فندق كبير بأربع نجوم، وينتظر أن يأخذ حيزا كبيرا من وسط البلدة· ومع سير المشروع والتهديم البطيء للحمام التقليدي حفاظا على تدفق الزبائن، يبدو أن ملامح البناء القديم ستختفي بعد سنوات قليلة، ومعه تطوى صفحة من أسطورة الحمام الذي قيل إن سر تسميته القديم، حسب الأسطورة التي تنسبه إلى النبي سليمان عليه السلام، عندما أراد القيام برحلة إلى مختلف أنحاء العالم وطلب من الجن الذي يتحكم فيهم أن يكشفوا له أفضل الحمامات في العالم، فأخبروه بذلك الحمام، وهو السر في قدرة مياه حمام ملوان الذي كان يسمى ''حمام سيدي سليمان'' في شفاء الكثير من الأمراض الجلدية وأمراض المفاصل، واستمرت أسطورته وتسميته القديمة إلى عصر الدايات في الجزائر العثمانية عندما عجز الأطباء عن مداواة ابنة الداي وذهب لونها الجميل وبدأت تستسلم للموت قبل أن تنقل إلى هناك وحدثت المعجزة وتمكنت من الشفاء واستعادت لونها الطبيعي، ومن هنا تحول اسم الحمام من ''سيدي سليمان'' إلى ''حمام ملوان'' أو هكذا تقول الأسطورة التي تضيف أن الداي، وبعد شفاء ابنته العزيزة، قام ببناء قبة سيدي سليمان التي قد تختفي نهائيا على الأقل ستتغير ملامحها مع المركب السياحي الضخم الذي بدأت ملامحه الكبرى تتحدد الآن· تحديث بطيء وحذر في انتظار إتمام مشروع المركب السياحي العملاق، مازال الحمام التقليدي الذي كان إلى غاية سنة 2006 تابعا لوزارة السياحة يستقبل زبائنه، ويقول المسؤول عنه إنه مقسم إلى جناحين فرديين نساء ورجال، وتسعيرة كل منهما 120 دينار للفرد، وهناك جناحان جماعيان بسعر 100 دينار للغرفة الواحدة. وفي المخطط العملاق للمركب المستقبلي الذي وضعت نسخة منه في قلب قاعة استقبال الحمام التقليدي، يحتفظ الحمام على أجنحته الفردية والجماعية، والأهم من ذلك سيحافظ على نوعية مائه النادرة، فزيادة على درجة حرارته المميزة، فهو يحتوي على نسبة ملوحة تشبه تلك الموجودة في ماء البحر، والذي سيمكنه من شفاء الكثير من الأمراض التي يعجز الطب عن مداواتها، كما يقول المسؤولون عن الحمام·