لقد اجتمع في آخر شهر جوان 2010 في كندا قادة البلدان ذات الاقتصاديات الأكبر في العالم وطرحت أمامهم على الطاولة كثير من الأسئلة، وهذا انعكاس للانشغالات التي تؤرق الأسر في كل مكان، ومن الأسئلة التي طرحت أمامهم: هل ستغرق الاضطرابات التي تشهدها منطقة اليورو العالم في هوة عميقة من الكساد؟ هل يستطيع انتعاش الأسواق الناشئة أن يعوض الانزلاق الذي تعرفه الأسواق الأخرى؟ هل البلدان ذات الاقتصاديات الكبرى في العالم قادرة على الخروج من هذا الإعصار حتى تقف على حجم الأضرار التي أصابت جيرانها وكذا على احتياجاتها؟ هل هذه البلدان واقفة في عين العاصفة؟ وأرى هؤلاء القادة أن الإجابة على هذه الأسئلة تتوقف عليهم في الحقيقة وعلى كيفية تدبيرهم للإقتصاد العالمي في المرحلة المقبلة، ومن دواعي التفاؤل أن هناك اعترافا متزايدا لدى هؤلاء القادة بالحاجة إلى المزيد من المساءلة ورأوا أن عليهم اليوم أكثر من أي وقت مضى أن يكونوا مسؤولين أمام الفئات الأكثر ضعفا، وسبب ذلك واضح من الناحية الأخلاقية، ففي جميع الأحوال من يدفعون أغلى ثمن هم من لا يد لهم في انهيار الاقتصاد العالمي، وقد دفعوه بفقدان الوظائف وارتفاع تكاليف المعيشة وتفاقم التوترات في المجتمع ، حيث الأسر تصارع لسد نفقاتها، غير أن المنطق الاقتصادي نفسه يذهب في الاتجاه ذاته، فانتعاش الاقتصاد العالمي رهن اليوم أكثر من أي وقت مضى بتحقيق النمو في البلدان النامية، الذين تضرروا أكثر من غيرهم هم أيضا أفضل أمل لتحريك عجلة الازدهار في المستقبل· وعلى رغم ما بذل من جهود كبيرة لتحفيز الاقتصاد في بلدان كثيرة، تشير الدلائل إلى أن هذه الجهود لم تكن دائما تذهب بعيدا لتلبية الاحتياجات العاجلة لأشد الفئات فقرا وضعفا، ويرى هؤلاء القادة أن كان هناك قدرا من الحيوية في الاقتصاديات الناشئة، ففيها يرون أيضا أكبر قدر من المعاناة، والنتيجة أن أعدادا كبيرة من الناس تركوا على الهامش، ففي المناطق النامية وجد العاملون أنفسهم مضطرين إلى مزاولة وظائف غير منتجة وتضخمت صفوف العاطلين عن العمل على الصعيد العالمي وبلغت 34 مليون شخص ودخل عدد آخر من النساء والرجال في حدود 215 مليون شخص يعانون من الجوع في جميع أنحاء العالم· ولن يكون الانتعاش انتعاشا إذا بقي خبرا يسمع الناس عنه في الصحف بل لا بد أن يراه العاملون من النساء والرجال في حياتهم وأسباب معيشتهم، وبعبارة بسيطة فإن الانتعاش الحقيقي هو الذي تظهر آثاره على الاقتصاد المعيشي على أرض الواقع وما دامت هناك أجيال قادمة ما الحلول يا ترى؟ أولا: يجب البحث عن توفير فرص عمل جيدة، فأزمة الوظائف العالمية تبطئ الانتعاش والتقدم نحو الحد من الفقر في البلدان النامية، ولقد حان الوقت للتركيز على التنمية البشرية والعمل اللائق، وبكل بساطة لا يمكن استدامة الانتعاش الاقتصادي ما لم تنتعش سوق العمل· ثانيا: يجب أن تتحمّل هذه الدول مسؤوليتها إزاء الفئات الأكثر ضررا من الأزمة ولا سيما النساء والشباب خاصة النساء، في جميع أنحاء العالم هن اللحمة التي تحفظ للأسر والمجتمعات تماسكها، ولذلك فمن أنجع الاستثمارات التي يجب القيام بها الاستثمار في صحة الأم والطفل· ثالثا: يجب مضاعفة المعونة الإنمائية من طرف هذه الدول للألفية القادمة، حيث أن زيادة الموارد من شأنها أن تغير مصائر أشخاص ومجتمعات بأكملها· كما أن على هذه الدول أن تستثمر في الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا والوفاء بالالتزامات التي قطعت لضمان الأمن الغذائي ومساعدة صغار المزارعين على زيادة الإنتاجية والوصول إلى الأسواق من خلال دعم الخطط الوطنية والحرص على حصول جميع الأطفال في العالم على التعليم· فالاستثمارات الذكية توفر وظائف العمل والفرص التي تنتشر منافعها في الآفاق ولا يمكن اتخاذ الارتياب في الوضع الاقتصادي الحاضر ذريعة لإبطاء وتيرة هذه الجهود، بل يجب أن يكون مدعاة لتسريعها، هذا مع التركيز على احتياجات الفئات الأكثر ضعفا من شأنه أن يحفز النمو الاقتصادي في الوقت الحاضر ويرسي الأسس لعيش أكثر استدامة ورخاء في المستقبل. وفي سياق الاقتصاد العالمي المترابط، يتبين أن تحمّل المسؤولية على الصعيد العالمي هو أيضا طريقة ذكية لتحمّل المسؤولية في أوطاننا نحن بلدان العالم الثالث·