في أواخر سبعينيات القرن الماضي كنت أعمل في جريدة ''الرأي العام'' الكويتية، وتعرفت على الشاعر الكويتي يعقوب عبد العزيز الرشيد، حيث فوجئت به في مكتبي في الجريدة بعد نشري لقصيدة له في ملحقها·· فوجئت بالزيارة فهي بادرة لطيفة من رجل في مكانته لصحفي مستجد في الصحافة الكويتية وإن كنت أقدر شعره الرقيق وغزلياته الأنيقة· وفوجئت بالرجل نفسه·· فلعله الوحيد من الشعراء العرب في هذا القرن وفي أي قرن مضى يعيش الشعر كالحياة ويعيش الحياة كالشعر·· فهو يتحدث همسا وينتقي أجمل المفردات في حديثه مع الناس، ولا تفارق البسمة محياه حتى أسماه البعض الرجل المبتسم، وكأنه كان يطبق قصيدة الشاعر الإنجليزي وليم وردز ورث جرب أن تبتسم عمل يعقوب الرشيد صحافيا في عدة صحف كويتيه فهو لم يقف عند إعادته تأسيس مجلة والده ''الكويت'' بل عمل في جريدة ''الشعب'' التي كان يصدرها في خمسينيات القرن الماضي المثقف الكويتي المعارض خالد خلف التليجي شقيق الشاعرين فاضل خلف الذي تربطه في كل من الجزائر وتونس علاقات خاصة، وعبد الله خلف رئيس رابطة أدباء الكويت والذي سأتحدث عنه في هذه السلسلة· في هذا الجو الثقافي العربي السلامي نشأ الرجل صاحب الملامح الآسياوية الرقيقة شاعرا وصحفيا وديبلوماسيا· وكما كان يعتز يعقوب بوالده عبد العزيز كان يعتز بأستاذه وزميله ثم صهره الشاعر العربي السوري الكبير عمر أبو ريشة، فقد تزاملا في ستينيات القرن الماضي سفيرين في دولة الهند أبور يشة سفيرا لسورية والرشيد سفيرا للكويت، وكانت رابطة الشعر والفكر العربي بينهما قوية، فأبو ريشة هو صاحب القصيدة التي حفظها العرب بعد نكبة فلسطين ومطلعها: أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم إلى أن يعرض بالحكام العرب وأنهم لا نخوة لهم حيث يقول: ربما وامعتصماه إنطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم ولعل أكثر القضايا التى حفرت عميقا في وجدان الشاعر وفكره هي قضية احتلال الكويت من طرف صدام حسين في 2 آب أغسطس ,1991 فقد كان الرجل محسوبا على التيار القومي العربي المطالب بعلاقات متميزة مع العراق الذي درس فيه والده وأصدر مجلة الكويتي والعراقي وهي الآراء التي حالت في رأي البعض بين يعقوب ومنصب الوزارة، لكن أن تصل الأمور إلى حد الهجوم العسكري والإحتلال، فتلك قضية لم يستطع فكره القومي العربي ولا وجدانه الشعري هضمها، وزاد في ألمه أنه بعد هذا العمل قويت التيارات الشعبوية والمتخلفة والمعادية للعروبة والإسلام في وطنه الكويت وأخذت تظهر فوق السطح والأمريكان والإنكليز سادة الموقف· كنت أذهب إليه في بيته وهو فيلا أنيقة جدا بمنطقة الخالدية في الكويت، ووسط ترحيباته الحميمة كنت أستفيد من معلوماته وآرائه خاصة تلك التي تخص العلاقة بين العرب والدول الآسياوية، فهو بحر فيها لا يدانيها إلا بحره في الأدب العربي تراثه ومعاصره· وقد سجلت معه عدة ساعات لبرنامجي الذي كانت تذيعه إذاعة الكويت التي كان ذات يوم نائب رئيسها في سنوات تأسيسها الأولى - بعنوان شعر وبحر في ثمانينات القرن الماضي· وفي عام 2004 في ملتقى الأدباء العرب بدمشق إلتقيت الشاعر يعقوب الرشيد بدمشق وكان قد تزوج من سيدة كويتية مثقفة بعد وفاة زوجته الأولى، وبعد أن سالته عن صحته وأحواله إتفقنا على أن نلتقي على العشاء فنتحدث، وكنت أريد أن أساله عن معلومة تهمني وهي حول ما إذا كان قد التقى والده بالشيخ البشير الإبراهيمي حين كان هذا الشيخ الجزائري المناضل معلما في الكويت؟ وعند العشاء جاء عز الدين ميهوبي الذي كان رئيسا لاتحاد الكتاب الجزائريين، وقدم نفسه وجلس على المائدة·· ولما كنت أعرف طبيعة يعقوب أدركت أني خسرت الجلسة، ولكني حاولت·· غير أنه تحفظ كثيرا·· وقضينا الوقت في دردشات غير ذات قيمة·· وقلت عسى الأيام تعوضني في جلسة أخرى·· لكن صحتي لم تسعفني كما أن يد المنون اختطفته في عام 2007 ومن الأشياء التي كانت تعجبني في يعقوب الرشيد أنه لم يفصل بين التحليق في أعالي الشعر وبين العمل التجاري، فمن جملة أعماله التجارية أنه كان يملك مؤسسة لتزويد الطائرات بالأغذية، وحين أسافر ويقدمون لنا في الطائرة الطعام أتذكر يعقوب وأقول عشت دائما في الأعالي ومت وأنت في المعالي فرحمك الله· ومن مؤلفاته التي نشرها 1 الكويت في ميزان الحقيقة والتاريخ 1963 2 سواقي الحب 1974 3 دروب العمر 1980 · 4 الكويت وغدر الجار 1991 · 5 غنيت في ألمي صدر عام 1991 6 الصيد في أدغال الهند صدر عام 1995 7 رفيف الجرح 1997 8 همسات السبعين 2006 9أمتع وأجمل الذكريات صدر عام .2006