من يتذكر اليوم أحداث الخامس أكتوبر 1988؟ لا علاقة لهذا السؤال بالمدة الزمنية التي تفصلنا عن تلك الأحداث الأليمة التي هزت العاصمة· ذلك أن التاريخ يمكن تذكره من طرف الأجيال التي لم تعشه على شرط اقترانه بشيء ذي أهمية خاصة تُبقي عليه حيا في الذاكرة، على مثال ثورة التحرير وما يرتبط بها من تواريخ· ولنعد صياغة السؤال: ما الذي ترمز إليه أحداث أكتوبر من أشياء يمكن اعتبارها جزءا من الذاكرة الجزائرية بعد الاستقلال؟ لا نعرف إجابة واحدة عن هذا السؤال، إجابة يمكن الاطمئنان إليها للحكم على الذين ينكرون على أحداث أكتوبر أهميتها الكبيرة في تاريخ الجزائر، أو للحكم لصالح الذين يعتبرونها تاريخا انعطفت فيه الجزائر من عهد إلى عهد· كان أحد المحسوبين على الثقافة وحرية الرأي والتعبير في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي يقول لنا: ''إن الجزائر تحوّلت من الشرعية الثورية إلى شرعية أكتوبر''· وكان هذا المثقف المعارض يقول لنا: ''نعم إن الشباب لا يؤمن اليوم بالشرعية الثورية ولكنه يؤمن بأحداث أكتوبر''، أي بالعقلية التي حملتها أحداث أكتوبر ودافعت عنها ودفع ثمنها العشرات من ضحايا تلك الأحداث· وكان هذا المثقف المعارض يقول لنا: ''نعم، وهذا ما صارحت به الرئيس المرحوم محمد بوضياف''· وهل نذكر بأن هذا المثقف أصبح فيما بعد وزيرا يدافع عن الوضع القائم ويتمتع بالريع؟ ليس من الضروري أن نفعل ذلك· فمن بين الأجوبة المعروفة عن سؤالنا أعلاه أن أحداث أكتوبر ليست سوى كذبة وضفتها طائفة في السلطة ضد طائفة أخرى: من مثل الرئيس، رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، ومن معه ضد المسؤول الأول لحزب جبهة التحرير الوطني في ذلك الوقت· وقد سمعنا محمد الشريف مساعدية في ندوة إطارات الحزب، التي عقدت مباشرة بعد أحداث أكتوبر، يتهم، بطريقة غير مباشرة رئاسة الجمهورية بإثارة الشغب في شوارع العاصمة ضده وضد أفكاره عن تنظيم الحزب والعلاقة بينه وبين سائر مؤسسات الدولة الاشتراكية في ذلك الوقت· وكان الحديث عن تحوّل سياسي يدور بين العديد من الأوساط· منها من ينظر إليه بتوجس وخوف، وكأن التحوّل من نظام الحزب الواحد إلى التعددية السياسية خيانة عظمى للوحدة الوطنية ولأرواح الشهداء، ومنها من ينتظر ذلك التحوّل بشوق كبير· وكان لا بد من فتيل·· فكانت أحداث أكتوبر·· خمسة من بعد·· وفي نشرة الثامنة من يوم العاشر من أكتوبر، وبعد أحداث باب الوادي، يعلن الشاذلي بن جديد عن إصلاحاته السياسية، التي ترجمت، بعد أقل من سنة من ذلك اليوم، بمشروع التعددية الحزبية في الجزائر· وتتابعت السنوات وتتابعت الاحتفالات بذكرى هذه الأحداث التي حملت التعددية السياسية والإعلامية إلى الجزائر·· وبعد سنوات الصخب والحماس، بدأت الشعلة تنطفئ وبدأت نارها تتحوّل إلى ثلج بارد·· يتجمد شيئا فشيئا·· وتناقص عدد المؤمنين بالخامس من أكتوبر إلى أدنى ما يمكن أن نتصور·· إلى الحضيض·· ما السبب: إما أن أحداث أكتوبر ثورة زائفة خلقت كيانا زائفا سميناه زورا وبهتانا: التعددية· وإما أنها ثورة حقيقية قام بها مجانين حالمون، حتى إذا قضوا، ماتت معهم·· وفي الحالتين لم يعد هناك مبرر للحديث عن هذه الأحداث لا من حيث أهميتها التاريخية، ولا من حيث رمزيتها، والدليل أنها لم تنل من وقت المختصين شيئا· والأسئلة التي هي من نوع: من حركها ومن قام بها ومن استغلها ومن استفاد منها·· كلها أسئلة تجاوزتها السياسة ولا يهتم بها التاريخ·· إلى أن تأتي الأيام بما يثبت العكس·