الفرق بين النفاق الأصغر والنفاق الأكبر يختلف النفاق العملي عن النفاق الإعتقادي بأنه يختص بالأفعال والسلوكيات كالكذب والغدر والخيانة، وأما النفاق الإعتقادي فيختص بالإعتقادات وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر، وله كثير من الصور والمظاهر العملية التي تبرز ما خفي من سوء اعتقاد صاحبه وكفره بالله، كالفرح بانتصار الكافرين على المسلمين، والإستهزاء بالعلماء وأهل الخير في الأمة. وصاحب النفاق الأكبر حكمه الكفر عند الله، بل إن كفره أسوأ أنواع الكفر، ومصيره في الدرك الأسفل من النار كما قال - تعالى -: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) «النساء:145»، وذلك لأنه زاد على الكفر الخداع لله وللمؤمنين، كما وصفهم الله في كتابه بقوله: (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) «البقرة» خوف الصالحين من النفاق إن معرفة المسلم بخطورة النفاق كمرض إنتشر في الأمة وأصاب شرائح كثيرة منها يوجب عليه الخوف والحذر منه، والتدقيق في أخلاقه، لينظر هل ابتلي بشيء من صفات المنافقين، وقد كان هذا هو هدي سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين، فتجد الرجل منهم مع إيمانه وصلاحه يخشى أن يكون تلبس بشيء من صفات المنافقين وهو لا يعلم، فعن ابن أبي مليكة قال: «أدركت ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه». ويقول الحسن البصري عن النفاق: «ما خافه إلا مؤمن ولا آمنه إلا منافق». ويقول إبراهيم التيمي: «ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا». ما ليس من النفاق هناك أخلاق يلتبس على البعض فهمها فيظنونها من النفاق وليست منه، كالتبسم في وجه من لا تحب، والسلام على من تكره، والمداراة وهي: لين الكلام والملاطفة في حق من تعتقد شره وفسقه، فكل هذا ليس من النفاق وإنما هو من كرم المسلم وحسن خلقه. فالنفاق العملي هو أن تظهر الأخلاق الفاضلة وأنت تبطن خلافها، كمن يطلق الوعود ناويا الإخلاف بها، أو يظهر العفو وهو يضمر الخصومة، أما المداراة فالمسلم يعامل بالأخلاق الحسنة من ليس جديرا بها، فيبستم في وجه عاص تأليفا لقلبه، أو يصافح رجلا سيئاً اتقاء لفحش لسانه، فهذا مما حث الله عليه في كتابه حيث أمر أن ندفع بالحسنة السيئة وألا نقابل السيئة بالسيئة بل نعفو ونغفر، فقال - تعالى -: (إدفع بالتي هي أحسن السيئة)، وهذا هو خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد جاءه رجل سيء الطباع، واستأذن في الدخول عليه، فقال - عليه الصلاة والسلام - مبينا حاله، ومحذرا من سوء خلقه: إئذنوا له، بئس أخو العشيرة، فلما دخل عليه عامله بلطف وكرم وأظهر له البشاشة في وجهه. فاستغربت عائشة - رضي الله عنها - هذا الموقف. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه). وهو أدب نبوي رفيع يبين كيف يتقي المسلم الأشرار بالبسمة والمعاملة الحسنة ليصون نفسه وعرضه بكرم أخلاقه، ولا يعني ذلك أن يمتدح ظالما أو يؤيده على ظلمه فإنه بهذا يخرج عن حدود المداراة المسموح بها إلى المداهنة المذمومة المحرمة. كان ذلك تعريفا بالنفاق العملي وبيان أخطاره وآثاره، التي تقضي على الروابط الاجتماعية الصادقة، ليحل محلها الخداع والتلبيس والغش، فتنعدم الثقة بين الناس، وتنحسر المودة في تعاملاتهم، ويسود الحذر والحيطة والشك والريبة بدلاً من الثقة والأمانة، وقد انتشرت - للأسف - تلك الأخلاق السيئة انتشارا عظيما، وإذا كان الحسن البصري - رحمه الله - يقول عن زمنه: «لو كان للمنافقين أذناب لضاقت بكم الطرق»، فكيف لو رأى زماننا؟! حفظنا الله من النفاق والشقاق وسيئ الأخلاق. ------------------------------------------------------------------------ لمن كان له قلب علاج القلوب صفات القلب السليم والقلب السقيم إن لكل إنسان قلب ويختلف هذا القلب من إنسان إلى آخر، فهناك القلب الميت وهناك القلب الحي؛ وتوجد صفات عديدة للقلب ذكرها مقلب القلوب في كتابه العزيز منها قلوب المؤمنين السليمة؛ وقلوب الكافرين والمنافقين السقيمة؛ فتعالوا بنا نتعرف على صفات كلا القلبين لنتصف بالصفات السليمة ونجتنب الصفات القبيحة الذميمة، فنسعد بذلك في الدارين الأولى والآخرة: صفات القلب السليم فاتبعها؟! - هداية القلب: قال تعالى: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) «الآية 11 سورة التغابن». - طمأنينة القلب: قال تعالى: (قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي)؛ (ألا بذكر الله تطمئن القلوب). - الربط على القلب (وهو تثبيته): قال تعالى: (وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) «الآية 11 سورة الأنفال». - خشوع القلب: قال الله تعالى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق). - طهارة القلب: قال الله تعالى: (فاسألوهن من وراء حجاب ذالكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن). - التفزيع عن القلب (كشف الخوف): قال الله تعالى: (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق). - إخبات القلب: (وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيِؤمنوا به فتخبت له قلوبهم). - تقوى القلب: قال الله تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب). «الآية 32 سورة الحج». - إنابة القلب (الإقبال على الله والتوبة إليه): قال تعالى: (وجاء بقلب منيب) «الآية 33 سورة ق» - إيمان القلب: قال الله تعالى: (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان) «الآية 22 سورة المجادلة». قرآننا شفاؤنا (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جآءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب) «الآية 19 سورة آل عمران» الله قريب مجيب (اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك؛ لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ لا حول ولا قوة إلا بالله؛ اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد؛ يا ربنا أنصرنا على الظالمين المعتدين وعلى حفدة القردة والخنازير وحرر المسجد الأقصى وفلسطين) آمين يا قريب يا مجيب.. السنة منهاجنا قال حبيبنا محمد «صلى الله عليه وسلم»: (ليس الصيام من الأكل والشرب؛ وإنما الصيام من اللغو؛ والرفث؛ فإن سابك أحد أو جهل عليك؛ فقل إني صائم إني صائم). وقال (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) «رواه الجماعة». ------------------------------------------------------------------------ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب لوط (عليه السلام) نسب لوط(عليه السلام) وأحواله هو لوط بن هاران أخ إبراهيم (ع) لأبيه تارخ أي آزر بن ناحور بن ساروغ بن راغو بن فالغ بن شالح بن أفخشذ بن سام بن نوح عليهم السلام. ولد لوط(ع) في العراق في قرية من قرى الكوفة يقال لها ''كوثار'' أو افدّان آراما وأمه أخت أمّ إبراهيم (ع) وهي إبنة لاحج، وكان نبياً منذراً لم يرسل إلى أحد. ولوط (ع) هو أخو سارة زوجة إبراهيم (ع) لأمّها. وكان متحلياً بالتقوى والصبر على المحن وطاعة الله تعالى والشكر له على كل نعمة ودفع النقم، كما كان في غاية الكرم والإستمساك بالذمام وحفظ الجار والضيف، غنياً ذا ثروة من الذهب والفضة وصاحب إبلٍ وغنمٍ وبقرٍ كثير، وله عبيدٌ وإماءٌ كثرٌ. عاش لوط (ع) في زمن إبراهيم (ع) وولديه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، ولما بُعث إبراهيم (ع) نبياً رسولاً آمن لوط (ع) بنبوَّته ودعا إليه وإلى شريعته، كما ذكر ذلك الله تعالى في كتابه العزيز حيث قال عز من قائل في قصة إبراهيم (ع): (فآمن له لوط). ولمَّا اضطرّ إبراهيم (ع) للخروج من وطنه العراق بسبب مضايقة الكافرين له، هاجر لوط (ع) معه كما ورد في القرآن الكريم: (وقال إني مهاجرٌ إلى ربي). وتبع لوط (ع) إبراهيم (ع) في رحلاته، وقد ورد ذكره (ع) في أربع عشرة سورة من سور القرآن الكريم هي على التوالي: سورة الأنعام، سورة الأعراف، سورة هود (ع)، سورة الجحر، سورة الأنبياء، سورة الحج، سورة الشعراء، سورة النمل، سورة العنكبوت، سورة الصافات، سورة ص، سورة ق، سورة القمر، وسورة التحريم. خرج لوط (ع) مع إبراهيم (ع) في رحلته من العراق إلى الشام وفلسطين، حيث استقر لوط (ع) في سدوم بالقرب من عاموراء، على شاطئ البحر الميت، في ما يعرف اليوم بالأردن. كان أهل سدوم قوما بخلاء يستثقلون الضيف ويسعون للتخلص منه بشتى الوسائل، وكانوا يسمَّون ''أهل المؤتفكة'' لأنهم كانوا أهل إفكٍ ولهوٍ ولغوٍ ودجلٍ وباطلٍ وفساد، لا يستحون من فعل القبيح، يأتون المنكرات بمحضر النساء والبنات كما وصفهم الله تعالى حيث وجه الخطاب إليهم على لسان نبيه لوط (ع): (وتأتون في ناديكم المنكر). ليس هذا فحسب، بل كان أهل سدوم أهل ظلم وجور، حتى أن القاضي عندهم كان يحكم لهم على الغرباء، بحقٍ وبغير حق، حيث يروى أن سارة زوجة إبراهيم (ع) بعثت إلى سدوم رسولا من قبلها ليستطلع لها أخبار أخيها لوط (ع) ويأتيها بها. فلما وصل الرسول إلى تلك البلاد لقيه رجل من أهلها وضربه بحجر على رأسه، فسال دمه على وجهه وثيابه، ثم أن ذلك الرجل تعلَّق برسول سارة وأخذ يطالبه بأجر على فعلته تلك، بحجة أن الدم الذي سال لو بقي لأضر بجسم الرسول. وبعد مشاحنات ومجادلات دعاه رسول سارة إلى القضاء وهو لا يعرف ماذا ستكون النتيجة.. وتوجها إلى قاضي سدوم فما كان منه إلا أن حكم على الرسول المضروب للرجل المعتدي.. فعمد رسول سارة إلى حجر وضرب به رأس القاضي فشجّه وأسال دمه وولى هاربا وهو يقول له: ''إدفع إلى ضاربي هذا مايتوجب لي عليك لقاء ضربي إياك''. ومهما يكن من أمر صحة هذه الرواية وطرافتها سواء أكانت صحيحة أم مروية على سبيل التندّر والتهكم والمبالغة في التدليل على ظلم أهل سدوم، فإنها تبقى دليلا على أن أهل تلك البلاد كانوا يتجاوزون الحدود في أعمالهم وتصرفاتهم. يتبع..