أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الخيانة والكذب والغدر والفجور من علامات المنافق، وفي ذلك قال "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر"، رواه «البخاري» و«مسلم»، وهذه الصفات هي علامات تدل على مدى انحطاط المنافق في أخلاقه، فهو غير صادق مع نفسه وغير صادق مع الناس، ولعل سبب تسمية النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأخلاق نفاقا هو أن صاحبها يشبه أهل النفاق في إظهار خلاف ما يبطن، فهو يدعي الصدق وهو يعلم أنه كاذب ويدعي الأمانة وهو يعلم أنه خائن ويدعي المحافظة على العهد وهو غادر به ويرمي خصومه بالافتراءات وهو يعلم أنه فاجر فيها، فأخلاقه كلها مبنية على الخداع، ويخشى على من كانت هذه حاله أن يبتلى بالنفاق الأكبر، ذلك أن النفاق العملي -وإن كان من جملة الذنوب التي لا تخرج العبد من الملة- إلا أنه إذا استحكم في العبد وحوَّل سلوكه إلى حالة من الخداع والتلوّن المستمر، فربما بلغ به إلى معاملة ربه بما يعامل به خلقه، فينزع من قلبه الإيمان ويبدله نفاقا عقوبة منه وزجرا، قال تعالى "ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولّوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون"، ولهذا كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم من أشدِّ الناس حرصاً وأعظمهم بعدا عن هذه الأخلاق حتى لا يشملهم ذلك الوصف المشين، فعن «ابن أبي مليكة» رحمه الله قال "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يخاف النفاق على نفسه"، ويذكر عن «الحسن» قوله عن النفاق "ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق"، وقال «إبراهيم التيمي» "ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا"، وهذا هو النفاق العملي وهذه هي أخطاره، فهو يقضي على الروابط الاجتماعية الصادقة ويدير دفة العلاقات العامة على بوصلة الخداع والتلبيس والغش، فتنعدم الثقة بين الناس وتنحسر المودة في تعاملاتهم ويسود الحذر والحيطة، بل والشك والريبة لتحلّ محل الثقة والأمانة، وقد انتشرت تلك الأخلاق السيئة انتشاراً كبيرا، حتى قال «الحسن البصري» "لو كان للمنافقين أذناب لضاقت بكم الطرق".