الحمد لله حمدا يوافي نعمه؛ ويكافي مزيده؛ يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك؛ نشهد أنك الله لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك. جعلت يوم عرفة يوم الرحمة والمساواة؛ وتذكيرا ليوم الحشر والحساب. ونصلي ونسلم على سيدنا محمدا المبعوث رحمة للعالمين؛ فنشهد أنه رسولك ونبيك؛ وكان صادقا أمينا؛ وكان ناصحا مبينا. وقد صليت عليه وكذا ملائكتك الأبرار فاجعلنا اللهم مؤمنين بك ومصلين عليه فاللهم صلي عليه وسلم تسليما كثيرا أيها المؤمنون: سلام الله عليكم في هذا اليوم الأغر هذه أيام مباركات؛ أيام حج ودعاء وصيام وتضحية. فتعالوا بنا نعيش مع حبيبنا محمد في حجه وفي عرفة جبل الرحمة ماذا قال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: دخل رسول الله مكة من أعلاها في حجه الوحيد والأخير فلما رأى البيت الحرام قال: اللهم زد بيتك هذا تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة؛ وزد من عظمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريما ومهابة وتعظيما وبرا. ثم مضى رسول الله في حجه فعلم الناس مناسكهم وبين لهم سنن حجهم وألقى رسول الله في يوم عرفة خطبة جامعة في جموع المسلمين الذين احتشدوا حوله في موقف مؤثر تغشاه الرحمات والعيون تسكب العبرات فقال: أنصوا لكلام حبيبنا ومعلمنا وتخيلوا أنكم مع رسول الله وهو يخاطبكم: ''أيها الناس: اسمعوا قولي؛ فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا (وفعلا انتقل إلى الرفيق الأعلى) أيها الناس إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا؛ في بلدكم هذا؛ ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة. أيها الناس: إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا؛ ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم؛ فاحذروه على دينكم. أيها الناس: اتقوا الله في النساء فإنكم إنما أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله؛ إن عليكم عليهن حقا ولهن عليكم حقا. فاعقلوا أيها الناس قولي فإني قد بلغت؛ وقد تركت فيكم مالن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وسنة رسوله. يا أيها الناس: اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع ما أقام فيكم كتاب الله تعالى. أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه؛ تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم؛ وأن المسلمين إخوة؛ فلا يحل لإمرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس فلا تظلمن أنفسكم؛ اللهم هل بلغت؟ وستلقون ربكم فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض؛ ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب... إخوة الإيمان: لقد عشنا لحظات مع نبينا الناصح الأمين فتعالوا بنا نرجع إلى وصاياه لنتدبرها ونعمل بها؛ فهذه بعض الوصايا التي أوصانا بها حبيبنا المصطفى: أولها: أنه كثير الذكر للآخرة؛ وأنه أحس بقرب أجله فاغتنم هذه الجموع الكبيرة في هذا الموقف العظيم ليذكر الجميع وينصحهم (وكذلك نحن علينا أن نغتنم الجموع في الأفراح والأتراح والمناسبات لنذكر بعنا بالله وبالآخرة . فأول ما وصانا به حرمة وعظمة الدماء والأموال فلا تسفك ولا تؤخذ إلا بحقها؛ وربطها بحرمة وعظمة يوم عرفة وشهر ذي الحجة والبلد الحرام؛ ثم حذرنا من خطر عدونا الشيطان الرجيم فأمرنا بأن نحذر منه على ديننا. ثم أوصانا بالنساء لأنهن ضعاف وخاصة الزوجات التي أخذن بميثاق غليظ فعلينا أن نذكرهن بالآخرة وندهوهن للصلاة والصلاح؛ وأن نعتني بهن ماديا وروحيا ولا نتركهن يلهينا عن ذكر الله. وكذلك أوصانا حبيبنا المصطفى بالأخوة وما أدراك ما الأخوة بإخواننا في الدين أي الأخوة الإيمانية يجب أن تكون بيننا فالمؤمن أخو المؤمن لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره. وختم موعظته البالغة ونصيحته الغالية بإخباره لنا أنها ستكون فتنة؛ وأن لا نجاة لنا في الدنيا والآخرة إلا إذا استمسكنا واعتصمنا وتجمعنا وعملنا بكتاب ربنا وسنة نبينا. وقال لنا ثلاثا هل بلغت ؟ فأجابه الحاضرون ونجيبه جميعا أنه بلغ. ورفع سبابته إلى السماء وقال اللهم فاشهد. فاللهم أجعلنا مؤمنين بك حقا ومقتدين بنبيك محمد. والحمد الذي جعل الحج كفارة للذنوب؛ ووعد حجاج بيته الحرام نيل كل مرغوب؛ نحمده على نعمه حمدا تنشرح به الصدور وتطمئن به القلوب؛ ونشهد أن لا إله إلا الله القائل: ''وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله'' ونشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله الحبيب المحبوب حبه دواء للقلوب الذي قال : للأنصار قد أبدلكما الله بهما خيرا منهما : يوم الأضحي ويوم الفطر. فصلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين أما بعد أيها المسلمون: في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة من كل عام يستقبل المسلمون عيدهم الأكبر يوافيهم فجره وتشرق عليهم شمسه؛ وهو عيد الأضحى أو عيد التضحية؛ وهو اليوم الذي سماه الله في كتابه يوم الحج الأكبر. ولكن كثيرا من المسلمين اليوم لا يتنبهون إلى معاني العيد قصدها الإسلام و أراد منهم أن يفقهوها ويذكروها ويعملوا على هدفها وغايتها فيحصلوا على خيرها وينعموا بفضلها و ظن كثير منهم أن العيد هو الأكل والشرب وكثرة اللحوم التي يملأون منها البطون وهذا هو الإنحراف الذي امتد فيما بين المسلمين فجردها من النية والإخلاص، وبذلك لم يكن لها في الخلق تقويم ولا في النفس تهذيب ولا في الأعداد للكفاح ولا في بث روح التعاون والتضامن ولابد أن يرجع المسلمون إلى الحق ويتفقهوا في دينهم ويجعلوا كل عباداتهم خالصة لله ومن يرد الله به خيرا يفقه في الدين، أيها المسلمون لقد إقترن بعيد الأضحى جملة من الشعائر التعبدية الدائمة المتكررة جعلها الله مظهرا من مظاهر الفرح القلبي منها خاص بيت الله وما يتبعه من الأماكن المقدسة وهو الحج فيه يطوف المسلمون بالبيت الحرام ويقفون بعرفات ويقدمون الذبائح شكرا لله في ظل التعارف والتشاور والتعاون والتكتل على خير المسلمين وصلاحهم ومنها عام ما يقوم به المسلمون في أوطانهم المختلفة وبأجناسهم المتباينة ذاكم التكبير الذين يصدحون به من فجر يوم عرفة إلى رابع يوم العيد وفيه يعلنون عقيدتهم في الله بصفة جماعية جهرية يقررون به أن الله أعظم من كل عظيم وأكبر من كل كبير وفي صلاة العيد الجماعة يجتمع لها أهل البلد الواحد ويفتحون بها يومهم على ذكر الله والوقوف بين يديه ومناجاته واستشعار عظمته فاكثروا من تسبيحه وتهليله تمهيده وتكبيره ثم هذه الأضحية تذبح بعد الصلاة باسم الله ويعطي الفقير حقه فيها باسم الله ويتذكر المسلمون الفداء الذي قبله الله من ابراهيم عن ولده الذي صمم على ذبحه إمتثالا لأمر ربه، ولم يكن هذا كله إلا قوة التضحية بالنفس والمال و لولد وذلك هو خلق المؤمنين، إن أرادوا أن يكونوا مؤمنين فهذا عيدنا الأكبر الإمام سليم عبد السلام بيدي بزيغود يوسف، وهذا هو العيد في الإسلام عيد فرح وزينة وشكر وعبادة وأكل وصدقة صلاة ونحر يذكرنا بالماضي المشرق ويدفعنا إلى المستقبل المؤمل نفعي الله وإياكم بهذه الذكريات وجعلنا من أهل الإسلام في عزة وكرامة ووئام ونصرنا على أعدائنا في كل مكان اللهم ارحم أمة محمد رحمة عامة واهدها سبل السلام وأدخلها دار السلام... وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين قال هنري دي كاستري (1850-1927): ''..إن للمسلمين في الصين منزلة علية. (ويخمّن) (وازيليف) وهو من الذين اشتغلوا بالإسلام في تلك النواحي أن مصيره القيام مقام مذهب (بوذا) وأن لمسلمي (الصين) اعتقادًا جازمًا بأن الإسلام لابدّ أن يسود حتى تزول به تلك الديانة القديمة البوذية، وهي مسألة من أهم المسائل، إذ الصين آهلة بثلث العالم أو تزيد، فلو صاروا كلهم مسلمين لأوجب ذلك تغييرًا عظيمًا في حالة تلك البلاد بأجمعها فيمتد شرع محمد (صلى الله عليه وسلم) من جبل طارق إلى المحيط الأكبر الهادي ويخشى على الدين المسيحي مرة أخرى ومعلوم أن أمة الصين أمة عاملة وإن هدأت أخلاقها وجميع الأمم تستفيد الآن من عملها فلو جاءها التعصب الإسلامي ذو البأس القوي لخشيت بقية الأمم من السقوط تحت سلطانها''. الله قريب مجيب ''اللهم إن كان لكل ضيف قرى ونحن أضيافك، فاجعل قرانا منك الجنة والفوز برضاك'' (آمين يا قريب يا مجيب) قرآننا شفاؤنا وقال الله تعالى: ''وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ'' (التوبة3) السنة منهاجنا قال حبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ''مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ'' (متفق عليه).