''الفيلم القصير فرض نفسه في ظل غياب الإمكانيات'' يرفض مؤنس خمار رفضا قاطعا أن يتم اعتباره مخرج أفلام قصيرة، رافضا بذلك التصنيف الذي يبتغيه الكثيرون بين سينما قصيرة وأفلام روائية أو حتى سينما تجارية، في إشارة إلى أن السينما تتعلق في المقام الأول بالإبداع وليس بالأنواع، إذ الفرق الوحيد بين سينما الأفلام القصيرة والأفلام الطويلة، إلى جانب كونه يتعلق بالمدة، إنما مرتبط بشكل أساسي بالإمكانيات المتوفرة، التي تسمح بإنتاج فيلم في المستوى، وهو ذات ما يذهب إليه المخرج سليم أغار الذي اعتبر أن الجيل الجديد من المخرجين الشباب يفضل الاتجاه إلى السينما القصيرة: ''غير مرتبط باختيارات فنية بقدر ما هي اختيارات تحتمها حقيقة وضع الإنتاج في الجزائر، إذ لا بد من التأكيد على أن ما يمكن لأي مخرج شاب أن يتحصل عليه من مساعدات وميزانية بالكاد يكون كافيا لصناعة فيلم قصير بالمعايير المتعارف عليها، التي يمكن أن يُقبل بها في المهرجانات الدولية''، من هذا المنطق هناك ما يشبه اتفاق على أن عددا كبيرا من الفاعلين في المجال السينمائي باتوا يفضّلون صراحة التركيز في الأفلام القصيرة والحصول على عمل فني مقبول بدلا من الخوض في تجربة فيلم طويل بإمكانيات جد محدودة لتكون النتيجة الفنية بعيدة عن القيمة الفنية والجودة. مع ذلك يؤكد المتحدثون على أن الفيلم القصير نوع قائم بذاته وله قيمته ومكانته عبر العالم، على اعتبار أنه يسمح للمخرج أن يكون أكثر حضورا بالنظر لفترة إنجازه وميزانيته التي تبقى في كل الأحوال أهون من الفيلم الطويل، غير أن اختيار المخرجين الشباب الجزائريين لهذا النوع بالتحديد مفروضا عليهم بفعل غياب حلقات صناعة سينمائية في الجزائر، الأمر الذي دفعهم إلى استغلال المساعدات المقدمة من طرف وزارة الثقافة من أجل البروز في الأفلام القصيرة، التي نجحت في الفترة الأخيرة أن تجد لها مكانا على الساحة السينمائية، على أن كل الخرجين الشباب في انتظار فرصة توفر الإمكانيات من أجل الاتجاه نحو الفيلم الطويل، على حد مؤنس خمار، الذي أكد أن طموح وحلم كل مخرج سينمائي يكمن في القدرة على عرض أعماله على المتفرجين، الأمر الذي لا يتاح في الأفلام القصيرة التي عادة ما ينحصر عرضها في المهرجانات دون ذلك. ليعود الحديث عن ضرورة دعم الإنتاج السينمائي، غير أن نقطة التحوّل في حديث صناع السينما تكمن في التركيز على ضرورة خلق هيئات إنتاجية بعيدة عن الوزارة، التي وإن سجلت عودة قوية في دعم الإنتاج السينمائي إلا أنها غير قادرة على خلق صناعة لوحدها. ''لا يمكن للوزارة صنع المعجزات والقطاع بات مليء بالانتهازيين'' لم يخف صناع الفيلم القصير، الذين استضافتهم ''الأثر''، على أن القطاع بات مفتوحا للانتهازيين أكثر منه انفتاحا على المبدعين الحقيقيين، حيث شدد كل من الناقد السينمائي نبيل حاجي والمخرج سليم أغار على أنه على عكس الاعتقاد السائد بكون الجزائر تفتقر إلى الإمكانيات المادية، فإن الواقع بات يكشف حقائق غير تلك، على اعتبار أن الوزارة والسلطات العمومية بشكل أعم باتت تساهم بأموال كبيرة في عملية الإنتاج، غير أن كل تلك الجهود لم تؤت نفعا ببساطة لأن المستفيدين من الأموال من غير المهنيين، في ظل الفوضى السائدة في مجال الإنتاج. بهذا الخصوص، يؤكد سلم أغار: ''أن الدولة بصدد تضييع ميزانيات مهولة من دون الاستفادة بأي شكل من الأشكال من الأموال المستثمرة في الإنتاج السينمائي، على اعتبار أن جزءا كبيرا يتم منحه لغير المبدعين، وبالتالي لا يتم الاستفادة منه في المهرجانات، إذ لا يمثّل أي قيمة فنية تذكر، وفي ظل غياب قاعات عرض في الجزائر تبقى معظم الأعمال المنجزة حبيسة الأدراج ليتأكد أن تلك الأموال ذهبت سدا''. من جهته، أكد نبيل حاجي أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في الإنتاج بقدر ما تكمن في القدرة على الإبداع وخلق رؤية فنية، مذكرا أن كل ما يقال عن تخصيص وزارة الثقافة لميزانيات للإنتاج السينمائي صحيح، غير أنه يظل في كل الأحوال غير كافية لخلق سينما قادرة على المشاركة في المهرجانات، مضيفا أن المشكلة أكثر تعقيدا من مجرد الحديث عن الأموال لتمتد إلى حقيقة غياب طاقة إبداعية في الجزائر تشمل غياب تأطير الممثلين، كتابة السيناريو، هذا الأخير الذي يقول عنه نبيل حاجي، إنه الجزء الأهم في صناعة السينما، إذ لا يمكن تصور صناعة سينمائية دون كتابة سينمائية مبدعة قادرة على خلق قيمة فنية حقيقية. بعبارة أخرى، يعتبر كل من نبيل حاجي وسليم أغار، أن ما يتم إنتاجه في الجزائر إلى غاية اليوم لا يرقى للمنافسة في المهرجانات العالمية، لأنه يفتقر إلى القيمة الفنية والجودة التقنية، التي وإن ارتبطت بشكل من الأشكال بالإمكانيات إلا أن النظرة الإبداعية لا يمكن ربطها بالأموال فقط وإنما بالقدرة الخلاقة للفنانين، من هنا يؤكد المتحدثون على أن توزيع الأموال العمومية -كما يتم حاليا- يعتبر هدرا للمال العام أكثر منه مساهمة في خلق سينما جزائرية. ولعل أكبر دليل على ذلك، تلك الإنتاجات الكثيرة التي تساهم الوزارة في إنتاجها تزامنا مع كل تظاهرة ثقافية، مع الإشارة إلى أن الكم لا يعني دائما النوع، ومن أمثلة ذلك ما يتم تحضيره حاليا بمناسبة ''تلمسان، عاصمة الثقافة الإسلامية''، على اعتبار أنه يتم التحضير لما يقارب 40 فيلما وثائقيا بميزانيات هائلة، ليعود المتحدثون ليؤكدوا على أنه ولا فيلم من تلك المنتجة بأموال عمومية يحمل المواصفات التي يمكن أن تسمح له بالمشاركة في المهرجانات العالمية أو حتى يتم عرضها على الجمهور العريض، إذ على أكثر تقدير سيتم عرضها خلال التظاهرة دون أن تجد طريقا لتعويض الأموال المستثمرة فيها. ''غياب منتجين حقيقيين تسبب في هدر أموال طائلة'' من بين القضايا الشائكة التي تطرق لها ضيوف ''الأثر''، تلك المتعلقة بالإنتاج، حيث بادر المخرج سليم أغار للتأكيد على أن الجزائر لا تفتقر للمنتجين، مشيرا إلى أن كل من يحمل هذه القبعة في الوقت الحالي إنما هو في واقع الأمر منتج منفذ، على اعتبار أن كل ما يقوم به المنتجون في الوقت الحالي مجرد الحصول على الأموال إما من التلفزيون باعتباره الطرف المنتج الوحيد، أو من وزارة الثقافة التي باتت تخصص أموال مهمة للإنتاج السمعي البصري بكل أنواعه، غير أن حقيقة مهنة الإنتاج عبر العالم على غير ما هي عليه في الجزائر، حيث أن الدولة لا تتدخل في توفير الأموال من أجل الإنتاج الفني، إذ يعود هذا الدور للمنتج الذي يقوم بتوفير الأموال من خلال مصادر مختلفة بما فيها مصادره الخاصة، في إشارة إلى أن هذا النوع من الإنتاج لا يصلح في الجزائر في ظل غياب حلقات ضمان الدخل استعادة الأموال المستثمرة سواء من خلال المهرجانات أو من خلال العرض في القاعات على نطاق واسع. أمام هذه الوضعية يؤكد الحضور على أن الوضع تفشى فيه ظاهرة جديدة متمثلة في هدر المال العام، حيث باتت الأموال المخصصة من طرف الوزارة هدفا يطمح كل من يملك وكالة اتصالات للحصول على جزء من قطعة الكعكة الكبيرة. من جانب آخر، أكد سليم أغار على أن القليل من الأفلام الجيدة التي يتم إنتاجها لا يملك من الإمكانيات ما يسمح له بالمشاركة في المهرجانات، في إشارة إلى غياب هياكل تعنى بتسويق الأعمال الفنية المنتجة محليا، وأن القلة القليلة من المبدعين الذين يستمرون في إنتاج أعمال ذات قيمة يجدون أنفسهم بمفردهم في مواجهة مؤسسات ضخمة عالمية لمجرد المشاركة في المهرجانات العالمية.