وصف دانتي، في الملهاة الإلهية، نبي الإسلام بأبشع الأوصاف، وسايره في ذلك مئات الكتاب من رجال الكنيسة في القرون الوسطى· ولا تزال الكنيسة إلى اليوم تتلكأ في الاعتراف بالإسلام كأحد الأديان التوحيدية السماوية·· كما أن عددا كبيرا من الكتاب، منذ القرن العاشر الهجري، كتبوا عن الإسلام بطريقة أكثر إيجابية·· وكتب الكثير منهم عن الخدمة التي أسدتها الحضارة العربية الإسلامية إلى الغرب، من خلال ما يسمونه بالرشدية·· الخ· وباختصار، فإن عدد العلماء والكتاب الذين اهتموا من الأوروبيين بالإسلام لا يكاد يحصى· ويصح أن يوصف ذلك بمجهود بذل في سبيل فهم هذا الدين· ولكن النتائج تأتي دائما في اتجاه واحد: لم تكن الزيادة في الفهم في خدمة التعايش بين المسلمين والشعوب الغربية· فكلما اكتشف أحدهم أن الإسلام دين التسامح والحق والعدل والشورى، وحقوق الإنسان، كلما ازداد عداؤهم له· وكلما كثرت الدعوات من أجل الحوار بين الأديان، كلما تصاعدت حركات متطرفة في أوروبا تحذر من الخطر الأخضر· في القرون الوسطى حورب الإسلام باعتباره منافسا للكنيسة، وكان الصراع بين دين ودين، بين عقيدة وعقيدة، في وقت لم تعرف فيه بعد الفصل بين الدين والدولة· ولكن لائكية الدول الاستعمارية لم تمنعها من التحالف مع رجال الدين في حملاتها على العالم الإسلامي· ولا نكاد نحتفظ من فلسفة الظاهرة الإستعمارية سوى أنها حرب صليبية تعلن عن نفسها أنها جاءت لتحضير شعوب الشرق، من خلال تمسيحها· والآن، وبعد أكثر من خمسين سنة، على جلاء الاستعمار عن البلاد الإسلامية، لم يحتفظ الأوروبيون إلا بذلك الحكم الذي أصدره دانتي، ولكن في شكل حداثي براق تمثل في أطروحات هنتنغتون وفوكوياما، والذين يلقبهم التلفزيون الفرنسي بالفلاسفة، أمثال بيرنار هنري ليفي: ''أوروبا في خطر لأن المسلمين يؤدون صلاة الجمعة في شوارع المدن الفرنسية، وأوروبا في خطر لأن أكثر من ستة ملايين مسلم يرفضون الاندماج في المجتمع الألماني، وأوروبا في خطر لأن المسلمين يرفضون الصور الكاريكاتورية العابثة بشخصية رسول الإسلام في الدول الاسكندنافية، وأوروبا في خطر لأن الفصل بين الجماعات المسلحة الإرهابية وبين حقيقة الدين الإسلامي، عملية اصطناعية لا أصل لها··''· والخطاب المعادي للإسلام والمسلمين الذي تشهده أوروبا، هذه الأيام، عنيف بقدر ما هو مخيف ينذر بالحرب أكثر مما هو خطاب أحزاب وجماعات متطرفة معروفة· لقد تسرب هذا الخطاب إلى كل مكان، وأصبح من الصعب الحديث عن تعايش سلمي· إنه خطاب يهدد ملايين المسلمين في أوروبا في حياتهم· كما أنه خطاب استفزازي يدعو الطرف الآخر، المسلمين، إلى ردود أفعال عنيفة دفاعا عن النفس، ويتسبب في وضع حد للتسامح الذي عاش في ظله ملايين المسيحيين في بلاد العرب والمسلمين ولقرون عديدة من الزمن· وما حدث في العراق ليس إلا استثناءا لما قد يصبح قاعدة·