100 جزائري يعمدون شهريا بولاية تيزي وزو لوحدها.... 32 كنيسة بروتستانتية تنشط بطريقة غير شرعية..والمطالبة بقطع أراضي لبناء أخرى. أكثر من 45 ألف كتاب تبشيري يطعن في الإسلام تم توزيعه خلال سنة 2008 ... آلاف المتنصرين يؤدون قداسهم كل جمعة داخل عشرات الكنائس الإنجيلية.... أموال تجمع داخل الكنيسة دون ترخيص من الجهات الأمنية... عشرات الأسر تنصرت..وسط مخاوف سكان المنطقة من حدوث فتنة بين أبناء العائلة الواحدة. الحلقة الأولى بعيدا عن الصورة النمطية التي سوقت لها وسائل إعلامية ورسمية حول ظاهرة "التنصير" بالجزائر ومنطقة القبائل تحديدا، ٍالمرتبطة في ذهن كثيرين بإقتطاع تأشيرة هجرة إلى الضفة الأخرى، أو توفير مزايا مادية وفرص عمل ودراسة بالخارج... وأيا كانت صدقية هذه الصورة فإن إنتشار الظاهرة الرهيب في الفترة الأخيرة يحتم الوقوف عند جملة من التساؤلات الملحة بين إعتماد تطمينات الجهات الرسمية، بدء من وزارة غلام الله ومجلس بوعمران الشيخ المصّرين على توصيفها "ٍبالعابرة" التي ضخمت وسائل الإعلام من حجمها، وبين تصديق الحقائق المروعة التي تكشفت لنا في أرض الواقع على مدار خمسة أيام من عمر إجراء هذا التحقيق، متنقلين بين قرى ومداشر ولاية تيزي وزو... ٍ فهل حقيقة "الجشع المادي" هو الدافع الوحيد وراء تخلي عشرات بل مئات الجزائريين شهريا، ومن جميع المراتب الإجتماعية والشرائح العمرية عن دين آبائهم؟ أم أن هناك أسباب أخرى؟، وهل بالفعل أن الظاهرة لاتعدوا كونها موجة عابرة لا تستوجب كل هذا القلق؟، أم أن المسألة تتعلق بإستلاب ديني قد نلمس نتائجه المباشرة على المدى القريب؟، وإن كان هذا فبعد أكثر من عامين ونصف على سن قانون ممارسة الشعائر الدينية، هل ساهم هذا الأخير في الحد منها...وأين هو دور الجهات المسؤولة أمام كل الأرقام والصور التي تكشفت؟... كل هذا وغيره ما سعينا إلى إماطة اللثام عنه عند إجرائنا هذا التحقيق الذي حاولنا من خلاله الإبتعاد عن إصدار أية أحكام قيمية لنضع قراء "البلاد" أمام الحقائق الموجودة على الأرض... البداية كانت من تيزي وزو اختيارنا ولاية تيزي وزو لإجراء هذا التحقيق، جاء نتيجة إشتهارها بأنها المنطقة الأكثر إستهدافا من طرف الحملات التبشيرية التي اكتسحت جهات عدة داخل الجزائر، في البداية كنا مترددين بين الكشف عن هويتنا كصحفيين، وبين إخفاء حقيقتنا والتنكر بصفة أننا أشخاص يرغبون في التعرف على دين المسيحية، لأنك ببساطة عندما تفكر في زيارة معاقل نشاط "المنصريين الإنجيليين"، عليك أولا و قبل اتخاذ قرارك أن تفكر في الطريقة التي ستتغلغل من خلالها الى هذا العالم الغامض عنا نحن كجزائريين، خاصة وأن عمومنا كانوا لا يصدّقون أبداً إلى وقت قريب مضى أن هناك عرباً مسيحيون، لأننا ببساطة كنا نربط دائماً العروبة بالإسلام... لكن وبعد إتصالات حثيثة كنا قد أجريناها مع جهات عروشية لها علاقة بالمشرفين على كنائس تيزي وزو، تم الإتفاق على أن نلتقي بشخص هناك ليرافقنا أثناء أداء المهمة ويشرف على تسهيل عملنا وتذليل جميع العقبات التي قد تواجهنا، سيما وأن زملاء لنا من المنطقة كانوا قد حذرونا من إمكانية أن توصد جميع الأبواب في وجوهنا خاصة إذا علم "المتنصرون" أننا صحفيون من جريدة تصدر باللغة العربية ومعروف أن خطها الإفتتاحي وطني يرافع للدفاع عن الثوابت.. العروش من السياسة..إلى التنصير؟ كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية والنصف بعد الظهر حينما إنطلقنا من نهج ديدوش مراد وسط العاصمة قاصدين وجهتنا، وعلى طول الطريق كنا نكرر إتصالنا بالشخص المفترض أن يصطحبنا في هذه المهمة لنتفق على المكان الذي سنلتقي فيه...دخلنا المدينة حيث أرشدنا عدد من رجال الشرطة إلى المكان الذي نقصده...وبعد مدة من البحث وصلنا إلى مرادنا، إنه مقر مداومة تنسيقية العروش المحاذي لثكنة عسكرية تابعة لقوات الجيش واقعة بوسط مدينة تيزي وزو، إستقبلنا هناك شخص في منتصف الثلاثينات من العمر يدعى "لخضر"، وهو أحد ممثلي العروش بالإضافة إلى كونه يدير مكتبا لإحدى الجرائد الناطقة بالفرنسية، قام بإدخالنا مباشرة إلى مقر المداومة الذي كان عبارة عن شقة أرضية تضم عدة مكاتب تتوسطها قاعة فسيحة، وزعت على جنباتها لوحات عرض ألصق فيها كم هائل من صور شباب المنطقة أثناء مظاهرات الربيع الأسود وأخرى لزعيم العروش بلعيد عبريكا والكثير من قصاصات الجرائد والمجلات المواكبة لتلك الأحداث... مكثنا قليلا لإلتقاط بعض أنفاسنا جراء التعب الذي لحقنا بسبب طول الطريق الذي زاده إرهاقا الزحمة المرورية الناجمة عن كثرة الحواجزالأمنية المنتشرة عبر مساره، وفي تلك الأثناء اتصل مستقبلنا بالشخص الذي سيوصلنا إلى مبتغانا، والذي كان بدوره ناشطا معروفا في صفوف حركة العروش قبل أن يتحول إلى النصرانية ويصبح أحد المبشرين لها...لنقرر فيما بعد اصطحاب لخضر من أجل استئناف المهمة الطوية التي تنتظرنا .. فيلات فاخرة تتحول إلى كنائس يرتادها مئات المتنصريين يوميا على بعد كيلومتر واحد من جامعة مولود معمري، إنعطفنا يسارا لنجد أنفسنا وسط حي راقي بإحدى ضواحي "المدينةالجديدة" إصطفت على حافتيه فيلات فخمة تشير إلى أن سكانه من الطبقة الثرية ميسورة الحال، وماهي إلا لحظات قليلة حتى أشار إلينا مرافقنا بركن السيارة أمام إحداها..كانت الفيلا المكونة من ثلاثة طوابق علامة في الجمال والإتقان خاصة وأنها ضمت فناء واسعا وحديقة محيطة به، إنتضرنا قليلا أمام البوابة الرئيسية قبل أن تتوقف سيارة بيضاء من طراز ألماني، وينزل منها شخص فهمنا فيما بعد أنه ذاته الذي كلمه مرافقنا..بادرنا بالتحية "مرحبا أنا إسمي رمضان، مسيحي الديانة منذ سنوات سأعرفكم بمسؤولي الكنيسة هنا"، اللافت في الأمر أن الفيلا لم تكن تحمل أية اشارات تدل على أنها كنيسة، دخلنا إلى الفناء فوجدنا مجموعة كبيرة من الشباب والشابات كانوا ينظرون إلينا بطريقة تحمل في ثناياها العديد من المعاني والمفردات، بين من يظننا "تائبين جدد" جاؤوا لإعلان عودتهم إلى "سبيل الخلاص"!!! وبين من يعتبرنا مجرد فضوليين أتوا لينقلوا على صفحات الجرائد خلاف ما يشاهدونه هنا.. جزائريون يقودون لواء التنصير خلفا للأباء البيض تركنا رمضان "نغرق" للحظات في تفكيرنا قبل أن يعود مسرعا ليصعد بنا إلى الطابق الأول للقاء مسؤولي الكنيسة، وفي تلك الأثناء بدأت تتكشف لنا معالم وملامح المكان فهناك صلبان وشعارات مسيحية معلقة في كافة أرجاء البناية تشعر الزائر بأنه حقيقة في مكان يحمل دلالات دينية..هناك قبالة المدخل الرئيسي لقاعة "القداس" استقبلنا رجل ممتلىء الجثة في أوائل عقده الرابع قيل لنا بأنه "الراعي" الثاني في الكنيسة، ومصطلح الراعي كما فهمنا هي مرتبة مرادفة لصفة الإمام عند المسلمين.. في بداية حديثه معنا كان الراعي "طارق" كما يسمى حذرا ومتحفظا للغاية خاصة لما عرف أننا صحفيين، لكنه سرعان ماشرع يروي قصة "تحوله" من الإسلام إلى النصرانية، أخبرنا أنه اعتنق المسيحية سنة 89 لما كان طالبا في القسم النهائي، وبما أنه كان أحد أفراد عائلة كبيرة العدد وظرفها المادي ضعيف فإنه إضطر للذهاب إلى الجامعة من أجل التحضير لشهادة البكالويا، هناك تعرف على مجموعة من الشباب الذين دلوه على "الخلاص"!!!، ومن يومها صار كما يقول "هدفه الأول والأخير في الحياة هو نشر رسالة المحبة والسلام..التي جاء بها يسوع المسيح"، وحين سألناه عن كيفية تعايشه مع الأسرة والمحيط قال بأن جميع أفراد أسرته بدء من والديه وزوجته وأولاده وحتى أصهاره كلهم قد تركوا الإسلام وإعتنقوا المسيحية ، وعن سبب ذلك عبر قائلا "جميع أسرتي رأو بأم أعينهم معجزات المسيح، في السابق كنا مسلمين بالوراثة، وهذا هو الواقع لكننا لم نشعر يوما بأننا فعلا كذلك، ولما استهديت على طريق المسيح ناداني يسوع وقال لي: أحتاجك. فلبّيت النداء ومن يومها صار هدف نشر رسالة المسيح أهمشيء في حياتي، حصل ذلك في سنة 1996" مضيفا "بعد ذلك تلقيت نداء بوجوب الانتشار والدعوة إلى المسيحية في المنطقة.. فأتينا إلى هذا البيت الذي بنيته شيئاً فشيئاً وحولته إلى كنيسة نقيم صلواتنا فيها ونتلوا فيها الإنجيل منذ تلك المدة"، حاولنا مرارا أن نجره للحديث عن الجهة التي تمول نشاطاتهم وتتكفل بنفقات عيشه هو وباقي العاملين في الكنيسة، خاصة وأنه أخبرنا بأنه عمل فترة قصيرة في التعليم الثانوي قبل أن ينقطع كليا لخدمة الكنيسة، وهو حال باقي العاملين فيها، لكنه رفض الإفصاح عن الجهة الممولة مكتفيا بالقول "تبرعات الإخوة تكفي لتغطية هذه الحاجيات".. "صالح" الراعي الأكبر في الكنيسة ومسؤولها الأول له حكاية مشابهة لحكاية طارق فهو يقول " لقد نادانا الرب واستجبنا لذلك، لأن المسيح هو الطريق وهو الحياة, قال لي أنا أحتاجك فسلّمت نفسي عن طريق تسليم روحي لخدمة يسوع"، الرواية ذاتها تكررت مع كريم وخالد وغيرهم من عشرات الجزائريين "المتحولين" إلى المسيحية، الذين باتوا يمثلون الوقود الحي لحملات التنصير بالمنطقة.. أكثر من 32 كنيسة غير شرعية.. والبقية تأتي تضم ولاية تيزي وزو لوحدها أكثر من 32 كنيسة، نسبة 90 في المائة منها تابعة للمسيحيين البروتستانت، كما أن غالبيتها العضمى تعمل بطرق غير شرعية ودون الحصول على ترخيص من قبل الجهات الرسمية، جل هذه الكنائس هي عقارات خاصة حولها أصحابها إلى أماكن يلتقي فيها مئات "المتنصرين الجدد" لممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية، إلى جانب أنها تحوي مرافق أخرى مثل المكتبات ورياض الأطفال، أين يتم إستدراج شباب المنطقة الذين لم يتنصروا بعد عن طريق تقديم دروس دعم يلقيها أشخاص تابعون للكنيسة..هناك يجري إدماج الشباب المتردد على تلك المكتبات حيث يتم استقبالهم من قبل الرهبان ويتم تزويدهم بالكتب والمجلات التنصيرية وبأشرطة فيديو تحوي حصصا بالأمازيغية حول فضائل المسيحية.. حالة كمال الشاب صاحب الواحد وعشرين ربيعا إحدى تلك العينات الكثيرة والمتكررة التي قابلناها، يقول بأن بدايته مع المسيحية كانت سنة 2003 حين كان يومها يتردد على مكتبة تابعة لكنيسة قريته وهناك يقول بأنه تعرف على دين يسوع المسيح من خلال الكتب والمواعظ التي كان يلقيها من حين لآخر "أحد الرعاة".. على مدار المناطق التي زرناها لم تكد تخلوا مدينة أو دشرة من وجود كنيسة أو مكان يجتمع فيه هؤلاء المتنصرون، ويبدوا أن تساهل الجهات الرسمية معهم وغض الطرف عن نشاط كنائسهم الغير مرخصة، دفع ببعضهم إلى مطالبة الدولة منحهم قطع أراض واسعة حتى يقيموا عليها كنائس تنافس في حجمها مساجد تلك المناطق.. الإنجيليين الجدد...يكتسحون بلاد القبائل الشيء المريب الذي يشد الإنتباه أيضا في القضية، هو الإنتشار المهول لأتباع الكنيسة البروتستانتية على حساب أتباع المذاهب المسيحية الأخرى، فإذا كان الكاثوليك ينفُون بشدة إقدامهم على تنصير شبان جزائريين، لأن الكنيسة الكاثوليكية لا تبدي حماسة لانظمام الآتين من دِيانات أخرى إليها وتضعهم في الاختبار طيلة سنتين، "أملا بثنيهم عن موقفهم" على ما يذكر مسؤوليها، فإن البروتستانتية تقوم بحملات مكثفة لحمل شباب المنطقة على اعتناق المسيحية، مستخدمين في ذلك كل الأسلحة المُمكنة من إمكانات مادية وحِصص التلقين باللغة الأمازيغية، وصولا إلى تسهيل مسار التعميد الذي قد لا يستغرق أكثر من يومين. ووفقا لهذا المنظور علمنا من مصادر مطلعة كنا قد التقيناها في عمر هذا التحقيق، أكدت لنا أن الكنيسة البروتستانتية هي الأكثر نشاطا من حيث اتساع وامتداد رقعة عمليات التنصير في مناطق القبائل الصغرى والكبرى مقارنة بالكنيسة الكاثوليكية.. أطفال دون سن العاشرة ينّصرون قَصرًا...فقط لأن آبائهم إرتدوا ربما من حسن حضنا أن يتزامن تاريخ إجرائنا هذا التحقيق مع فترة دخول تلاميذ المدارس مرحلة العطلة الشتوية، لأن ذلك جعلنا نقف على حقائق طالما حاول المشرفون على حملات التبشير إخفائها والتستر عليها...أطفال من كلى الجنسين لاتتجاوز أعمارهم السن العاشرة يُأتى بهم إلى الكنيسة، ليخضعوا لعملية غسيل مخ تُطمس فيها جميع معالم الفطرة التي زرعت في أعماق عقولهم وقلوبهم الصغيرة...حوالي 60 طفلا شاهدناهم يجلسون على مقاعد وسط قاعة القداس التي يعلوها صليب خشبي ضخم، يقف إلى جانبه رجلان كان أحدهما يلقنهم أغاني وترانيم تجسد السيد المسيح في حين يتكفل الثاني بشرح كلمات تلك الأغاني ويروي لهم قصص من الإنجيل تتحدث عن ميلاد عيسى عليه السلام.. بادرنا بفتح عدسة الكاميرا لأخذ صورة المشهد لكن "طارق" سارع إلى منعنا من فعل ذلك بحجة "الحفاظ على خصوصيات الناس"، طالبنا بالتقرب منهم للمعرفة رؤيتهم فيما يجري من حولهم، لكن طلبنا هذا قوبل بالرفض لأسباب فهمنا دوافعها فيما بعد...سألنا "الراعي طارق" عن هوية أولياء هؤلاء الأطفال فأجاب بأنهم جميعهم مسيحيون يأتون بأبنائهم إلى الكنيسة ليتعلموا "دينهم الجديد"!!، وقال "نستغل فترات العطل لننظم إقامة لهؤلاء الأطفال قد تصل إلى أسبوع كامل، حيث يبيتون ويأكلون على حساب الكنيسة ويشاركون خلالها في الأغاني والعروض المسرحية طيلة مدة إقامتهم"... لم نكتفي بما قاله لنا "طارق" وجربنا بعد رجوعنا في المرة الثانية لنحضر مراسيم القداس أن نقترب منهم أكثر ، وعقب محاولات مربكة وسط إنشغال الجمع الكبير الذي حضر لتأدية "الصلاة" إستطعنا أن ننفرد بإثنين منهم.. "ماسي" هو اسم ذاك الطفل الذي استطعنا الحديث معه، كان شكله المحبوب يحمل الكثير من ملامح البراءة والذكاء، لم يكن قد أطفأ شمعته التاسعة بعد...سألناه بعربية دارجة "واش جيت دير هنا" فأجابنا بفرنسية سليمة يعجز حتى بعض جامعيينا "للأسف" عن التحدث بمثلها "جئت لأصلي مع والداي"، قلنا له لمن تريد أن تصلي ؟، قال "لأجل يسوع"، وهل تعرف من هو يسوع؟.." نعم هو ربي الذي يحبني"، ثم سألنا ببراءة "وانتم من تحبون؟" فأجبناه "الله ولكن ليس يسوع"، حينئذ هز برأسه قائلا "آه عرفت من تقصد"، "إله محمد؟" فأجبناه "نعم"، ليعقب علينا بكلمة يقشعر البدن لسماعها "لكن محمد كاذب.."، كان وقع الكلمة كبيرا إلا أننا استرسلنا في الحديث معه لنعرف سر هذا الكلام الخطير "من قال لك هذا الكلام"، فأجاب بأن معلمه هو من أخبره بذلك، وفي تلك الأثناء ضحكت الطفلة "ليندة" التي كانت تقريبا في نفس سن "ماسي" وقالت "هو يقصد معلم الكنيسة وليس معلم المدرسة...لينصرفا بعدها إلى باقي الأطفال المتواجدون داخل المكتبة...هذه بعض الحالات التي خلفت جيلا جديدا من الأبرياء المتنصرين ذنبهم الوحيد أن أوليائهم قرروا ذات يوم أن يتحولوا إلى دين جديد، أرادوا أن يحملوه إلى فلذات أكبادهم كما حمّلوهم من قبل جيناتهم وكرموزوماتهم البيولوجية. مسنين ونساء دفعهن الجهل والمرض إلى ترك دين الآباء لم تقتصر تداعيات انتشار الظاهرة على فئة سنية بعينها بل إمتدت لتشمل بالإضافة إلى الشباب، شريحة أخرى طالما عرفت بتمسكها الشديد بأصول دينها الحنيف حتى ايام الإستعمار الفرنسي لدرجة صدقت فيها مقولة أحدهم "اللهم ارزقني ايمان العجائز"، لكن هاهي اليوم تقع في شراك ما فشلت فرنسا عن تحقيقه على مدار قرن ونصف من الزمن.. عجائز وشيوخ رغم السنين التي أعيتهم والعجز الذي طالهم، استطاع الجهل والمرض أن يفعل فعلته فيهم..العجوز وردية التي جاوزت الثمانين من عمرها أحد تلك الأمثلة الحية، فهي تقول أنها آمنت بعيسى المسيح لأنها لم تعرف طعم الراحة إلا بعد أن نالها الشفاء ببركة يسوع ...تخيلوا عشرات العجائز والشيوخ ممن إلتقيناهم كلهم أجمعوا على أن تحولهم إلى النصرانية جاء كما يقولون بعد شفائهم من أمراض معضلة فشلت جميع وسائل العلاج الأخرى في حلها، مظاهر تركتنا نتأكد من أن الجهل المطبق بمفاهيم الإسلام كان له العامل الأكبر في تفشي الظاهرة، فليس غريبا أن كون معظمهم لا يتكلم العربية ساهم في خلق حاجز تواصل كبير بينهم وبين فهم حقيقة الإسلام، معرفة وان توفرت في حدها الأدنى فانها لا تكفي لتقف حاجزا أمام ضغط وتأثير الأفكار التي يعمد المشرفون على حملات التنصير إلى نشرها في أوساط سكان القرى والمداشر. كتب توزع مجانا تنعت الإسلام بالإرهاب ..وإمتهان المرأة الإيمان الذي به نحيا، زوجة الراعي، الكنيسة المنتصرة، حقائق إيمانية ... عناوين كثيرة لكتب تبشيرية يتم توزيع الألاف منها أسبوعيا وبشكل مستمر على الزوار والحشود التي تحضر لأداء قداس الجمعة، وقد دلنا أحد المشرفين على عمليات التبشير رفض الإفصاح لنا عن اسمه أن عدد نسخ الكتب و الاناجيل التي وزعتها الكنيسة – مجانا – وفي عام واحد فقط بلغ أكثر من 45 ألف نسخة، جميعها تأتي من دول أجنبية مثل فرنسا، إيطاليا،أمريكا و لبنان بالإظافة إلى بعض الجامعات الأمريكية المنتشرة في دول عربية مثل مصر والأردن، كما توجد هناك بعض المطابع المحلية الخاصة التي تشرف على توفير هذه الكتب باللغة الأمازيغية، حيث ذكر محدثنا بأن لديها خطة ممنهجة ومراحل معينة تتبعها في نشر هذه الكتب بحسب الكمية والنوعية المطلوبة. وتضم نسخا من هذه الكتب التي استطعنا الإطلاع على بعضها، مجموعة من القصص والروايات التي تدعم نشاطهم بالدعوة الى اعتناق النصرانية , والتنفير من الاسلام وكنموذج على ذلك، حوت رواية "قلوب ملتهبة" قصصا عن مسيحيات تقول بأنهن تعرضن لكافة أنواع القهر داخل دول إسلامية، بل لم تقتصر الرواية على هذا وإمتدت لتتطاول على القرآن والرموز والشعائر الإسلامية، ففي الوقت الذي تصور فيه المسيحيين على أنهم أناس صبورين يخوضون الاخطار ويتسمون بجمال الملامح وجلال المظهر وتألق الثياب وحسن السمت، فإنها تظهر بالمقابل المسلمين في أوصاف منحطة تتسم بالإرهاب والإنحراف، وعلى سبيل المثال لا الحصر نورد بعض ما ورد في ذلك "وأخذ الإرهابيون المسلمون يهتفون الله أكبر...الله أكبر"، "أخذ أحد من الرجال رباطا وربطه حول رأسها وكان مكتوب عليه الله أكبر وبآخر قوة تبقت لها صرخت أديل دم يسوع المسيح أقوى من أي شيء.."، "وجاء رئيس جماعة الجهاد وسألهم..هل ستنكرون المسيح أم ستموتون"، "وبدأ الإرهابيون يقرأون كتابهم القرآن،وعندما انتهى ذلك بدءوا يرقصون مثل السكارى ويطلقون بنادقهم في الهواء يعلنون فرحتهم بتحويل المسيحيين إلى دينهم"، وتمعن هذه الكتب في اتهام الإسلام بإمتهان المرأة "في العالم الإسلامي يتوقعون أن تتزوج المرأة قبل سن الخامسة والعشرين، إذا لم تتزوج فهم يفترضون أنها عاهرة وعادة ما تسجن ويعاد تثقيفها وتزوج..". كما وزعت كتب أخرى وضعت للاستدلال على صحة الإنجيل وسلامته من التحريف , مع اثارة الشك حول القرآن الكريم على أنه كتاب يحمل الكثير من التناقضات وبأنه من تأليف محمد "صلى الله عليه وسلم" بمساعدة من الصحابة. لكن الشيء المهم الذي أثار انتباهنا، وجعلنا نطرح العديد من التساؤلات ونقاط الإستفهام حول هذه المسألة، هو عن الكيفية التي إستطاع المنصرون من خلالها تجاوز الحدود البرية والبحرية والجوية لتمرير كميات ضخمة من الكتب التنصيرية، مع أنّه كان جديرا أن يتم قطع الطريق وجوبا على أساليب التنصير الحالية في منطقة القبائل. حفلات زفاف وجنائز تؤدى بالكنائس على الطريقة المسيحية لم تقتصر التطبيقات المسيحية على الجوانب الدينية فقط بل طالت كذلك العادات الفردية والمظاهر الإجتماعية الأخرى، على غرار الزواج والإحتفالات الدينية والخاصة، بل وصل الأمر إلى درجة تأبين الأموات داخل الكنائس وإقامة مراسيم الجنازة على الطريقة المسيحية، بهذا أخبرنا الراعي "طارق" أن كنيسة المدينةالجديدة لوحدها عقدت خلال الصائفة الماضية أكثر من 45 حالة زفاف تمت بين "المتنصرين" حضر فيها أهالي وأقارب العروسين، كما تشرف الكنيسة على تجهيز الأموات لدفنهم في مقابر خاصة بهم. خالد أحد هؤلاء الأشخاص، فهو يقول بأن عقد قرانه تم في الكنيسة شهر جويلية الماضي، وأن جميع أصدقائه حتى ممن لم يتنصروا قد شاركو في مراسيم حفل الزفاف الذي أقامه فيها، مضيفا "كيما يحق للمسلم يفتّح في الجامع، أنا من حقي كمسيحي نتزوج في الكنيسة"، في حين ذكرت "نا سعدية" أنها حضرت آخر تأبين لعجوز مسيحية توفيت منذ أكثر من شهر". يتبع...