تشهد المحاكم الجزائرية ارتفاعا محسوسا للنزاعات الإدارية التي عادة ما يكون أحد أطرافها المواطن الساخط على الإدارة العمومية، فبالرغم من عدم انتشارها على نطاق واسع إلا أن الكثير من المواطنين لا يمانعون في رفع دعاوى قضائية ضد الإدارات على إثر ما يعتبرونه تعسفا· ومع أن الإحصائيات الرسمية لا تقدم أرقاما محددة، إلا أن القانونيين يؤكدون ارتفاع وتيرة مثل هذه الدعاوى· عرفت مثل هذه المنازعات ارتفاعا كبيرا في السنوات الأخيرة بسبب موجة التسريح الواسعة لآلاف العمال جراء الإصلاحات الاقتصادية من جهة، إلى جانب قضايا الطرد التعسفي، الأمر الذي يدفعهم إلى اللجوء إلى القضاء من أجل استرداد حقوقهم. ومن جهة أخرى، هناك النزاعات بين المواطنين والإدارات المحلية لقضايا تتعلق بمشاريع بناء واستحواذ على أراضي.... وغيرها· تتمحور أغلب القضايا المرفوعة عبر أروقة المحاكم حول طلب العمال إعادة إدماجهم من جديد في الشغل، إذ يفضّلون العودة إلى مناصبهم على تعويضهم ماديا نظرا لانخفاض قيمتها. وبالرغم من الأحكام القضائية الصادرة التي تكون في مجملها ضد الإدارة بنسبة تفوق 80 بالمائة، إلا أن هؤلاء العمال يصطدمون كل مرة برفض الإدارة تنفيذ تلك الأحكام. وفي هذا السياق، يقول أحمد بأنه يتردد على أروقة المحاكم منذ أزيد من 5 سنوات، وفي كل مرة يحصل على حكم يدين المؤسسة العمومية للأشغال العمومية التي كان يعمل بها، إلا وأن هذه الأخيرة تستأنف الحكم من جديد، ليضيف بأنه تعرّض للطرد التعسفي من قبل المسؤولين بسبب خطأ إداري لم يرتكبه كلفه توقيفه عن العمل دون مثوله أمام المجلس التأديبي. وصرح أحمد بأن جميع الأحكام القضائية الصادرة هي لصالحه، حيث تنص على ضرورة إعادته إلى منصبه إلا أن المؤسسة العمومية لم تطبقها، ''كل مرة تقدم لي حجج لا أساس لها من الصحة سيما أنني رفضت الحصول على تعويض مادي مقابل تصريحي، لأن مبلغ 50 مليون سنتيم لا يسمح لي بإعالة عائلتي، ليس مثل راتب شهري دائم''. أما السيد عثمان، موظف سابق بمديرية الحماية المدنية، فيقول بأنه تعرّض للطرد دون أي سبب من منصبه بعد إحالته على المجلس التأديبي، مضيفا بأن هذا القرار التعسفي دفعه إلى اللجوء إلى العدالة التي أنصفته بإصدار قرار يقضي بإعادة إدماجه في منصبه مع منحه تعويض مادي قدره 30 مليون سنتيم، إلا أن المديرية المعنية لم تستجب لقرار العدالة وأضحت تخلق العديد من العقبات أمام المحضر خلال محاولته لتطبيق الحكم· فاروق قسنطيني، الإدارة أول من يخرق القانون بهذا الخصوص، يقول المحامي فاروق قسنطيني بأن المواطن لم يعد يثق في العديد من المؤسسات العمومية نتيجة التصرفات اللامسؤولة لمسيريها المبنية أساسا على خرق القوانين، الأمر الذي يفسر -حسبه- أيضا ضرب هذه المؤسسات جميع الأحكام القضائية الصادرة في حقها، عرض الحائط، مفتعلة بذلك العديد من المشاكل ما حال دون تنفيذ العديد من الأحكام· ويضيف فاروق قسنطيني بأن الدولة الممثلة في مؤسساتها العمومية تعتقد بأنها غير مرغمة على تطبيق تلك الأحكام، مستغلة في ذلك الفراغ القانوني الكبير، الأمر الذي يتطلب -حسبه- من المشرع إعادة وضع تدابير قضائية جديدة تفرض على الإدارة الرضوخ للعدالة باعتبارها ليست فوق القانون. في المقابل، أكدت السيدة حيمر، عضو بالغرفة الوطنية للمحضرين القضائيين، أن الإدارة العمومية لا تتعاون لتسهيل مهام المحضرين القضائيين خلال تنفيذهم للأحكام القضائية سواء تلك الصادرة ضدها أو لصالحها، مضيفا بأنها تضع أمامهم العديد من العراقيل بالرغم من وجود أحكام جزائية ضد كل من يمنع المحضر من أداء مهامه وفق قانون العقوبات، مما أخر تطبيق العديد من الأحكام، مضيفة بأن نسبة التنفيذ تعتبر جد ضئيلة. وأوضحت المتحدثة أن الخزينة العمومية ترفض حتى دفع المستحقات المالية للمحضر في حالة خسارتها لأي قضية، وتأتي في مقدمة مختلف الهيئات العمومية البلديات دون تقديم أي أرقام حول عدد المحضرين الذين يفضّلون اللجوء إلى القضاء لمتابعة هذه الهيئات من أجل استرداد حقوقهم·