لقد قالها الزعيم سعد زغلول قبل عشرات السنين، هو الذي راهن على الشعب المصري من أجل تغيير مصيره وكان على فراش المرض. خاطب زوجته صفية بلهجة يائسة ''غطيني.. الظاهر ما فيش فايدة''. ورغم أن تلك الصرخة اليائسة جاءت عفوية، إلا أنها تحوّلت إلى قناعة بل إلى إحدى خصائص الشارع المصري لدى فئات كثيرة من السياسيين. أو هكذا بدا على مرّ السنين. ومما رسّخ هذه القناعة أكثر قول المفكر السعودي الراحل عبد الله القصيمي إن ''العرب ظاهرة صوتية'' تلك المقولة التي أخذت عنوان أحد أشهر كتبه. صرح سعد زغلول، وصرخ عبد الله القصيمي في لحظات يأس، واطمأن أصحاب العروش على عروشهم حينا من الدهر، مرّ الأجيال وجاءت حركات وانشقت عنها حركات وانشق المنشق عن المنشق وتفرقت القضايا بين القبائل المنشقة عن بعضها، وجاءت حركات أخرى ما بعد إيديولوجية ضيقة على غرار ''كفاية'' و''بزاف'' وغيرها، وقيل إن شباب الفايس بوك سيغير من الأمر، لكن خاب الأمل قبل سنوات في حركات من هذا النوع. وأخيرا جاء من يرد على صرخات سعد زغلول وعبد الله القصيمي اليائسة، ولم يكن صاحب الصرخة الجديد زعيما سياسيا ولا ناشطا ولا حتى مدونا على الفايسبوك أو تويتر، إنه التونسي محمد البوعزيزي الذي أشعل النار في جسمه ومن حيث لا يدري امتدت نار جسده إلى قصر قرطاج لتسقط سيده وسيدته، وامتدت لعنته شرقا وهي في طريقها لتأتي على عرش مبارك الذي عمّر طويلا في كرسيه، ولا أحد يدري أين ستتجه لعنة البوعزيزي مستقبلا والكثير من البلدان مرشحة لمثل هذا المصير. لقد أجاب محمد البوعزيزي من حيث لا يدري على سعد زغلول، وكأني به يقف أمامه ويخاطبه ويقول له: عذرا أيها الزعيم.. فيه فايدة.