ماذا فعلت بنا يا محمد البوعزيزي؟؟ لقد أشعلت النار التي أكلت جسمك الخوف الذي سكن قلوب الجماهير العربية لعقود طويلة.. ها أنت الآن في دار الخلود ترقب باطمئنان هذه الثورة الممتدة من تونس إلى مصر.. هاهي تأتي مدا اخضرا مجلجلا هادرا في وجه الطاغية تأمره بالرحيل.. وهاهم الشباب الذين كنت مهمازهم في ميدان التحرير بالقاهرة صامدون وباقون هناك حتى يغادر حسني مبارك حياتهم وحياتنا.. أما بن علي فقد أطلق ساقيه للريح وهرب إلى السعودية. ماذا فعلت بنا يا محمد البوعزيزي؟؟ فقد أحرق بعدك الكثير من الناس أجسادهم هنا بالجزائر وفي مصر وفي موريطانيا.. حوّلوك إلى نموذج وماركة احتجاجية.. لن فعلتك الجبارة كانت الأولى وكانت فريدة وجاء بعدها كل المد الثوري الغاضب الذي يهدد كل العروش الهشة لدكتاتوريي العالم الأخيرين. أنت أشعلت ولاعة سجائرك في جسمك وأشعلت معها كل الغضب الكامن في قلوب الملايين من المقهورين والمحفورين.. هاهو احتراقك الأسطوري يتحوّل إلى أسطورة في تونس ثم مصر وسيعم كل الأرجاء في الأرض المسكونة بالظلم والسجون والإيديولوجيات المهترئة. ماذا فعلت بنا يا محمد البوعزيزي؟؟ وهاهم المسحوقون في الأرض العربية يتظاهرون ضد الحاكم الأبدي وضد العدالة المهدورة وضد الخبز المهدور، الكرامة أيضا وضد الحرية المغتصبة في مراكز الشرطة وفي السجون العملاقة وفي العرق المسروق في عضلات العمال والبنائين والفلاحين والحمالين.. لم تترك لنا وقتا يا محمد البوعزيزي لنكتب فيك قصائد الرثاء الموروثة من الخنساء.. لم تترك لنا وقتا لتأمل فعلتك والعمل كالعادة على التنظير بالشعوذات النقدية التي تتقنها الأكاديمية الجافة. ماذا فعلت بنا يا محمد البوعزيزي؟؟ يا أجمل منتحر في التاريخ.. سوف تسمى عليك الشوارع والساحات.. وستتحوّل فعلتك إلى أهم أحداث التاريخ المعاصر.. وستقرؤها الأجيال في مقررات التاريخ المدرسية.. أنت الآن في ذاكرة التاريخ أهم وأعظم من كل الرؤساء والملوك الذين ملأوا الأرض جورا وطغيانا..