حتى وإن كانت ثورة الشعب التونسي قد بدأت بإقدام محمد البوعزيزي على إضرام النار في جسده فإن هذا الأسلوب لا يجوز أن يكون وسيلة للتعبير عن رفض الوضع القائم، وما نسمعه من إقدام شباب في الجزائر ومصر وموريتانيا و ربما في بلاد عربية أخرى على تقليد البوعزيزي لا يمكن أن يكون علامة على انتشار قناعة التغيير لدى الجماهير. لم يستنسخ التونسيون تجارب الآخرين، لقد انطلقوا من واقعهم، واستعملوا ما توفر لهم من وسائل لتغيير واقعهم، كان أحدهم قد عبر بطريقة راديكالية عن رفضه للظلم عندما أضرم النار في جسده، لكن الأمر لم يتحول إلى أسلوب لمعارضة النظام في تونس، كان التحول قد بدأ عندما أصر التونسيون على تبني قضية المظلومين والمقهورين وقرروا أن يتضامنوا وأن يعلنوا تمسكهم بحقهم في الحياة الحرة الكريمة وقد اقتربوا من هدفهم جدا وهم اليوم أكثر إصرارا على حماية ثورتهم من المتربصين بها في الداخل والخارج. في كل البلاد العربية توجد مساحات للتحرك، ومهما كان ضيق تلك المساحات فإنها أفضل من أن يضرن غاضب النار في جسده، بل إن في كل البلاد العربية آلاف النماذج عن الظلم والحرمان والقهر تستحق التفاتة المجتمع وانتفاضته أيضا، ومن هنا لم يعد مقبولا تحويل أسلوب البوعزيزي في الاحتجاج إلى شرط للتغيير أو الثورة في وجه الظلم والقهر، ولو أحرق كل غاضب نفسه بالنار لم وجد الحكام من يقول في وجههم لا، ولولا التمسك بالحياة لما أطاح شعب تونس بالطاغية.