ما الذي أتى بالوزير الأول التونسي إلى الجزائر؟ أولم يكن الأجدر به أن يطير صوب الجهة المقابلة من البحر، إلى فرنسا مثلا؟ أو أن يقطع المحيط إلى الولايات المتحدة؟ لا·· ليس من المفاجأة في شيء أن تكون أولى زيارات السيد باجي قايد السبسي إلى الجزائر· ليست زيارة للمجاملات والتعارف، بكل تأكيد وليس فقط لأن السلطات التونسية تريد طمأنة الحكومة الجزائرية بأن الثورة غيّرت رأي التونسيين في الجزائر· ولكن لأن العلاقات بين البلدين أكبر بكثير مما نتصوره وأكبر مما تعلنه الأرقام الرسمية لأن الأرقام لا تتكلم إلا عن حجم التبادلات التجارية وإنما يتعداه إلى أشياء أخرى ذات أهمية قصوى إلى درجة أن النجاح التونسي مرهون باستمرار هذه العلاقات· فبالإضافة إلى الوزن الثقيل الذي يمثله الجزائريون في الصناعة السياحية في الجزائر، بالإضافة إلى المكانة الاقتصادية للجالية الجزائرية في تونس، وبالإضافة إلى ما تمثله العلاقات بين سكان البلدين على الحدود، بالإضافة إلى كل ذلك فإن الجزائر اعتبرت تونس جزءا لا يتجزأ من مجالها الحيوي· ويعرف التونسيون أنهم يستطيعون الاعتماد على الجزائر اعتمادا مطلقا فيما يتعلق بأمنهم القومي· وفي هذا الإطار يروي اللواء خالد نزار، وزير الدفاع الجزائري الأسبق، أن الجزائر كانت مستعدة لحماية الأراضي التونسية أثناء الأزمة التونسية الليبية، وأن السلطات الجزائرية عرضت الأمر على السلطات التونسية عندما هدد القذافي· واليوم، وتونس تمر بمرحلة حرجة من تاريخها، فإن حاجتها إلى الجزائر أكبر من أي وقت مضى: الثورة التونسية في حاجة إلى حماية لتثبيت استقلاليتها في وجه محاولات التوجيه الخارجية، وفي حاجة إلى استقرار الأوضاع الداخلية، وهي، من أجل ذلك محتاجة إلى الكثير من الأشياء التي تتوافر عليها الجزائر· والإقتصاد التونسي يعيش أحد أكبر أزماته: فهو يحتاج إلى إعادة تشغيل الآلة السياحية، ومن يقدر على ذلك سوى السواح الجزائريين؟ وتونس محتاجة إلى استثمارات أجنبية، ومحتاجة إلى قروض سريعة بشروط غير سياسية· والجزائر قادرة على مدّ تونس بما تحتاج إليه من قروض وقادرة على استغلال بعض المال· وبقدر ما تمثل هذه الحاجات طلبات تونسية عاجلة، بقدر ما تمثل فرصة جزائرية· إنها فرصة يستعين من خلالها الاقتصاد الجزائري الراكد بمجال اقتصادي تونسي أثبت حيويته، وسيثبتها أكثر بعد التخلص من أثقال نسب العمولات والرشاوى التي كانت تتلقاها العائلة الحاكمة· وخلاف ذلك، فإن فشل الحكومة التونسية في استعادة الأمن والاستقرار، وإن فشلها في إعادة وضع الاقتصاد على صحته الصحيحة، وإن تبرم الجزائر من مساعدة التونسيين، اقتصاديا وأمنيا، يعني انتشار الفوضى داخل حدودنا ويعني فتح الباب واسعا أمام تدخلات أجنبية لا تكتفي بما هو متاح في تونس، تتخذ من هذه الأخيرة قاعدة إلى فرض أنواع من الهيمنة داخل حدودنا· هكذا·· يجب أن ننظر إلى ما حدث في تونس على أنه مدعاة إلى مراحل قادمة أكثر ازدهارا· لا العكس·