يبدو أن أنظار العالم ستظل مسلطة على المنطقة العربية لفترة طويلة، بالنظر لتكرار سيناريو الانتفاضات الشعبية وانتقالها بفعل العدوى من دولة لأخرى، ولعل الأنظار ستتجه اليوم صوب المغرب، حيث ينتظر خروج مئات أو آلاف المتظاهرين المطالبين بالتغيير في البلاد، مثلما دعت له تنسيقية حركة 20 فبراير في بيانها الداعي والمؤكد على موافقة أكثر من 60 مدينة في المغرب على الخروج في مسيرات شعبية حاشدة للمطالبة بالمزيد من الإصلاحات· تأتي هذه المسيرة السلمية المتوقعة اليوم في المدن المغربية بعد تلك التي شهدتها المملكة في 20 من الشهر الماضي، وبعد خطاب الملك في 9 من الشهر الحالي· الخطاب الذي تلى أول مظاهرة احتجاجية في المغرب تطالب ليس فقط بالإصلاح وإنما التغيير الجذري في نظام الحكم، على اعتبار أن مسيرة اليوم تأتي في سياق الرد على الإصلاحات التي أعلن عنها الملك محمد السادس في خطابه، الذي رأى فيه الكثيرون استجابة صريحة لمطالب الشارع المغربي· فقد أكد الملك في خطابه عن التزامه بمراجعة شاملة للدستور تضمن الفصل بين السلطات، الأمر الذي اعتبره الكثيرون سابقة في المغرب التي لم تشهد مثل هذه المراجعة منذ استقلالها سنة .1956 غير أن الإصلاحات المعلن عنها من طرف الملك لم تلق القبول لدى الحركة الاحتجاجية، وهو ما يفسر الإصرار على مسيرة اليوم· ويرى بعض الخبراء أن الحركة الشبابية تعتزم الاستفادة من الوضع الاستثنائي الذي تشهده المنطقة العربية من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من الإصلاحات، بالنظر لإمكانية تجاوب الملك مع مطالب الشارع المغربي مخافة انتقال عدوى الثورات العربية إلى المملكة· المثير أن جانبا من الإعلام الموالي للعرش استبق الأحداث من أجل التشكيك في القائمين على الحركة الاحتجاجية، على اعتبار أن الصحف المغربية ترى في مظاهرة اليوم محاولة لتفويت فرصة الإصلاحات المعلن عنها من طرف محمد السادس، ولم تتكتم بعض الصحف المغربية عن من ترى أنهم يقفون وراء هذه الاضطرابات، حيث يُشار إلى التيار الإسلامي، جماعة العدل والإحسان وإلى بعض المنشقين من العائلة الملكة، في إشارة إلى الأمير هشام· الجدير بالذكر أن الحركة الاحتجاجية لم تتقدم بطلب ترخيص للمسيرة المقررة اليوم، إذ اكتفت باعتبار إعلانها عن المسيرة إشعاراً في حد ذاته لا يحتاج إلى ترخيص، الأمر الذي قد يُرجح نشوب مواجهات بين قوى الأمن والمتظاهرين· هذا في الوقت الذي أكدت العديد من الحساسيات الحزبية والجمعيات، إلى جانب النقابات العمالية، موافقتها على المشاركة في مسيرة اليوم، مع الإشارة إلى أن كلمة الأمر المتفق عليها المطالبة بالتغيير وعدم الاكتفاء بالإصلاح المعلن عنه· فقد ذكرت الحركة الاحتجاجية أن الإصلاحات التي أعلنها العاهل المغربي محمد السادس غير كافية ولا تعيد النظر في طبيعة الحكم الملكي في المغرب، على اعتبار أن مطالب الشارع تصر على إعادة النظر في الدستور، ما يعني أن المطالب باتت تمس طبيعة الحكم التي يريدها المتظاهرون ملكية برلمانية، حيث ينحصر فيها دور الملك والمؤسسات الملكية· مع ضرورة التذكير أن هناك من المطالب الاجتماعية، السياسية والاقتصادية التي تنادي بضرورة محاكمة الأسماء المتورطة في الفساد الاقتصادي ومحاسبة المسؤولين، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، غلق سجون التعذيب وغيرها من المطالب التي من شأنها إعادة رسم الخريطة السياسية في المغرب· كل هذه المطالب وغيرها الكثير يأمل القائمون على هذه الحركة الاحتجاجية التي باتت تتسع رقعتها، حيث انطلقت بمبادرة الحركة الشبابية ''باراكات'' لتمتد اليوم لتشمل العديد من الأحزاب والجمعيات والنقابات والحركات المستقلة، إذ تطالب كلها بالتغيير الجذري· من هنا تتضح صعوبة المهمة في المغرب، إذ يطالب المتظاهرون من جملة ما يطالبون به التخلص من قدسية شخص الملك وطبيعة الحكم الملكي التي ينص عليها الدستور المغربي، على غرار ما تنص عليه المادة 19 من الدستور ''الملك هو أمير المؤمنين''، أو المادة 29 التي تعطيه سلطات الحكم بمراسيم ملكية تملك قوة القانون ولا تقبل الطعن· هذه المواد وغيرها ترهن كل الإصلاحات وتجعل من الملك الحاكم الأوحد والوحيد للبلاد·