''سقوط الدولة البوليسية في تونس''·· هو عنوان كتاب جديد صدر في بيروت قبيل أيام قليلة عن الدار العربية للعلوم - ناشرون، أهدانيه مؤلف الكاتب التونسي المعارض الصديق توفيق المديني الذي يقيم في المنفى منذ ثمانينيات القرن الماضي· يقع الكتاب في ثلاثمائة صفحة لا تخلو طباعته من الأناقة التي عرفت بها صناعة الكتاب في لبنان، مقارنة بغيرها في الوطن العربي· ويعتبر الكتاب هدية لطيفة لحركة شباب تونس الذين ظاهروا على الحكم البوليسي في تونس الذي قاده منذ الثمانينيات زين العابدين بن علي، وانتهى بهروبه إلى المملكة العربية السعودية التي يرى البعض أنها أضافت باستقباله خطأً إلى قائمة أخطائها الطويلة ضد المواطن العربي والمسلم في عالم اليوم· والكتاب هو عبارة عن عدد كبير من المقالات نشرها المؤلف على مدى أكثر من عشرين سنة في العديد من الصحف العربية حملت في دقتها وجهة نظره المعادية للنظام البوليسي الذي أقامه بن علي منذ 7 نوفمبر .1987 تكشف فصول الكتاب التاسعة الكثير من الحقائق عن النظام البوليس لبن علي وآلياته·· بل وقبله نظامه الأبوي الذي ترعرع فيه نظام بورفيبة· ويحدثنا الكتاب عن دور المخابرات الإيطالية بالتنسيق مع أجهزة مخابراتية عالمية أمريكية وعربية في ترتيب وصول بن علي إلى سدة الحكم وتنحي بورفيبة (ص 50)· كما يحدثنا عن دور النساء في البلاط الرئاسي التونسي، سواء في عهد بورفيبة أو زين العابدين من سعيدة ساسي إلى وسيلة بن عمار، وصولاً إلى ليلة الطرابلسي، كما يحدثنا عن العائلات التي نهبت تونس (ص 212) ويفصل في الحديث عن عائلات الطرابلسي، عمار ، لطيف، زروق وعن عائلة بن علي نفسه وشقيقه منصف الذي قتل على يد المافيات الإيطالية بسبب خلاف على تقاسم عوائد بيع المخدرات (ص 228) وكذلك عن عائلة الجري التي احتكرت استيراد بعض أنواع السيارات وبعض البنوك وتاجرت في تصريف العملات، وكذلك عن عائلة الماطري التي منها زوج ابنة زين العابدين من زوجته الأولى· ولا يمتاز كتاب توفيق المديني بهذا الحكم من الحقائق عن قضايا النظام وتركيبته وآلياته، حيث قدم معلومات ميدانية قيمة، بل امتاز الكتاب بالأرقام التي قدمها عن سلوكيات النظام في المجالات الاقتصادية، مستنداً إلى مصادر مالية محلية ودولية في الأكثر معرفة بمنهوبات النظام كما تحدث بدقة عن أساليب القمع والتآمر في مؤسساته المختلفة، ذاكراً العديد من الأسماء النافذة· ولأن المؤلف متابع يومي للحياة السياسية في تونس، خصص الفصل الأخير من كتابه عن حركة الشباب في مصر عنونه ب''الثورة التونسية: الدوافع والتداعيات والأفق'' تحدث فيه عن حركة الشباب التونسي ومحاولات رجال بن علي الالتفاف على هذه الحركة بمختلف الأساليب·· ويخلص بنا المؤلف من خلال استعراضه سقوط الدولة التونسية في تونس إلى القول: ''إن الدولة البوليسية لا يمكن أن تنوب عن المجتمع في إحداث التنوير والحداثة، فإن للحداثة بمعناها التاريخي شروطاً، على رأسها الحرية، حرية التفكير وحرية التنظيم وحرية الصحافة، وإن الديمقراطية ليست إجراءات تقنية وليست صناديق اقتراع·