ليست المناسبة، ذكرى ميلاد ولا حتى وفاة (لا قدّر الله)، لكنها ''اللامناسبة'' التي نستعيد فيها واحدا من أهم الأصوات الموسيقية في جزائر ثمانينات القرن الماضي· الفنان محمد بوليفة الذي أبدع في تلحين وأداء ''ما قيمة الدنيا'' و''ضم الحبيب حبيبه''·· وغيرها من القصائد لأصدقائه الشعراء الذين شكلّوا حينها شلة ضمت الكثير من صناع المشهد الأدبي حينها من أمثال سليمان جوادي وعاشور فني وعبد العزيز بوباكير والسعيد بوطاجين، والراحلين محمد حسين الأعرجي وجيلي عبد الرحمن ومحمد الامين وغيرهم كثير· وبعيدا عن اللغة الرسمية الجاهزة، هذه استعادة حميمية لبعض ذكريات الفنان مع أصدقائه الادباء بأقلام بعضهم· على شرفة في بلاد بعيدة /محمد بوليفة: بلا سبب واضح كنت وحدي أغني هؤلاء الذين يلتقون يضحكون ويصخبون ليسوا زملاء عمل ولا جيران سكنى، إنهم أحبة، فمنهم الشاعر والموسيقي والناقد والأستاذ والكاتب والصحافي، قلوبهم شتى وهم على حب واحد: الجمال، المحبة والجمال قيمتان زينتا مجالس الفن في كل زمان وفي كل مكان، مجالس العاصمة زمن الثمانينيات من القرن العشرين جمعت أسماء جميلة وأحلاما كبيرة، سليمان جوادي ومحمد بوليفة كانا عنوانا لعلاقة جميلة بين الشعر والموسيقى لدى الجيل الجديد من الشعراء والفنانين، جمعتهما آمال عريضة ووحد بينهما التطلع لكل جميل، حين تعرفت عليهما مع جمع من الأصدقاء، كان محمد بوليفة يشق طريقه بدأب، جمع الموهبة الأصيلة والتكوين الرفيع، والعمل الدؤوب، كان دائما يشتغل على شيء جديد، لم يكن الغناء مهنته بل كان أسلوبه في الحياة، يحضر متأخرا قليلا ولكن بإحساس من وصل قبل الآخرين، رأسا يحدثك عن عمل جديد، يحرك أصابعه قليلا فيمسك بغيمة ذهبية، في مجلس حضرته يوما قال أحدهم: أنتم تلتقون كثيرا هنا، رد الثاني: لا نحن لا نلتقي كثيرا، بل نلتقي جدا، رد الثالث نحن لا نلتقي، نحن ننتقي بعضنا، علق الرابع: نحن نرتقي، قال الخامس:مخطئون، نحن لا نلتقي مطلقا، دائما نفترق· هكذا تنشأ القصيدة في الموسيقى أو الموسيقى في القصيدة، الموسيقى ليست آلة ذات أوتار، القصيدة ليست سطورا على الورقة، هما شرفة في بلاد بعيدة، بلاد نجومها تحمل أسماء: السعيد بوطاجين سليمان جوادي، عمار مرياش، أحمد خياط، عبد الرحمن جيلي، حسين الأعرجي، كانت أسماء جميلة وسماء عالية، فجأة اختفت دفعة واحدة، السماء، حدث الذي حدث، ظلت الموسيقى وحدها شاطئ النجاة، كثيرون هم الذين اختاروا شرفتهم في بلاد بعيدة، داخل الجزائر وخارجها، أحسب أن محمد بوليفة أحدهم، حيثما ذهبت في الجزائر وجدت من يقول لي: كنت وحدي أغني على شرفة في بلاد بعيدة، أو يقول: ضم الحبيب حبيبه، نعم، أنا أيضا سمعتهما على أمواج الإذاعة مع آلاف المستمعين، ذلك شغل محمد بوليفة· في المجالس العربية كان الغناء توشية على قصيدة جميلة، محمد بوليفة جعل الشعر في صلب البناء الموسيقي، القصيدة لا تقع خارج التأليف بل في صلبه، يقرأ الشعر قراءة صولفاجية، يقرأ الصولفاج قراءة عروضية، أعتبر أن هناك كوكبة من شعراء الموسيقى في الجزائر: نوبلي فاضل، مصطفى زميرلي، محمد بلفروني، محمد بوليفة أقربهم إلى الشعر، اقترب بالموسيقى من القصيدة الحديثة في الجزائر وبالقصيدة من الموسيقى، تحية لك وأنت على شرفتك في بلاد بعيدة في الجزائر· كنت وحدي أغني على شرفة في بلاد بعيدة بلا سبب واضح للغناء وكنت وحيده وذات مساء التقت نظرتانا على ومضة من شعاع قصيده فاشتعلنا معا بالغناء وكنت جميع الرجال وكنت جميع النساء·