مايكل جاكسن، نجم موسيقى ''البوب'' الشعبية الأمريكية، بقي يؤكد أنه سيعيش مائة سنة، وكان يحرص على إجراء كشوف طبية مستمرة، حتى يحاصر أي مرض في بدايته، ولم يكن ينتظر توقف قلبه في نصف المحطة، ليغادر عالمنا أول أمس وهو في سن الخمسين· الجزائر في مطلع ثمانينات القرن العشرين، والبلد يتجه نحو الانفتاح شيئا فشيئا، خارجا من ''الصرامة الاشتراكية'' التي رسمها نظام، هواري بومدين، الراحل حديثا عندها، والجزائري الذي تذوّق طعم الثقافة الغربيةالجديدة ذات النزوع الليبرالي، تحت شعار ''من أجل حياة أفضل''، التي جاء بها نظام، الشاذلي بن جديد، وبرنامج ''شبيبة ,''2000 ورياض الفتح الذي أسس لثقافة، كانت غريبة على ذلك المجتمع المحافظ الذي سلّمه حرمان الاستعمار إلى ''تقشف الاشتراكية'' و''تزمتها''، في ذلك الوقت نزع التلفزيون الجزائري عنه عباءة التحفظ والمحافظة، وبدأ يستقبل ثقافة وفن ''العالم الجديد''، وجاءت مسلسلات ''دالاس''، الاجتماعية و''فايم'' و''جاكسون فايف'' التي ''تبشر'' بثقافة الرقص وموسيقى البوب الشعبية الأمريكية· في ذلك السياق تسلل، مايكل جاكسون، إلى وجدان الشباب الجزائري، ولم يكن إلا أحد الإخوة الخمسة الذين شكّلوا فرقة ''جاكسون فايف''، والتي ابتدأت نهاية السبعينيات وبرزت في بداية ثمانينات القرن العشرين· وسرعان ما أجبرت الفرقة على التخلي عن اسمها لتتحول إلى ''ذا جاكسنس''، عندما خسرت القضية أمام شركة ''موتاون'' التي كانت تمتلك حقوق أولائك الشباب الإخوة السود، ولم يكونوا في البداية يتصورون أن فرقتهم ستتحول إلى واحدة من أشهر الفرق الموسيقية في العالم على الإطلاق· كان عموم الشباب الجزائريين يحفظون أسماء ''الإخوة جاكسون'' (جاكي، تيتو، جارمان، مارلون، ومايكل)، وهم يقدمون أنفسهم عند بداية كل حلقة، لكن فجأة توارى جاكي، وتيتو، وجارمان، ومارلون خلف الأضواء، لتنفجر أسطورة مايكل مع اقتراب منتصف الثمانينات، وما تلاها من سنين· فالصعود الصاروخي لنجومية مايكل، الذي بدأ ضمن فرقة الإخوة الأربعة الآخرين، وهو في العاشرة من عمره، لم يصنعها صوته المميز ولا طريقة غنائه الفريدة فقط، بقدر ما صنعها حضوره وسلوكاته التي بقيت تثير الناس طيلة حياته التي توقفت عندما خانه قلبه، وتوقف على الخفقان، ولم يكن ذلك التوقف مجرد خرجة جديدة لمايكل، بل كانت آخر خرجاته على الإطلاق، وهو يودع عالمنا في سن الخمسين، وجعل البعض يعلق بأن ''ماكيل غادرنا متعجلا''· لكن العارفين بمسار نجم البوب، يدركون أن الموت وإن جاء مفاجئا وهو في سن الخمسين، كان منسجما تماما مع حياة صاحبها المتقلبة والمفتوحة على أي جديد من النوع الذي لا يصدق، وفعلا لم يصدق الكثيرين من محبيه توقف قلبه في هذه المحطة المبكرة بعض الشيء· لقد ظل ''مالئا للدنيا وشاغلا للناس'' بالتعبير العربي الشهير، ومع صعوده الصاروخي المثير في عالم النجومية المجنون، ظل مايكل محافظا على عزلته وغموضه المثير، إلى أن وقع ما لم يكن أحد يتصوره سنة ,1993 السنة التي تغيّر فيها مساره بالكامل، فإلى غاية تلك السنة كان مايكل يعيش عزلته المثيرة داخل مزرعة كان يمتلكها في ولاية كاليفورنيا، أسماها ''نفرلاند''، مستلهما إياها من أجواء ''بيتر بان''، إلى تلك الشخصية الخيالية التي تجمع بين طيبة وصدق الملاك ومشاكسة العفريت، وكأن مايكل الذي أخذته تلك الشخصية الأسطورية التي ولدت في خيال الكاتب المسرحي، جيمس ماثيو باري، في بداية القرن العشرين، ولم يكن ينتظر الفضيحة التي تفجرت فجأة وأخرجته من عزلته الغامضة، فقد أقدمت طفلة في الثالثة عشرة من عمرها على اتهامه بالتحرش جنسيا بها، وكبرت الفضيحة التي انتهت بقبوله حلها وديا معها، مقابل دفعه 3,23 مليون دولار، فخسر تلك الثورة وخسر الكثير من صورته التي اهتزت ولم تعد كما كانت، وبقي يعيش المعاناة مع زوال ثروته التي جمعها في سنين وتبخرت فجأة نتيجة لنزواته الشيطانية، ووصل به الأمر سنة 2006 إلى إعادة جدولة ديونه التي قدرتها الصحافة الأمريكية ب170 مليون دولار· ومايكل الذي طاردته الفضيحة طويلا، عاش فترة من حياته في دولة البحرين، لكنه غادرها ب''فضيحة'' أخرى، ونجل ملك البحرين يرفع ضده دعوى قضائية بسبب اتهامه بخرق اتفاق قيمته 8 مليون دولار، وكان عليه وفق ذلك العقد إحياء سهرات وإصدار ألبوم وإصدار كتاب عن تجربته في تلك المملكة العربية، لكن مايكل رد بالقول وبعنجهيته المعهودة، أن يكفيهم أنه عاش بينهم طيلة تلك المدة التي كانت أحسن إشهار للسياحة عندهم· ولم يكن مايكل ينتظر وفاته في هذه المرحلة من حياته، وكان يخطط لتجاوز محنه جميعها، وآخرها التي اضطرته لمغادرة كاليفورنيا عام 2005 إثر اتهامه بالتحرش جنسيا بفتى، وهو الأمر الذي اضطره إلى العيش مؤقتا في البحرين وفي لاس فيغاس، فكان من المنتظر أن يبدأ مرحلة فنية جديدة هذا الصيف، وتقرر تأجيل حفلاته التي كانت مقررة في ماي الماضي إلى جويلية القادم، وبين الشهر الذي تقررت فيه تلك الحفلات والشهر الذي أجلت إليه، كان الموت في انتظاره في سن الخمسين، ولم يعش إلا نصف المدة التي كان يحلم بها وهي المئة سنة· فقد توقف قلبه عن الخفقان في منتصف الطريق وصنع الحدث مثلما صنعه ''مايكل'' طيلة حياته التي لم تكن طويلة كثيرا، ولكنها كانت عريضة جدا بنجوميته وخرجاته التي انتهت فجأة· محطات في حياة مايكل جاكسون: 1958 29 أوت الميلاد في مدينة غاري بولاية انديانا الأمريكية 1963 انضم صغيرا إلى فرقة مايكل ومارلون التي ستتحول لاحقا إلى ''جاكسون فايف'' 1993 رفعت ضده دعوى قضائية تتهمه بالتحرش جنسيا بفتاة قاصر في الثالثة عشرة، وحلت تلك القضية وديا مقابل دفعه 23,3 مليون دولار· 1984 دخل جاكسون موسوعة جينيس بأكثر ألبوم مبيعا في التاريخ بما يقارب 104 مليون نسخة 1994 تزوج جاكسون من ابنة مغني الروك ألفيس بريسلي 2005 غادر كاليفورنيا اثر دعوى قضائية بتهمة التحرش جنسيا بفتى 2006 اضطر إلى اعادة جدولة ديونه التي بلغت في حينها نحو 170 مليون دولار 2009 25 جوان توفي في أحد مستشفيات لوس أنجلس