كمختص كيف تنظر للانتحار من على الجسور الظاهرة التي تنفرد بها قسنطينة؟ الانتحار من خلال رمي النفس من على الجسور، يجب النظر فيه لأنه مرتبط بطابع مدينة قسنطينة لأن الظاهرة تعود إلى زمن غابر والإقدام عليها من قبل بعض القسنطينيين أمر ارتبط بالجسور الموجودة في المدينة· وبمقارنة بسيطة مع مناطق أخرى، نجد أن المنتحرين فيها يعتمدون طرقا أخرى مثل الشنق وابتلاع المواد الخطيرة وغيرها من الأشياء القاتلة وذلك لأنه لا توجد جسور عندهم، وعليه فالانتحار يبقى انتحارا مهما كانت طريقته، غير أن الانتحار عبر الجسور في قسنطينة ارتبط منذ زمن بالمنطقة، وقد دخل حتى اللغة اليومية لساكنيها، فنحن نسمع دائما أشخاصا في سياق حديثهم ''آه كرهت، سأرمي نفسي من على القنطرة''· وما هي الأسباب التي تقف وراء انتشار الظاهرة، أقصد الانتحار عن طريق رمي النفس من الجسور؟ أسبابها عديدة وترتبط بالكثير من الأمور منها التي لها علاقة بالظروف الاجتماعية الصعبة التي يعيشها بعض الأشخاص وأخرى لعوامل نفسية ومرضية، بينما دخلت مجتمعنا مؤخرا عوامل أخرى، وبموجبها أصبح الانتحار مرتبطا بالاحتجاج والمطالبة بتحقيق مطالب مشتركة كالسكن وتحسين ظروف الحياة وغيرها، وهذه الظاهرة لا نجدها في الجزائر فقط، بل أصبحت عامة ونجدها في كل الدول العربية وكلها تبقى أمورا، السبب فيها غياب الوساطة وعدم شرعية المؤسسات التي تقوم بهذه المهمة· هل لمحاولات الانتحار الأخيرة بهذه الطريقة علاقة بالتحولات الجديدة التي عرفها المجتمع؟ ما لا يمكن إغفاله أن الانتحار أخذ أبعادا أخرى في مجتمعنا الجزائري وأصبحت له أبعاد مختلفة غير التي كانت عليه الأمور في وقت سابق· الكل يذكر حالة البوعزيزي في تونس الذي انتحر حرقا، تلك الحادثة لعبت دورا حاسما في تونس وأدت إلى تغييرات جوهرية في المنطقة· تلك الحادثة أدت إلى بعض الحالات المشابهة شكلا في الجزائر، حيث أقدم العديد من الأشخاص على الانتحار حرقا وما تبع ذلك من قرارات صبت في خانة الاستجابة لمطالبهم، ما يعني أن الانتحار أصبح يشير إلى أزمة عجزت مؤسسات الوساطة في المجتمع عن احتوائها بدليل أن التضحية بالنفس أصبحت مساحة استثنائية في مجتمعنا الذي كان بعض أفراده في وقت سابق يقدمون على الانتحار للهروب من حياة صعبة، بينما يقدمون على ذلك للمطالبة بحياة أفضل· ولعل خير مثال نجده في إقدام العشرات من العائلات مؤخرا على محاولة الانتحار من على جسر سيدي مسيد قبل تدخل الجهات الوصية التي دخلت معهم في مشاورات للرد على مطالبهم· وهذا هو الجديد الذي يمكن أن نلمسه في الانتحار في الوقت السابق والحالي·