مرت 53 سنة على معركة ''معذنون'' 5 مارس 1959 وتفصلنا بعض الأسابيع عن 50 سنة من استقلال الجزائر، ورغم ذلك لا تزال رفات 47 شهيدا إلى يومنا هذا داخل مخبأ غابات معذنون ببلدية آيت يحيى موسى (30 كلم جنوب غرب تيزي وزو) دفنوا أحياء من طرف الاستعمار الفرنسي، ولم يتجرأ أيّ مسؤول محلي أو وطني، ولا أيّة منظمة تمثل الأسرة الثورية أن تقوم بمبادرة لإخراج رفات هؤلاء الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل أن تحيا الجزائر حرة مستقلة· وتستمر الوعود المقدمة التي لم تجسد في الميدان والتي يتفنن فيها بعض المسؤولين والتي خلفت تذمر وسخط الأسرة الثورية· ''عار على المسؤولين··· عدم اخراج رفات الشهداء من المخبأ هو خيانة دمائهم وتضحياتهم··· الاهتمام بمصالح شخصية لتهميش ونسيان رفات الشهداء جريمة لا تغتفر··· عدم اخراج رفات الشهداء منذ 50 سنة هو نكران لتضحيات الأبطال··· نوكلو ربي على كل طرف يقف وراء تهميش هؤلاء الشهداء···'' عبارات رددها مجاهدون في لقائهم مع ''الجزائرنيوز'' بقرية تاشتيوين بلدية آيت يحيى موسى في الذكرى ال53 لمعركة معذنون التي خلفت 250 شهيدا، حيث استنكروا بشدة التهميش الذي طال الشهداء الذين ناضلوا ضد الاستعمار الفرنسي من أجل استرجاع الحرية والسيادة الوطنية· 47 شهيدا دفنوا أحياء إلى يومنا هذا وحديث عن وجود قرابة 60 شهيدا داخل المخبأ في يوم 5 مارس ,2010 كشف بعض المجاهدين ل ''الجزائرنيوز'' على هامش الذكرى 51 لمعركة معذنون، أن عدد الشهداء الذين دفنوا أحياء داخل مخبأ غابات معذنون هو 45 شهيدا، لكن في الذكرى ال53 لهذه المعركة والمصادفة ل5 مارس من هذا الأسبوع ارتفع العدد، حيث أكد مجاهدون عايشوا هذه المعركة أن عدد الشهداء الذين لا تزال رفاتهم داخل المخبأ يبلغ 47 شهيدا، فيما أكد مجاهدون آخرون أن العدد يقارب 60 شهيدا، وكشفوا أن العديد من المواطنين من قرية إيحيذوسان المحاذية لمخبأ معذنون فروا آنذاك رفقة المجاهدين إلى المخبأ· وكشف المجاهدون في تصريحاتهم ل ''الجزائرنيوز'' أن الجيش الفرنسي جند لهذه المعركة وسائل حربية ثقيلة ومتطورة، وتجاوز عدد الجنود الفرنسيين 5000 جندي، حيث حاصروا ثلاث كتائب من المجاهدين في هذه الغابات وهي كتيبة ''وادي اقصاري وكتيبة جرجرة وكتيبة معاتقة''· وحسب ما أكده الكومندو أعلي إحدادان، فإن عناصر كتيبة وادي اقصاري فرت وتسللت داخل غابات معذنون وعفرون نحو غابات ملالة وسيدي علي بوناب، وعناصر كتيبة معاتقة فرت إلى الناحية الشرقية لقرية ''إعلالن'' ثم نحو مناطق شرق معاتقة، أما عناصر كتيبة جرجرة وجدت صعوبة في الفرار بسبب جهلها الطبيعة الجغرافية للمنطقة، حيث انقسم عناصرها إلى مجموعتين، المجموعة الأولى اتجهت نحو المنطقة الشرقية والثانية اتجهت نحو مخبأ معذنون الذي يزيد طوله عن 500 متر رفقة قائد كتيبة وادي اقصاري الكومندو أعمر أشرعيو الذي قادهم إلى المخبأ، وحاولوا الاختفاء فيه إلى غاية رحيل الجيش الفرنسي من المنطقة، لكن أحد الحركى قدم معلومات للجيش الفرنسي عن موقع المخبأ، ليقوم الجيش الفرنسي بتفجير المخبأ مع استعمال الغاز ومواد سامة، بعدما فرض حصارا كاملا على الموقع، وقام بغلق المخبأ بالإسمنت ودفنوهم أحياء· ويضيف محدثونا في شهاداتهم أن المعركة خلفت 250 شهيدا، 36 منهم من كتيبة جرجرة من أصل 71 مجاهدا تتضمنه الكتيبة، ومن بين هؤلاء الشهداء قائد كتيبة جرجرة الشهيد ''أعمر نآث قاسي'' ورئيس مجموعة وادي اقصاري الشهيد ''أعمر أشرعيو''، هذا الأخير لا تزال رفاته داخل هذا المخبأ· مجاهدون يستنكرون عدم استخراج رفات الشهداء من المخبأ عبر المجاهدون الذين عايشوا معركة 5 مارس 1959 والذين حضروا الذكرى ال 53 للمعركة عن سخطهم الشديد من التهميش والنسيان الممارس في حق الشهداء الذين دفنوا أحياء، واعتبروا ذلك أكبر جريمة يقترفها المسؤولون في حق أبطال الثورة التحريرية· ونحن نتواجد بغابات معذنون رفقة الأسرة الثورية وبعض ممثلي المجتمع المدني والمسؤولين المحليين، كانت نظرات المجاهدين مصوبة نحو المخبأ·· علامات الحزن والاستياء بادية على ملامحهم·· منهم من يسترجع ذكرياته المرّة من هذه المعركة ومنهم من احتار لحال رفات هؤلاء الشهداء· لم يجد البعض أي تعليق للتهميش والإهمال الذي طال الأسرة الثورية، فالبعض منهم اكتفوا بعبارة ''نوكلو ربي'' على كل طرف يقف وراء تهميش هؤلاء الشهداء، والبعض الآخر قالوا ''عدم استخراج رفات الشهداء من المخبأ جريمة عظمى، خصوصا ونحن على أبواب الاحتفال بمرور نصف قرن على الاستقلال''، المجاهد عمي أحمد يتساءل ''ماذا لو يعود هؤلاء الشهداء إلى الحياة؟''، قالها بنبرات حزينة وسط أصوات أخرى تعالت موجهة اتهامات مباشرة للمسؤولين على جميع مستوياتهم بدءا من رؤساء البلديات الذين تعاقبوا على البلدية والمنظمات التي تدّعي أنها تمثل الأسرة الثورية، ومسؤولي المحافظة والمنتخبين المحليين بالمجالس البلدية والمجلس الشعبي الولائي، وصولا إلى وزارة المجاهدين·· بعض المجاهدين شككوا بوجود خلفيات ومصالح شخصية تقف وراء هذا التهميش، حيث دعوا إلى ضرورة التعجيل في استخراج الرفات ورد الاعتبار، خاصة وأن الجزائر على أبواب الاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال· ماذا تحقق من الوعود المقدمة منذ سنتين؟ هذا السؤال طرحه العديد من المجاهدين وأبناء الشهداء وممثلي المجتمع المدني خلال تدخلاتهم، حيث تساءلوا عن سبب عدم تجسيد الوعود التي قدمها المسؤولون يوم 5 مارس 2010 بنفس المكان ''غابات معذنون''، والذين وعدوا الأسرة الثورية لبلدية آيت يحيى موسى بإخراج الرفات قبل سنة 2011 لكن المنطقة احتفلت بالذكرى 53 لاندلاع المعركة إلا أنه لم يتم تجسيد أي شيء في الميدان· فرئيس بلدية أيت يحيى موسى السيد رابح منقلات المنتمي لحزب الأفالان وعد بفتح طريق إلى غاية مخبأ معذنون وإنجاز نصب تذكاري بالمنطقة لكن لم يجسد وعده، ورد بالقول ''رفعت عدة ملفات وطلبات للمسؤولين والمحافظة ونحن ننتظر ردهم''، وهو الرد الذي رفضه سكان قرية تاشتيوين والأسرة الثورية، أما الوعود التي قدمها بعض ممثلي الشعب في البرلمان والمجلس الشعبي الولائي هي الأخرى لم تجسد· استمرار الوعود دون تجسيد جعل مجاهدي المنطقة يتأكدون من ''عدم وجود أي رغبة من طرف المسؤولين في إيجاد حل نهائي لهذا القضية''· وفي هذا الصدد، ندد رئيس لجنة قرية تاشتيوين بوعلام طالبي بحصر هذه الذكرى في الوعود التي لم تجسد في الميدان، وطالب بضرورة إعادة الاعتبار لهؤلاء الشهداء بطريقة جدية لتخليد روحهم الطاهرة التي قدموها لأجل أن تحيا الجزائر، وتأسف كثيرا من حرمان الجيل الجديد من معرفة تاريخه الحقيقي ومن محاولات طمس التاريخ لاسيما تاريخ بلدية آيت يحيى موسى، ودعا إلى تكاثف الجهود قصد تجسيد مطلب استخراج رفات هؤلاء الشهداء وفتح طريق إلى غابات معذنون وإنجاز نصب تذكاري فيها· من جهته، أكد رئيس جمعية أبناء الشهداء بقرية تاشتيوين علي بلمقداد أنهم راسلوا كل الجهات المعنية والمسؤولة منذ سنوات وبصفة متكررة لأجل استخراج رفات هؤلاء الشهداء ورد الاعتبار للأسرة الثورية، وتأسف لغلق كل الأبواب في وجوههم ''تلقينا فقط الوعود، لكن لا شيء تحقق في الميدان''، وحذر من وجود مؤامرة تستهدف أرواح هؤلاء الشهداء، وحمّل مسؤولية تأخر تجسيد طلبهم إلى المسؤولين· أما رئيس جمعية ثيغري محمد صديقي انتقد بشدة المؤامرة التي تحاك على تاريخ آيت يحيى موسى ''التي أنجبت أبطالا ورجالا ضحوا بروحهم من أجل الجزائر''، ووجه نداء عاجلا لكل الجهات قصد التدخل لوقف الانتهاكات التي تستهدف المنطقة، وقال ''حان الوقت لإعادة الاعتبار لتاريخ آيت يحيى موسى التي أنجبت الزعيم كريم بلقاسم وآخرين وضروري وقف المخططات التي تحاول طمس تاريخنا''· ابن الشهيد أعمر أشرعيو يطالب برفات والده ويذرف دموع التهميش بقلب مجروح وبملامح حزينة ومؤلمة، تحدث بن تومي أرزقي وهو ابن الشهيد القائد أعمر أشرعيو الذي دفن حيا داخل مخبأ معذنون، وقال ''أريد رفات والدي، لا أملك صورته، ولا مكان أذهب لزيارته''· وأضاف ''لماذا يمارسون هذه التجاوزات في حق الشهداء؟''، وكشف في هذا الصدد أنهم حاولوا منذ 1963 استخراج رفات هؤلاء الشهداء ''لكن كل المساعي باءت بالفشل نظرا للعراقيل التي واجهناها، وهذا بالرغم من أننا اتصلنا بالعديد من المسؤولين والجهات المعنية''، وكشف أن والده انتقل من منطقة ميزرانة بتيقزيرت سنة 1955 للجهاد في آيت يحيى موسى، حيث أبدى استعداده للذهاب بعيدا في هذه القضية قصد تحقيق حلمه واستخراج رفات والده ومرافقيه من الشهداء ''عيب كبير على هذه التجاوزات الممارسة في حق هؤلاء الشهداء''· المنظمة الوطنية للمجاهدين متهمة··· لم يهضم العديد من المجاهدين وخصوصا أبناء الشهداء وأفراد الأسرة الثورية الذين توافدوا إلى بلدية آيت يحيى موسى من مختلف مناطق الولاية على غرار بوغني وذراع الميزان، معاتقة وتادميت وميزرانة وذراع بن خدة وآث تودراث وواسيف··· والذين تنقلوا إلى غابات معذنون لإحياء الذكرى ال53 لاندلاع معركة 5 مارس ,1959 لم يهضموا التصرفات التي قام بها المجاهد شطايبي الذي منع أفراد الأسرة الثورية من التدخل وأخذ الكلمة خلال التجمع الذي نظم بغابات معذنون، وذلك بحجة كثافة البرنامج وضيق الوقت للتنقل إلى وسط بلدية آيت يحيى موسى لتكريم بعض المجاهدين، وقال العديد من الحاضرين إن المنظمة الوطنية للمجاهدين تحاول إخفاء بعض الحقائق، حيث كشف علي بوطريق الذي ينحدر من عائلة ثورية كبيرة عدة قضايا حساسة، متحديا المسؤولين ومنظمات الأسرة الثورية التي قال إنها تدّعي عدم امتلاك أسماء الشهداء الذين يقبعون داخل المخبأ، مقدما لهم قائمة اسمية، مؤكدا أن لجنة قريته تملك كل الأدلة التاريخية والمادية والرسمية التي تؤكد تلك الأسماء على غرار تاريخ ميلاد هؤلاء الشهداء وتاريخ وفاتهم وبطاقات البلدية· من يقف وراء عرقلة استخراج رفات الشهداء؟ قامت ''الجزائرنيوز'' بجس نبض الأسرة الثورية ببلدية آيت يحيى موسى من مجاهدين وأبناء الشهداء، حيث كشف العديد من الذين تحدثنا إليهم أن هناك أطرافا لها مصالح شخصية وسياسية، وربطوا ذلك بعرقلة فتح الطريق إلى غابات معذنون، هذا الأخير من شأنه أن يؤثر سلبا على القطاع التجاري بوسط بلدية أيت يحيى موسى علما أن أغلب القرى التابعة لهذه البلدية تقع بالناحية الشمالية، ولو يتم انجاز هذا الطريق سيستخدمه السكان للالتحاق بذراع بن خدة وتيزي وزو علما أن المسافة التي تفصلهما لا تتعدى 10 كلم، فهم مجبرون على قطع أزيد من 40 كلم للوصول إلى ذراع بن خدة· وأكد محدثونا أن بعض التجار المعروفين بالمنطقة والمستثمرين يعرقلون هذا المشروع لحماية تجارتهم ومصالحهم الشخصية· وكشفت مصادر من الأسرة الثورة أن هناك بعض الأطراف تريد حماية مكاسبها السياسية والثورية وحاليا تعمل كل ما في وسعها لعرقلة تجسيد المشروع· وفي سياق متصل، انتقدت الأسرة الثورية الحجج التي يقدمها المسؤولون في كل مرة والذين يتحججون -حسبهم- بعدم انجاز هذا الطريق واستخراج الرفات بالانتشار الكثيف للإرهابيين بالمنطقة، وأنها تهدد المقاولين، واعتبر أبناء الشهداء أن هذا ''الإدعاء يهدف لتخويف المواطنين وتجاوزه الزمن، علما أن في سنة 2010 استطاع مجموعة من شباب المنطقة اقتحام غابات معذنون ودخول المخبأ الذي تتواجد فيه رفات الشهداء دون التعرض لأي خطر''· كريم بلقاسم، الإخوة أودني وآخرون··· بدأت الحقيقة التاريخية لبلدية آيت يحيى موسى تطفو إلى السطح، بعد أن أجمع كل المجاهدين الذين شاركوا في احتفالات الذكرى ال53 لمعركة معذنون 5 مارس ,1959 أن بلدية آيت يحيى موسى تعتبر القاعدة الخلفية للثورة التحريرية، معتبرين أن الثورة انطلقت بالمنطقة سنة 1947 بقيادة الشهيد كريم بلقاسم رفقة مجموعة من أبناء المنطقة على غرار الأخوين محمد وعمر أودني، هذا الأخير المعروف بسي موح نشيد، ومؤكدين أن هذه البلدية قدمت الآلاف من المجاهدين واستشهد فيها 1839 شهيدا، حيث شهدت عدة معارك شرسة منها معركة ثافوغالت في 15 مارس 1955 خلفت 155 شهيدا، معركة بوقرفان في 6 جانفي 1959 خلفت 385 شهيدا وجندت لها القوات العسكرية الفرنسية 32 ألف جندي و30 طائرة حربية، معركة معذنون في 5 مارس 1959 خلفت 250 شهيدا وغيرها من المعارك···