ذهبت وحماري للشاطئ قصد الاستجمام وطرد الحرارة اللعينة التي أصبحت تكبت الأنفاس بعد أن دفعنا ''إتاوة'' الدخول وافترشنا الرمل حتى نحس بمتعة الفسحة... وضع حماري نظارته السوداء وأخذ يقرأ كومة الجرائد التي جلبها معه للبحر، قلت له ساخرا.. ما هذا أيها الحمار التعيس.. تقرأ الجرائد بنظارات سوداء؟ هكذا سوف تزيد السواد سوادا و''تكحال الدنيا في عينيك''؟ نهق حماري عاليا وقال.. هل هناك إسوداد أكثر مما يحدث في الأفلان والأفانا والأرندي والأفافاس؟ قلت.. جئنا للبحر حتى نهرب من بلخادم وتواتي وغيرهم وأنت تصر على وجودهم معنا؟ قال وهو يضرب الرمل بحوافره.. هل تدري ما يضحكني يا عزيزي، على الرغم من غلاء البيض إلا أن موسى تواتي حظي بشرف رشقه بالبيض من طرف معارضيه وكان أكرم من بلخادم الذي ضرب خصومه بالعصى والحجارة. قلت.. لا أفهم سر اهتمامك بالسياسة رغم هذه الحرارة الفظيعة وحتى أننا هربنا للبحر من أجل نسيان الهموم. قال ناهقا.. وهل تظن أن ما يجري في هذا البلد يمكن نسيانه بمجرد خرجة أو تحويسة؟ المسألة أبلغ والكارثة أكبر.. لكن الناس تعبت فقط من كثرة الهموم ما عادت تهتم بالآخر. قلت ضاحكا.. وأنت أيها الحمار إذن لا هم لك سوى هم ما يحدث في البلد؟ قال.. أمثالي يا صديقي يهمهم أن تكون بلادهم هادئة وطموحة وقوية وعندما تكون مجرد لعبة في أيدي ''بلطجية '' يمارسون السياسة باسم الشرعية وغيرها من الشماعات التي يعلقون عليها أطماعهم، أصبح متوترا وأبحث دائما عن مخرج وحل لهذا؟ انفجرت من الضحك وقلت له.. هل حمار مثلك يستطيع إيجاد معضلة عمرها خمسون سنة في حين عجز الخبراء عن ذلك؟ نهض حماري من الأرض.. نزع نظارته السوداء ورجع خطوات للوراء.. جرى وجرى حتى رمى نفسه في الماء في حركة كادت أن تفجر دماغه الذي لامس قاع البحر.. ثم خرج وهو يقطر ونهق نهيقا طويلا أزعج به كل من كان على الشاطئ وصاح.. كل هؤلاء يجب أن يرمون في البحر.. يأكلهم الحوت حتى نرتاح من وجعهم.