يشد الجزائريون الرحال بقوة مؤخرا نحو فضاءات التسوق الحديثة لاسيما بالعاصمة، وعندما نتحدث عن فضاءات التسوق الحديثة، فالأمر يتعلق بعدد من الأسواق الكبرى والمراكز التجارية والتسلية التي فرضت وجودها خلال السنوات الأخيرة، على الديكور اليومي للجزائريين، وعلى جيوبهم أيضا.. بعض فضاءات التسوق الحديثة هذه تم إيجادها منذ فترة ليس بالهينة كما هو الأمر بالمساحة التجارية الكبرى ''ميلي ميلو'' الموجودة بشارع ديدوش مراد، لكن مراكز تجارية وتسلية على غرار ماهو موجود في باب الزوار، والمحمدية (مركز أرديس) تظل أكثر حداثة من حيث نشأتها وهي رغم ذلك تستقطب كل يوم آلاف الزوار من المستهلكين والمتنزهين وحتى الفضوليين. وبغض النظر عن كون العامل المتعلق بالأسعار يبقى محل جدل بين متتبعي هذا الملف من حيث كونها محددا رئيسيا في جذب الزبائن، إلا أن الإتفاق يكاد يكون كاملا بخصوص عوامل أخرى في هذا الإطار تشمل تنوع المنتوجات، وتوفر الأمن، فضلا عن توفر كامل مقومات الراحة والتسلية كعوامل جذب قوية نحو هذه الفضاءات التسوقية الجديدة. قد يكون الرقم مهولا فعلا، لكن أكثر من 11 مليون جزائري وجزائرية توافدوا على المركز التجاري والتسلية بباب الزوار منذ افتتاحه بتاريخ 5 أوت ,2010 وفق ما يؤكده المدير العام لهذه المؤسسة الخدماتية الفرانكو لبناني جون رزق. ويبدو هذا المسير الطموح متفائلا ببلوغ عتبة ال 12 مليون وافد مع حلول الذكرى الثانية لتاريخ إنشاء المركز في الخامس من أوت القادم، لكن هذا التفاؤل لا يمنع جون رزق، من الاشارة وبواقعية إلى كون حوالي 60 فقط من الوافدين على المركز، منذ افتتاحه وإلى غاية يومنا هذا هم زبائن، في حين أن ال 40 المتبقون هم زائرون بدافع التنزه والفضول. ويؤكد ذات المصدر، أن النجاح ودور التجار في هكذا مراكز، هو العمل على تحويل ما بين 40 إلى 60 من مجمل القادمين والوافدين إلى زبائن، وفي الأوقات العادية فإن المركز يستقبل حوالي 20 ألف شخص يوميا، وهو الرقم الذي يصل إلى ما بين 30 و35 ألف شخص يوميا من الزبائن والمتنزهين والفضوليين خلال الصيف، ودور التجار يعتمد على إقناع الزائرين بشراء منتوجاتهم. يتربع المركز على مساحة تفوق 80 ألف متر، وتضم حوالي 100 محل تجاري متنوع النشاط، وهو بطابعه الوطني والجهوي يعتبر أول مركز من هذا النوع يتم افتتاحه في بلادنا منذ قرابة العامين، حسب المدير العام لهذا المركز. ويشير جون رزق إلى كون المطاعم الموجودة على مستوى المركز، بالإضافة إلى المساحة التجارية الكبرى الخاصة بعلامة ''أونو'' التي يملكها رجل الأعمال الجزائري إسعد ربراب، يشكلان معا أكبر محركين في نشاط هذا المركز. لقد قمنا بإنجاز هذا التحقيق قبل أيام قليلة فقط من حلول شهر رمضان المعظم، وخلال تلك الفترة كان المركز يعج بالزبائن والوافدين عموما، وأينما وليت وجهك يقابلك منظر الرجل أو المرأة، الذي يحمل عربة التسوق منطلقا بها نحو مساحة المنتوجات ذات الإستهلاك الواسع. ولا يعني ذلك أن الإقبال يتم وحده على هكذا منتوجات، فالبعض كان يجد ضالته في أجنحة الملابس، وآخرون تستهويهم رائحة المأكولات الشهية والحلويات المنبعثة من مطاعم ومقاهي يسيطر عليها ديكور فاخر. ومثل هذا التنوع في المنتوجات هو الذي يسميه جون رزق بخاصية ''تاننت ميكس'' التي تعتبر ضرورية لتوفير فضاءات تسوق ليس فقط موغلة في التنوع ولكنها أيضا بأسعار متنوعة، ويشكل التنوع إحدى ميزات المراكز التجارية الكبرى، وفي منظور المدير العام لهذه المؤسسة من الضروري إعتماد ميزة ثانية تتعلق بنوعية المنتوج فضلا عن ميزة ثالثة تتعلق أساسا بالأسعار. وعند الحديث عن عامل الأسعار، فإن نفس المصدر، يقول إنه ينبغي أن تكون مدروسة وليست بالضرورة متدنية، وبعبارة أخرى، فإن الأسعار ينبغي أن تكون منطقية وتخضع لاعتبارات السوق وجودة المنتوج حتى لا تصنع انزعاج المستهلك، كما يؤكد جون رزق، أن أسعار المنتوجات ذات الإستهلاك الواسع على مستوى المركز هي أسعار مقبولة فضلا عن وجود نوع من التوازن فيما يخص المنتوجات التي تنتمي إلى الفئة الواحدة. الأسعار المطبقة لا تخيف الزبائن يصل سعر علبة جبن من نوع ''كومومبير'' إلى حدود 190 دج، على مستوى المركز، وهو سعر لا يبتعد كثيرا عن السعر المطبق في محلات المواد الغذائية المنتشرة بأحياء وأزقة العاصمة، وفيما يتعلق بسعر زجاجة عصير من نوع ''تشينا'' (لترين)، فإن سعرها بالمساحة التجارية الكبرى بالمركز يصل إلى حدود 100 دج، وهو أيضا نفس السعر المطبق في هكذا محلات موجودة بهكذا أزقة وأحياء. ومثل هذه الأسعار تراها الآنسة (مليكة. أ)، وهي إحدى الزبونات المترددات على المركز أنها جد معقولة الأمر الذي يشجعها -كما تقول-على التسوق على مستوى مساحة ''أونو'' التجارية مع وجود أفضلية ''التنوع'' الكبير في المنتوجات إبتداء من المواد الغدائية ووصولا إلى مواد التطهير والنظافة، الأمر الذي يسمح لها بشراء ما تريد ''في وقت قياسي'' يغنيها عن توزيع جهدها بين المحلات خاصة وأنها تعمل كسكرتيرة في إحدى المؤسسات الخاصة مما يضطرها إلى التسوق مرة واحدة في الأسبوع تقريبا. وينظر (مهدي. ك)، معلم في الطور الابتدائي بالعاصمة، إلى الموضوع من زاوية أخرى، عندما يقول إن ما يشجعه على المجيء إلى المركز والتسوق هو الأرجاء الفسيحة للمكان، وذلك ''يمنحني الإمكانية للقدوم مع عائلتي'' من أجل التسوق أساسا بالنظر إلى كون الأسعار معقولة ولكن أيضا من أجل ''التنزه'' في هذا المركز الذي يوفر ''كافة أسباب الراحة والأمن''، ويواصل ذات المتحدث بقوله ''في حالات كتلك التي تتضمن ضرورة حسن التصرف في الميزانية العائلية، ليس هناك أحسن من نصائح الزوجة، وأنا أفضل أن أكون معها للتسوق، خاصة وأننا على أبواب شهر رمضان الكريم''. في الأسواق الكبرى والمراكز التجارية والتسلية، يمكن ملاحظة ظاهرة مفعمة بالطرافة تتعلق بلجوء عدد من الأمهات إلى وضع أطفالهن داخل عربات التسوق ضمن مظهر يوحي بالنزهة الحقيقية لفائدة هؤلاء الأطفال المتلهفون''عادة لرؤية هكذا أماكن.. وتقول السيدة (أسماء. ك) من العاصمة أيضا، بهذا الخصوص إن الأطفال هم في الكثير من الحالات، ''المحور'' الذي يدور عليه القدوم إلى المراكز التجارية والتسلية، فهم في نهاية المطاف، تضيف هذه السيدة يستطيعون التنزه وحتى اللعب، في هذا المكان الفسيح، أما أباؤهم وأمهاتهم فهم يستطيعون وفي نفس الوقت، القيام بالتسوق داخل هذه المراكز وشراء ما يلزم دفعة واحدة. وبالعودة إلى موضوع الأسعار في هذا المركز، فبالإمكان الوقوف على الأسعار المرتفعة، قياسا إلى أجر مواطن بسيط، عندما يتعلق الأمر مثلا ببذل من نوع ''بوص'' (Boss) يتراوح ثمنها بين 7 و12 مليون سنتيم، وفي أحد المحلات المختصة في بيع العطور الفاخرة وبنفس المركز يصل ثمن زجاجة عطر من نوع ''بوص'' أيضا، وهي ماركة عالمية معروفة، إلى حدود 12 ألف دينار، ويمكن الوصول بالأسعار إلى أعلى عندما يتعلق الأمر بالحقائب الجلدية الفاخرة التي يتم بيعها على مستوى المركز، وفي أحد المحلات المختصة في هذا النوع من منتوجات الرفاهية يمكن ملاحظة عدد معتبر من الماركات العالمية التي تشمل ''يس'' وهي علامة أمريكية معروفة، فضلا عن العلامة الفرنسية ''لانسال''، وقد بلغ سعر حقيبة يد نسوية من نوع ''جيفانشي'' ما يصل إلى 24 مليون سنتيم. وفي الواقع فإنه كما يوجد أشخاص من ذوي الدخل المحدود وأصحاب عائلات كثيرة العدد نسبيا ينجذبون نحو المنتوجات ذات الإستهلاك الواسع المقبولة الأسعار، فإنه يوجد أيضا أشخاص أثرياء يبتغون الألبسة والعطر الفاخرة بالنظر إلى وضعياتهم الاجتماعية الأكثر يسرا والأكثر حرية مثلما هو الأمر مع (سمير. ب)، الأعزب وصاحب مؤسسة خاصة، حيث يشير إلى كونه يأتي إلى المركز من أجل شراء العطور والملابس أساسا، ورغم إرتفاع أسعارها قياسا إلى ماهو موجود في أماكن أخرى، فإن سمير يوكد أن ما يعجبه فيها بالمركز كونها أصلية وتحمل ماركات عالمية معروفة. رهان الوفرة.. ومعطى عدم الإنتظار على مستوى المساحة التجارية الكبرى ''ميلي ميلو'' الواقعة بقلب شارع ''ديدوش مراد''، يتم التركيز على عامل وفرة السلع أكثر من غيره من العوامل الأخرى وفقا لما يؤكده أحد إطارات هذه المؤسسة الخدماتية طلاي محمد. منذ أكثر من أسبوع، عرفت هذه المساحة التجارية التي يملكها رجل الأعمال ''بن عطا الله حفيظ'' حركة كبيرة من ناحية توافد الزبائن وإقبالهم على شراء مختلف السلع، لاسيما وأن شهر رمضان الكريم كان في تلك الفترة لا يزال على الأبواب. وعند الحديث عن السلع المعروضة في هذه المساحة التجارية الكبرى، التي أفتتحت منذ حوالي 10 سنوات، فمن الضروري الإشارة إلى أن 65 منها هي منتوجات وطنية والبقية هي منتوجات مستوردة -حسب طلاي محمد- الذي يؤكد وجود 30 ألف منتوج إجمالا على مستوى هذه المساحة التجارية الكبرى. ويشير ذات المصدر إلى كون الاهتمام بعامل الوفرة على مستوى المركز يعود لكون وفرة السلع ضرورية للحصول على أسعار مقبولة، كما إن قلة المعروضات تعمل على رفع الأسعار. ولا يرى طلاي، أن هناك أية مشاكل بهذا الخصوص مشيرا إلى كون المعطى المتعلق بالوفرة يتحكم فيه المستوردون والصناعيون على وجه الخصوص. وعلى الخلاف من ذلك، يؤكد ذات المتحدث أنه في الآونة الأخيرة عرفت نوعا من ''قلة السيولة'' لدى المواطنين الأمر الذي ''اضطرنا إلى تقليص هامش الربح الذي كان في الأصل قليلا''، يضيف طلاي. وقال طلاي، الذي لم يعط أي تفسير لقلة السيولة المشار إليه، أن نسبة التخفيض في أسعار عموم السلع ولهذا السبب وصلت إلى ما بين 5 و8 بالمائة، ولا سيما -كما قال- مع وجود المنافسة حيث يبقى الهدف هو تشجيع المواطنين للإقبال على السلع، ولا يبدو أن هاجس المنافسة يطغى بقوة على نفسية ذات المتحدث رغم كل شيء، حيث يقول في ذلك ''نحن لا نخشى المنافسة، فمركز ''أرديس'' بدأ نشاطه حديثا ولم تظهر نتائجه بعد، وبالنسبة لمركز باب الزوار فلديه تشكيلة سلع مغايرة تعتمد أساسا على سلع مستوردة وذات رفاهية''. ويشدد ذات المصدر على كون العامل الرئيسي الذي يدفع الناس للقدوم إلى الأسواق الكبرى أو المراكز التجارية عموما يبقى هو عامل الأ سعار. ويشير طلاي أيضا إلى كون الأسعار المطبقة حاليا على مستوى المساحات التجارية الكبرى تقل حوالي 5 قياسا إلى ماهو مطبق من أسعار في المحلات الصغيرة للمواد الغذائية، ويقول أيضا إنه ومن أجل الحفاظ على هذا المستوى من الأسعار، فإنه يتم اللجوء من جانب مسؤولي هذه المؤسسة التجارية إلى التفاوض عند شراء السلع من عند المنتجين والمستوردين، وحتى يتم شراؤها بأسعار متدنية بغية إعادة إعتمادها ضمن مستوى معقول، فيما بعد لفائدة المواطنين أثناء عملية البيع. وحسب ذات المصدر أيضا، فإنه عادة ما يتم شراء هذه السلع بأسعار متدنية لدى المنتجين والمستهلكين من خلال إقتناء كميات كبيرة تخضع لمعايير نصف الجملة، حيث يقبل هؤلاء المنتجون والمستوردون على بيع هذه السلع تحسبا لمنع فسادها. ومع الأهمية التي يكتسيها عامل الأسعار، فإن طلاي، يشدد على وجود عوامل أخرى تدفع الجزائريين إلى القدوم نحو فضاءات التسوق الحديثة، وهي العوامل التي تشمل -حسبه- التنوع في السلع على نحو يسمح بشراء كل شيء في وقت واحد، الاستقبال الحسن للزبائن، ووجود مساحة واسعة تجنب الزبائن الإزدحام وطول الانتظار، وكذا وجود التكييف خلال فصل الصيف بالإضافة إلى عامل وفرة السلع الذي تمت الإشارة إليه سابقا. أرديس.. التركيز على الخصوصية الجزائرية ربما كان المركز التجاري والتسلية ''أرديس'' الواقع بالمحمدية، هو أكثر فضاءات التسوق والتسلية إرتباطا بالخصوصية الجزائرية في بلادنا. وتصل مساحة هذا المركز إلى حوالي 50 ألف متر مربع، مع وجود موقف سيارات يتسع ل 5 آلاف سيارة، أما طاقة الإستيعاب بمركز ''أرديس'' فتصل إلى حدود 30 ألف زائر يوميا، وفق معطيات قدمها متتبعون لملف المساحات التجارية الكبرى. ومن الواضح أيضا أن مظاهر الخصوصية الجزائرية تملأ جوانب هذا المركز الذي تم بناؤه وفق أحسن طراز معماري ممكن. وتظهر هذه الخصوصية مثلا في أغاني التراث الجزائرية التي يتم من حين لآخر تمكين زبائن وزائري المركز من الاستماع إليها عن طريق مكبرات صوت تملأ أرجاء المكان، كما يوجد بهذا المركز حديقة مائية كبيرة روعي في تصميمها وهندستها حكاية تاريخ الجزائر وذلك فضلا عن بعض التماثيل وتقاسيم معمارية أخرى موجودة في بعض الأبواب توحي كلها بقصة الجزائر وبتاريخها الكبير. وفي المساحة التجارية الكبرى التي تحمل علامة ''أرديس'' والتي هي جزء من المركز، هناك تشكيلات واسعة من المنتوجات الوطنية، لكن مع وجود منتوجات أخرى أجنبية ذات جودة فائقة كما أنه يتم بيعها بأسعار مدروسة على نحو ما تم مع علامة ''أديداس الشهيرة''. تم بناء المركز من طرف كوادر وأيادٍ جزائرية خالصة، والذين يقومون بتسييره حاليا هم أيضا جزائريون، ضمن تحدي كسب رهان الخصوصية الجزائرية التي تظهر أيضا من خلال وجود منتوجات وطنية وبغزارة ضمن المساحة التجارية الكبرى الموجودة في هذا المركز، حيث يمكن الحصول على هذه المنتوجات ولا سيما منتوجات الاستهلاك الواسع بأسعار معقولة، وبالمقابل يمكن أيضا الحصول على منتوجات أجنبية راقية بأسعار منطقية وعلى سبيل المثال، فإنه يتم بيع كمبيوتر محمول من نوع ''آسير'' بمبلغ يقارب 28 ألف دينار، حيث يرتفع السعر إلى أعلى كلما زادت نوعية وجودة المنتوج من خلال علامات تجارية أخرى أكثر حضورا على الساحة الدولية مثل علامة ''توشيبا''. يتم المراهنة بالمركز على مسألة الخصوصية الجزائرية لأسباب تتعلق في جانب منها بجذب أكبر قدر من العائلات، وضمن هذا المسعى فإن المركز يملك مقومات أخرى تتمثل في النظافة والأمن فضلا عن مراعاة خاصية المكان الفسيح الذي يوفر فضاءات للراحة قبالة البحر، كما يتم بالمركز عمل الكثير حتى يتجنب الزبائن الوقوف في طوابير أثناء دفع ثمن المشتريات بهذا المركز.