تأمل حولك، وتحديدا بدول الربيع العربي، فستجد أن الشكوى ترتفع اليوم ليس من المتضررين من التغيير، بل ممن ساهموا في حدوثه، وممن تحمسوا له، وشنعوا بكل من خالفهم الرأي، أو الرؤية، والصورة الأكثر وضوحا لذلك اليوم هي بتونس، حيث انطلقت شرارة الربيع العربي، وفي مصر كذلك، التي تمثل الحالة الأبرز نظرا لحجم مصر وتأثيرها. ففي تونس ها هو الرئيس المنصف المرزوقي يتهم حركة النهضة الإسلامية الإخوانية التي تقود الائتلاف الحاكم بالسعي إلى “السيطرة على مفاصل الدولة" ومنتقدا “إصرارها" على اعتماد نظام سياسي برلماني بدلا من نظام معدل، مضيفا إن ما تفعله حركة النهضة الآن هو “ممارسات تذكر بالعهد البائد" أي فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وليس وحده المنصف المرزوقي من يتهم حركة النهضة بمحاولة السيطرة على مفاصل الدولة، بل حتى المثقفون التونسيون، وتحديدا الإعلاميون الذين يتهمون الحركة بمحاولة فرض سيطرتها على الإعلام. والأمر نفسه ينطبق اليوم على مصر، والفارق الوحيد أن من يشكو من الأخونة بمصر، وفرض سيطرة الإخوان هناك على جميع مفاصل البلاد الحيوية، تشريعيا، وتنفيذيا، وبالطبع إعلاميا، هم حلفاء الإخوان في الثورة المصرية الأخيرة، من مثقفين، وإعلاميين، وقوى سياسية مختلفة، ولذا شهدنا مظاهرات بمصر ضد أخونة البلاد، واصطدامات مع أنصار الرئيس المصري. واللافت في كل من مصر وتونس هو السباق المحموم هناك من قبل القوى السياسية المسيطرة على البلاد اليوم، وباسم الشعب، وتحت غطاء الثورة، من أجل السيطرة على وسائل الإعلام، ومعاقبة كل من ينتقد الرئيس، في الحالة المصرية، وحركة النهضة في الحالة التونسية، بينما لا حديث عمن يكفّرون منتقدي الإخوان، مصريا وتونسيا، أو قياداتهم، ونقول لافت لأن ما حدث بمصر وتونس من ثورة، وحراك، كان يفترض أن يهدف إلى ترسية دولة المؤسسات، وكذلك ضمان استقلالية فصل السلطات، لا أن يكون الوضع مشابها لما كان عليه قبل الثورة، سواء بمصر، أو في تونس. كل ذلك يقول لنا إن ما حدث بالعالم العربي، وتحديدا في مصر وتونس، ليس كما كان، ولا يزال، البعض يصوره بأنه ثورة ديمقراطية، هدفها تعزيز دولة المؤسسات، وهكذا، بل نحن أمام نزول قوى من السلطة، وصعود أخرى، وبنفس الشروط للأسف، من إقصاء للآخر، وسيطرة مطلقة، وهو أمر متوقع، وأشرنا إليه، مثلما أشار إليه قلة هنا، وتحديدا بهذه الصحيفة، لكن اللافت للنظر هو استمرار البعض، وتحديدا من المثقفين، في ترويج الوهم حول الربيع العربي، وأكثر الواهمين بما حدث بتونس ومصر هم بعض مثقفي دول الخليج، بحسن نية، أو خلافه، حيث من الواضح أنهم لم يتنبهوا إلى أن أكثر منتقدي الربيع العربي اليوم هم من أسهموا فيه، وكانت خطيئتهم تكمن بتبسيط الأمور، وتسطيحها بشكل مريب، قافزين على الحقائق والوقائع، تاريخيا، وسياسيا، واقتصاديا، وبالطبع فكريا، خصوصا في فهم أدبيات الإخوان، ومفهومهم الحقيقي للديمقراطية، وتداول السلطة. ويكفي تأمل موقف كل من مصر وتونس اليوم مما يحدث للسوريين العزل بسوريا! بالطبع ليس المقصود الحيلولة دون التغيير، فهذا مستحيل، لكن المراد هو أن لا يكون التغيير للأسوأ!