رفعت التعاونية المسرحية “السنجاب" لبرج منايل، سهرة الجمعة الماضي، سقف المنافسة في مهرجان مسرح الهواة بمستغانم، حيث استعرض رفيق فطموش المخرج والممثل رفقة زملائه الواعدين مجريات مسرحية “الحملة" التي نادت بإيقاف جنون التمييز الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي بين مختلف الفئات، محركين بذلك مشاعر القاعة كاملة، التي استجابت لشعارهم المعادي لعقلية “مازال واقفين". الجميع كان يترقب ظهور ابن المسرحي عمر فطموش رئيس تعاونية السنجاب ومدير المسرح الجهوي لبجاية ومحافظ المهرجان الدولي للمسرح، والناقد والكاتب والمخرج، الذي جاء إلى مستغانم ليشاهد نجله في عمل يتنافس على الجوائز الأولى لمسرح الهواة. الابن هو رفيق، 17 عاما، لم يدخل الجامعة بعد، لكنه يحلم بأن يصبح مخرجا بالدرجة الأولى، رغم أنه كشف عن قدرات عالية في التمثيل، حينما تقمّص دور.... فهو صاحب وجه يتلون حسب الموقف الدرامي، تارة يتحوّل إلى فكاهي يستعمل تقاسيم وجهه الطفولي ليطلق “جنونه" على مرأى متلقين بادلوه الضحك والانتباه، وتارة يلبس قناع “المافيا" أو المتشرد الذي قسى قلبه من شدة العيش في الشارع. لم يكن رفيق المفاجأة الوحيدة تلك الجمعة، فحتى عادل عزازني، إسلام رباعي، وليد جبال، اسماعيل ديشو، وياسين سليمان صنعوا جوا عفويا بأدائهم، رغم تفاوت المستوى من الواحد إلى الآخر، إلا أنهم شكلوا وحدة متماسكة ومنتظمة، خاصة عند أداء اللوحات الكوريغرافية، وهو ما تأكد حينما انقطعت موسيقى “بازو" لخلل تقني إلا أنهم واصلوا العمل دون توقف، ما أثار إعجاب الجمهور، الذي قرر أن يعوّض الموسيقى الضائعة بتصفيقات تحفظ ريتم الشبان. جدير بالذكر أن الأخطاء التقنية تكررت أثناء العروض دون سبب مقنع، وهو ما حدث مع فرقة سيدي بلعباس في عرضها “افجر إبليس". تدور أحداث المسرحية في مدينة كبيرة، حيث يعيش “مراد" (إسلام رباعي) رفقة والده دون والدته المتوفية، إلا أنه يجد صعوبة في التأقلم مع عقلية الأب المتسلطة التي تريد أن يترك مقاعد الدراسة، للإشراف على أحوال المقهى العائلي. يتأزم الوضع بينهما، وتنقطع أحبال الاتصال، وفي لحظة غضب، يطلب الأب من نجله مغادرة البيت، وهو ما يفعله مراد سريعا، ليجد نفسه مرميا في حي مشبوه لا يعرف قراره، إلا بعد أن يلتقي بعصابة “موح الفينڤا" (ياسين سيلم) وأعضائها “بورقبة" (رفيق فطموش و«سكيراتشي" (اسماعيل ديو) تنجح في توريطه في قضية اعتداء، بعد أن عودته على التدخين وشرب الخمر وتعاطي المخدرات. ولغرض السرد، كان النص الذي كتبه فطموش الابن، يحمل الكثير من الوعظ والإرشاد، إلا أننا شعرنا أن بعض جزئيات النص كانت تحمل كثيرا لمسة فطموش الأب، المتمردة والمعارضة، والمستعملة لكلمات قريبة إلى قاموس مدرسة السبعينيات في المسرح الجزائري المعارض للنظرة الأحادية. فالنص يكتنز وعيا سياسيا كبيرا، ويجر وراءه خبرة سنوات من المال والتعاطي مع السلطة، لدرجة تكوين موقف تجاهها، وهو ما قد يثير بعض التساؤلات في مدى قدرة رفيق الابن على صياغة كل هذه الحيثيات. الشخوص المختارة في “الحملة" كانت اختزالا للمجتمع الجزائري، كلها نتاج إقصاء عائلي وتسرب مدرسي، أو هي أيضا مثقف متسكع تحت جسور مظلمة، ابتعد عن الواجهة ليعيش وحيدا، وهو ما تقمصه “عيبوط" و«الصحفي" و«الكاتب" طرحت من خلالهم إشكالية علاقة المثقف بالسلطة. لعبت المسرحية على كثير من الأوتار الحساسة للجمهور، على الحڤرة واليأس، على انتحار الأطفال، بطالة الشباب، قهر النساء، الفقر والتخلف... على سياسية “مازال واقفين" الكاذبة التي تغطي حقيقة المعيش اليومي للمواطن. كل ذلك كان في ديكور رسم جوانبه السينوغرافية سليمان حابس، الذي وضع الشخوص أمام واجهة حجرية قديمة، شكل جدران بيت “عمي علي" القهواجي، وكان الجسر المهدم الذي سكن تحته المتشردون دون مأوى. أغاني ومقاطع موسيقية كثيرة استعان بها “بازو" ليرافق الممثلين، كما كانت الأغنية القصيرة التي رددتها المجموعة مؤثرة تقول: “يا الحملة كوني قوية، والفلوكة في الأمواج العالية، يا الحملة انت اضربي واهدمي، وما تخلي الحيوط ولا السوار، الحڤرة والزطلة تعمم، والأزمة يخلصوها الصغار..."، كلمات تشبه بيان للثورة على الوضع، ثورة البروليتارية التي قرر أن يقودها “عيبوط" و«مراد" و«موح الفينڤا" وآخرون ضد الفوارق الاجتماعية، والخروج للشارع للحديث إلى “أصحاب الفوق".