عندما دخل الفاتحون العرب إلى قصر كسرى في المدائن كان من بين ما غنموه، إضافة إلى التاج الملكي وأدوات نفيسة وأحجار كريمة، سجادة هائلة الأبعاد قال عنها مؤرخون إنها كانت مرصعة بالجواهر، فضلا عن كونها مصنوعة من أفخم نوعيات النسيج. وكانت هذه السجادة التي يفوق طولها 80 مترا وعرضها أزيد من 60 مترا، هي مما أرسله الفاتحون إلى المدينةالمنورة، من جملة غنائم نفيسة أخرى، لينظر الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في أمرها، ولقد خشي الفاروق عمر ومعه علي بن أبي طالب من أن يستأثر بها أحد أمراء المسلمين بعد أعوام أو قرون فأشار علي على عمر أن تقطع إلى أجزاء، فكان ذلك ما حدث، وقال علي بن أبي طالب “فكان لي نصيب منها بعته بعشرين ألف درهم". توحي هذه القصة بمدى روعة وندرة هذه السجادة التي اعتبرت بمقياس ذلك الوقت على الأقل، أكبرسجادة في التاريخ، كما أن المؤرخ ابن أبي حديد المعتزلي أورد ذكرها تحت اسم “القطيفة" في كتابه “شرح نهج البلاغة" للإمام علي بن أبي طالب، وقال أيضا عن هذه السجادة التي كان الكسرى “يزدجرد" بصنعها قبالة كرسي عرشه.. أن المسلمين في المدينة قاموا بتمزيقها بسيوفهم قبل توزيعها فيما بينهم. كما أن عناصر هذه القصة تكشف أيضا مدى الإبداع الذي كان ولا يزال يلف صناعة السجاد الفارسي منذ آلاف السنين وإلى يومنا هذا، وهو السجاد الذي لا يزال يصنع إلى يومنا هذا في إيران ويباع في كل دول العالم تقريبا بما فيها الجزائر. وعندنا توجد عدة زرابي ذات صناعة تقليدية محلية يمكن الاعتماد عليها، وفي جهة الشرق مثلا توجد زرابي النمامشة وزرابي ڤرڤور نسبة إلى جبل ڤرڤور الواقع ما بين ولايتي سطيف وبجاية، كما توجد زرابي تنسب إلى مناطق في الغرب الجزائري على غرار زرابي القلعة، وهي مدينة صغيرة معلقة بمنحدرات جبلية بين غليزان ومعسكر. لكن، وبالرغم من مكانة هذه الزرابي وحياكتها الرفيعة، إلا أن السجاد الفارسي يلقى خلال السنوات الأخيرة إقبالا معتبرا في بلادنا، وهذا على الأقل ما يؤكده حراث سامي، وهو مساعد مسير محل خاص يقوم بتسويق هذا النوع من السجاد في بلادنا بعد استيراده من دولة إيران. ويرفض المتحدث ذاته استعمال كلمة “تنافس" لمقارنة الإقبال على الزرابي الجزائرية مع ماهو موجود من إقبال على السجاد الفارسي، وفي منظور حراث سامي، فإن السجادات الفارسية، التي بدأ بيعها في الجزائر منذ سنة 2002، أصبحت لها مكانة معتبرة في العائلات الجزائرية بفعل الإقبال المحسوس عليها، لكنها، يضيف المتحدث ذاته، موجودة في البيوت الجزائرية إلى جانب الزرابي الأخرى مثل الزرابي النايلية والبربرية التي “لا يزال الإقبال عليها في بلادنا كبيرا على اعتبار أنها جزء من التراث". ويقول حراث سامي أيضا، إن الجزائريين يملكون ذوقا رفيعا في اختيار السجادات، مشيرا إلى أن عدد أنواع السجادات الفارسية التي تباع في بلادنا يصل إلى حدود 60 نوعا، وهذه الأنواع تحمل أسماء أشهر المحافظات التي يصنع فيها السجاد في إيران.. الدولة التي تملك كل محافظة فيها تقريبا نوعا من السجاد خاص بها ويحمل اسمها. وعلى هذا الأساس، فإن المتحدث ذاته يشير إلى أن من بين أنواع السجادات الفارسية التي يتم تسويقها في بلادنا، هناك سجادة أصفهان، وسجادة تبريز، فضلا عن سجادة نائين، وهي أيضا إحدى المحافظات الكثيرة الموجودة في إيران. ومن الضروري الإشارة إلى أن السجادات الفارسية المصنوعة في إيران تتوزع على فئتين إثنتين رئيسيتين، فهناك السجادة الريفية التي تنسج على قاعدة من الصوف متواضع النوعية والعقد الخشنة، على غرار سجادات “شيراز" و«بلوش" و«همذان"، في حين أن الفئة الثانية من السجادات الفارسية تشمل ما يعرف بالسجادات الحضرية التي تتضمن نوعية رفيعة من الصوف أو يتم صناعتها باستعمال الحرير الطبيعي على غرار ما هو موجود مع سجادات “أصفهان" و«قم" و«تبريز"، وهكذا فإن هذا التصنيف يعتمد في أحد مقوماته على المكان ذاته الذي تصنع فيه السجادة، وهو نفسه الذي يعطي سعرها من باب أن السجادة الحضرية هي أعلى سعرا من السجادة الريفية. ويقول حراث سامي، إن السجادات الفارسية الموجودة في بلادنا يتراوح سعرها بين 26 ألف و200 ألف دينار ويسمح السقف المالي الأدنى المشار إليه بالحصول على سجادة بطول متر واحد ونصف وعرض متر واحد فقط، على أن تكون هذه السجادة إما ريفية أو حضرية، لكن بدرجة متواضعة نوعا ما. ويشير المتحدث ذاته إلى أن السقف المالي الأعلى المشار إليه بواقع 200 ألف دينار يسمح بالحصول على سجادة فارسية بطول 4 أمتار وعرضها ثلاثة أمتار، على أن هذا المبلغ المالي يتوافق مع اقتناء سجادة حضرية من درجة جيدة ومن أنواع “كيرمان" و “نائين"و “خراسان" وهي أيضا أسماء محافظات إيرانية يصنع فيها السجاد، ويقول أيضا إن الذين يشترون السجاد الفارسي في الجزائر هم من جميع الفئات الاجتماعية.. كل حسب مقدوره ونوعية السجاد الذي يشتريه، وهؤلاء قد يكونون تجارا أو إطارات موظفون، البعض منهم أزواج يقومون بالتعاون فيما بينهم لشراء السجادات الفارسية. ووفق المتحدث ذاته دائما، فإن الميسورين من الزبائن يقومون بشراء هذا النوع من السجادات نقدا، في حين أن الزبائن الأقل غنى يشترونها بالتقسيط، حيث يحتفظ المحل عادة بالسجادة موضوع البيع إلى غاية تسديد كامل الأقساط، وحيث يكون التسديد ضمن فترة تتراوح بين 6 و10 أسهم. ألوان طبيعية وحياكة فائقة الدقة صناعة السجادات الفارسية عالم خاص قائم بذاته، والشهرة التي تحوز عليها هذه السجادات في جميع أصقاع العالم تعود إلى جملة من العناصر المرتبطة، في جانب منها، بالدقة الفائقة في احترام أبعاد السجادة، والألوان الطبيعية المستعملة، فضلا عن نوعية الصوف المستعملة في صناعة السجادة، ومن الطبيعي أيضا أن طول وعرض السجادة وما ينتج عنه من مساحة، هو عامل آخر يلعب دورا مهما في تحديد سعرها بعد اكتمال صناعتها. وعموما، فإن حراث سامي يقول إن طريقة صناعة السجادة الحضرية تجعلها متماسكة لمئات السنين وأكثر مما هو الأمر بالنسبة للسجادة الريفية، وبالنسبة للسجادة الحضرية فكلما وطئتها أقدام البشر فإنها تصبح، وعلى مر السنين، براقة أكثر والسبب في ذلك هو طبيعة الصوف المستعمل فيها والذي يتم اجتثاثه من صدر الخروف، خلال فصل الخريف، وهذا الجزء من صوف الخروف يسمى عند الإيرانيين “كورك". أما السجادة الريفية، فإنها تصبح بالية نوعا ما مع مرور الزمن وبعد حوالي 100 عام من استعمالها، وهذه الفئة من السجادات الفارسية مصنوعة من صوف الكباش والماعز. إن أنواع السجادات الفارسية كثيرة جدا، غير أن أشهرها هي تلك المرتبطة بالمحافظات الكبرى في إيران، وعادة فإن سجاد “أصفهان" و«إيلام" من الدرجة الأولى هي أغلى السجادات الفارسية المعروفة، ومن الضروري الإشارة هنا إلى وجود درجات أقل، من حيث النوعية، في هذين النوعين من السجاد، وبالنسبة لباقي أنواع السجادات الحضرية الأخرى. وتمتد هذه النوعية عبر سلم كامل يتراوح بين الدرجة الأولى والدرجة الخامسة، أما عندما يتعلق الأمر بالسجادات الريفية فإن السلم يقف في نهايته عند الدرجة الثالثة فقط. هناك عدة معايير تندرج في تحديد درجة السجادة الحضرية وبالتالي نوعيتها وسعرها في نهاية المطاف، وأحد هذه المعايير يتمثل في عدد العقد الموجودة في السجادة الواحدة، فكلما كان عدد العقد المتضمن في السجادة أعلى كانت الدرجة بدورها أعلى، كما أن نوعية الصوف المستعملة في صناعة السجادة تحدد درجة هذه الأخيرة أيضا، والصوف الذي يتم اجتثاثه من صدر الخروف والذي يتم استعماله في صناعة السجادة هو الأحسن من هذ الناحية المعيارية. وهناك أيضا معيار ثالث يتمثل في عدد ونوعية الألوان المتضمنة في السجادة، وكلما كان عدد هذه الألوان أكبر وكانت هي - أي هذه الألوان ذاتها طبيعية أكثر ارتفعت درجة السجادة إلى أعلى. أما المعيار الأخير، في هذا الإطار، فيتمثل في الرسم الموجود على السجادة الفارسية، وهو معيار لا يقل أهمية عن المعايير الأخرى. وهناك في هذا الإطار رسوم أشهر من غيرها تزيد في درجة وسعر السجادة، مثل ما يعرف بنقشة الشيخ صافي التي تمثل في عالم السجادات الفارسية، رسما بالغ التعقيد وحجر الأساس في درجة وسعر السجادة الفارسية التي تتضمن هذا الرسم. وحسب حراث سامي، فإن هذه النقشة، المشهورة في العالم أجمع، تعطي رسما لباقة من الأزهار، على السجاد على نحو بديع وفائق الجمال. وفي سجادة “تبريز" أيضا هناك نقشة معروفة أخرى تدعى “قول بلبل" بمعنى “أزهار البلبل" والبلبل طبعا هو الطير الذي يغرد على نحو جميل. وعموما، فإن حراث سامي يؤكد أن قوة السجادة الفارسية هي في نوعية العقدة (وهي فارسية أيضا) التي يتم من خلالها صنع هذا النوع من السجاد، وهذه العقدة تتيح بطبيعتها إنجاز رسوم رائعة على السجادات الفارسية. وما يصنع أيضا قوة السجادات الفارسية هي نوعية الألوان الطبيعية المستعملة فيها والمستخلصة من نباتات موجودة في إيران فقط، وفق تعبير المتحدث ذاته، الذي يؤكد أن الطريقة المعتمدة في صناعة السجادة الفارسية تشكل عاملا آخر في شهرة هذه السجادة عالميا. وتعتبر هذه الطريقة فائقة المهارة من ناحية أنها تتيح تخريج السجادة الفارسية بأبعاد هي غاية في الدقة من حيث الطول والعرض، وهذا الأمر يتطلب مهارة عالية من جانب صناع السجاد الفارسي في التعامل مع العقد المتضمنة في هذه السجادات. ويقول حراث سامي إن صناع السجاد هؤلاء في إيران يملكون فعلا مهارات فائقة في التعامل مع صناعة السجادات الفارسية، وأنهم على درجة من الكفاءة تجعلهم أحيانا يرتكبون “عمدا" بعض الأخطاء البسيطة في صناعة السجادة وذلك “إثباتا" منهم أن الكمال للمولى عز وجل وحده لا غير، وفق ما يؤكده المتحدث ذاته. أكبر السجادات الفارسية في العالم موجودة في بعض مساجد دول الخليج تعتبر السجادة الفارسية الرائعة الموجودة في مسجد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، هي أكبر سجادة فارسية في العالم أجمع، وهي موجودة بقاعة الصلاة في هذا المسجد الموجود في أبوظبي والذي يعتبر بدوره ثالث أكبر مسجد في العالم، وتم الإنتهاء من بنائه وبدء إقامة الصلاة فيه في حدود سنة 2007. وتبلغ مساحة هذه السجادة الهائلة 5625 متر مربع، حيث تم وضعها بقاعة الصلاة الرئيسية في المسجد بعدما قام حوالي 1200 حرفي في إيران بحياكتها يدويا مستخدمين في ذلك 35 طنا من الصوف و12 طنا من القطن. ويصل طول هذه السجادة إلى 133 مترا، أما عرضها فيبلغ 48 مترا، أما وزنها فيصل إلى 48 طنا بعد أن صنعت في نيسابور الإيرانية، كما أن هذه السجادة التي تتضمن عددا هائلا من العقد تتضمن 25 لونا طبيعيا يغلب عليها اللون الأخضر، وهو المفضل لدى الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي يعتبر المؤسس الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة. في عام 2007 تم تقسيم هذه التحفة وإحضارها إلى أبو ظبي، حيث تم تجميعها من جديد في المسجد، كما أن هذه السجادة التي فاق ثمنها 8 ملايين دولار تتميز بوجود خطوط أفقية ترتفع عن سطحها الرئيسي، والغرض من هذه الخطوط هو تسوية صفوف المصلين، ونتيجة لأسلوب الحياكة الخاص المستعمل في هذه السجادة، فإنه لا يمكن رؤية هذه الخطوط عن بعد وإنما يراها المصلون فقط. كما أن السجادة الفارسية الموجودة في جامع السلطان قابوس في سلطنة عمان هي ثاني أكبر سجادة في العالم، وهي سجادة فارسية تفرش بلاط المصلى بقطعة واحدة يصل طولها أكثر من 70 مترا وعرضها أكثر من 60 مترا، مما يفضي إلى مساحة تصل إلى 4263 متر مربع بالنسبة لهذه السجادة التي تزن أيضا 21 طنا وتضم عددا هائلا من العقد على غرار السجادة الفارسية الموجودة في مسجد الراجل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. وبالنسبة لسجادة جامع السلطان قابوس، فإن دقة نسيجها الرفيع وتعقيده يعود إلى جودة عقدها التي يصل عددها إلى 40 عقدة في كل 6,5 سنتيمتر، ولقد استغرقت صناعة هذه السجادة 4 سنوات كاملة منها 15 شهرا لإعداد التصاميم والخيوط والصباغة وإقامة ورش الخياطة الخاصة بها. أما عملية الحياكة، فبلغت مدتها27 شهرا متواصلة بنيسابور في إيران على أيدي 600 محترف، وتحت إشراف خبراء في تصميم السجاد ونسجه، وقد تبع فترة الحياكة 5 أشهر في الإنهاء والقطع والغسيل التقليدي، أما عدد القطع المؤلفة لهذه السجادة فيصل إلى 57 قطعة، إضافة إلى سجادة خاصة بالمحراب، وهي متصلة بها ويشكل مركز هذه السجادة دائرة يعكس تقسيمها الهندسي تصميم قبة مسجد الشيخ لطف الله في أصفهان بدولة إيران وزخرفته. أما باقي حقل السجادة، فقد رسمت فيه مجموعة غنية من الزخارف المورقة المتأثرة بأسلوب الفن الصفوي، حيث تضم كل زهرة مرسومة العديد من الأزهار الأخرى، كما استخدم في نسج هذه السجادة 28 لونا تمت صناعة غالبيتها من الأصباغ النباتية والطبيعية.