سوق الكتاب التاريخي ناشرون مجتهدون وآخرون ينتظرون الدعم.. : غابت عن الساحة دور نشر كثيرة تملأ كتبها رفوف المعارض والصالونات في الأعوام السالفة، ولكن جراء دعم وزارة الثقافة لها، ما جعل أي مبادرة منها يقوم على أساس الظرف المالي الذي تخصصه الوصاية لهذا الشأن. من جهة أخرى، وزارة المجاهيدن لم تفصل في كثير من المشاريع المتعلقة ببرنامج الخمسينية، رغم وجود جبال من المخطوطات على مستوى لجنة القراء في مركز البحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر بالأبيار، ما يجعل كل أمل في قراءة عمل تاريخي جديد وإضافة إلى رصيد الأبحاث حول الحركة الوطنية أو شخصياتها أو معاركها، مرهون بشفافية إدارة شريف عباس. في الطرف الثاني من ساحة النشر الوطنية، دور استثمرت في الكتاب التاريخي، دون الحاجة إلى أي جهة رسمية، على غرار منشورات “عالم الأفكار" و«الحبر و«المعرفة" و«البرزخ" و«الشهاب" و«اناب" و«القصبة"، التي أسست لنفسها حصانة ضد غياب التمويل، وثقة في سوق يتقبل هذه النوعية من الكتابات. دحو جربال، محمد ساري، بيار شولي... من بين المؤلفات المتخصصة كتاب “تاريخ الجزائر في الفترة الاستعمارية" الذي أصدرته منشورات “البرزخ" و«ديكوفيرت" الذي يقترح تحت قيادة باحثين جزائريين وفرنسيين مختارات من الأعمال “المبدعة" التي تم إنجازها حول هذه الفترة. كما قدمت الدار ذاتها شهادات لشخصيات كانت طرفا فاعلا في ثورة التحرير أهمها “خيار الجزائر" للراحل بيار وعقيلته كلودين شولي، تناولا مسار نضالهما قبل الاستقلال وبعده. أما “مظاهر التوبة"، فقدمت فيه نخبة من المثقفين الجزائريين والتونسيين والفرنسيين تحليلا معمقا لمفهوم “التوبة" في كتابة التاريخ وفقا لتعريف القانون الدولي وفي الاعتراف بالجرائم التي اقترفتها القوى الاستعمارية القديمة. وعن الدار نفسها، وبمناسبة الطبعة ال 17 من الصالون الدولي للكتاب، خرج محمد ساري بروايتين جديدتين هما ‘'القلاع المتآكلة'' باللغة العربية، و''الأمطار الذهبية'' التي كتبها باللغة الفرنسية، يتناول في الثانية الخلافات الواقعة في الجزائر، منذ اندلاع الثورة التحريرية إلى ما بعد 1962، عبر أحداث تنطلق من وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين.من جهته، اشتغل المؤرخ دحو جربال على دراسة جوانب حرب التحرير التي تم حجبها مثل المنظمة السرية وإتحادية فرنسا لجبهة التحرير الوطني في كتاب صدر له عن منشورات “الشهاب". يعد كتاب موريس فايس الصادر عن دار “عالم الأفكار" الجزائرية، والموسوم “نحو السلم في الجزائر، مفاوضات إيفيان في الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي"، إضافة غنية بالوثائق الخاصة بمفاوضات إيفيان، يمكن للقارئ أن يطلع على ضوء محاضر اجتماع وتقارير مفصلة مدققة، عن كل ما دار بين قادة جبهة التحرير والطرف الفرنسي، خلال ساعات التناقش والتفاوض. أدبيا، واكبت بعض الأقلام حدث الخمسينية، مثل حبيب أيوب في “مدور الساعة" لمنشورات البرزخ أو من خلال ذكريات شخصية ليوم 5 جويلية 1962 ألفها 17 مؤلفا جزائريا وفرنسيا في كتاب يحمل عنوان “ذلك اليوم" صدر عن “الشهاب" دائما.وفي مجال الكتب الفاخرة، عادت الرسامة التشكيلية الجزائرية دليلة دالياس بوزار، في كتاب “الجزائر السنة الصفر" إلى لقطات من حرب التحرير وسنوات الإرهاب علق عليها باحثون جزائريون وأجانب من خلال محاولة تحسين الصورة عن طريق ترميم الصورة السلبية. واسيني الأعرج..هل ستنصفه بوكر العرب إحتفظ الأعرج بمكانته في قائمة مسابقة البوكر العربية في طبعتها السادسة، وظل صامتا إلى هذه الساعة عن الانتقادات التي شككت في قدرته على مقاومة رياح الإبعاد من حلبة المنافسة، أمام قوائم عربية أخرى تبدو في نظر منتقديه أكثر قدرة على الفوز منه. واسينيي ظل طيلة العام 2012 وفيا لريتمه الإبداعي، حاضرا بكثافة هذه المرة في ميدان الفن الرابع، مناقشا مسألة الأرشيف المسرحي وإشكالياته، بعد أن ترأس في أعوام قليلة خلت لجنة تحكيم مهرجان المسرح المحترف بالجزائر. أعمال واسيني وقفت على الخشبة أيضا، وتحوّلت “امراة من ورق" من كائن ورقي إلى كائن حقيقي يتنفس بإذن مراد سنوسي الذي حرر الشخوص بخيوط تنزل من السماء. لم يعبّر يوما واسيني يوما عن رغبته الشديدة في نيل هذه الجائزة أو ذاك، مع أن تواجده في المحافل العربية والغربية، تبقيه على صفحة الأحداث الأدبية، ليس بعيدا عما يحاك في كواليس التتويجات والتنويهات. وقد عززت ‘'أصابع لوليتا'' حضوره كاسم جزائري يتحرك كثيرا ولا ينثر الغبار وراءه ساعة مروره. أمين الزاوي..سر الكاتب المتفاعل إحتفظ الروائي أمين الزاوي طيلة العام المنصرم، بلياقة أدبية ملفتة، إذ كان من بين الأصوات المثقفة القارئة للشأن السياسي الجزائري والعربي. نسجل للزاوي رأيه الصريح مثلا بخصوص الاحتفالات بالذكرى الخمسين لاسترجاع الاستقلال في الجزائر، حيث قال إنه “عندما لا تأخذ (هذه الاحتفالات) الطابع الشعبي ولا يهتم بها المجتمع المدني تصبح مناسبة سياسية باهتة ليس لها أي صدى"، وانضم في السياق ذاته إلى الرأي الذي ثمّن فعالية الدوائر الفرنسية في تحليل الحدث مقابل تكاسل الطرف الجزائري: “في فرنسا بدأت الاحتفالات مبكرا وأنجزوا العديد من الأفلام والندوات لأن الشخصيات والفاعلين ومختلف القنوات والصحف أخذت المبادرة، عكسنا نحن الذين ننتظر دوما الضوء الأخضر والدعم المالي ولا نتحدث سوى عنه". وقد حامت حول الزاوي تعاليق أسندت غالبيتها إلى طموح الرجل في منصب وزير الثقافة، وقد تداول اسمه بمناسبة التعديل الحكومي الذي أعقب الانتخابات البرلمانية لهذه السنة، إلى جانب عدد من الأسماء.أفصح الزاوي عن طاقة كتابية تمثلت في ثلاثة عناوين أعلن عن ولادتها في فترات متقاربة، بدءا ب “لها سر النحلة" حيث طرحت طابو الجنس والعلاقات الشرعية وزنا المحارم، ناهيك عن مسألة الحروب الدينية. أما في “حادي التيوس" الصادرة عن منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم والواقعة في 176 من الحجم المتوسط تروي حكاية ثلاث أخوات شابات اعتنقن الإسلام بمسجد صغير في مدينة الغزوات الحدودية، دوافع اعتناقهن الإسلام مثيرة وملغمة. في ‘'يهودي تمنطيط الأخير''، يتطرق الكاتب إلى تاريخ الوجود اليهودي في الجزائر، ويناقش في نصه المتخيل، مسألة الهوية الجزائرية، التي مازالت على بساط الجدال الثقافي والسياسي إلى اليوم. أحلام مستغانمي: “الأسود يليق بك".. أو اللعبة التسويقية إنتظرها قراءها كثيرا، فأطلت أخيرا عليهم من معرض الشارقة الدولي للكتاب، وجلست في فخامة “الأسود يليق بك" توقع الصفحة تلو الأخرى، تحت فلاشات كاميرا التصوير الفوتوغرافية، وقلق زائد من القائمين على جلستها للبيع بالتوقيع. أحلام الجزائرية، عندما تمر على صالون خليجي أو لبناني، تحظى بحراسة ملفتة، الكل يخشى من تعب هذه السيدة التي تحدثت عن الألسن السيئة التي شككت في قدرتها على نسج خيال رواياتها. استطاعت ابنة قسنطينة، قبل رحيل 2012 أن تحول أنظار العرب إليها، بعيدا عن مأزق الدول الثائرة ضد أنظمتها السياسية، وقدمت لقرائها نصا يتحدث عن الحب، حب بسيط لشخص بسيط... فما هي الأسباب التي هيأت لأحلام سبل النجومية القصوى، فيما يعجز آخرون عن ذلك رغم قيمتهم ومكانتهم؟ كيف اقتنعت الآلة الإعلامية اللبنانية أساسا بأحلام الكاتبة، فأصبحت جيشها المرافق تماما كما لنجمات الغناء جيوش؟ علما أن آراء من قرأوا الرواية، خرجوا منها خائبين، مستغربين لعنوان حقق أكبر المبيعات رغم أن محتواه فيه الكثير ما يقال؟ هاجر قويدري:«نورس باشا» يهدي الجزائر جائزة الطيب صالح للرواية إنتشر خبر تتويجها بجائزة الطيب صالح الدولية للرواية العربية، بسرعة المفاجأة التي أخذت البعض، والفرحة التي غمرت قلوب من يعرف قلمها الصامد بعيدا عن لغو ما تبقى من الجلسات واللقاءات الأدبية. بعد أن تحصلت على الجائزة الأولى لرئيس الجمهورية علي معاشي في الرواية سنة.. لم يلتفت إليها طرف بما فيه وسائل الإعلام الجزائرية، لكنها ظلت تحفر في طموحها دون الإعلان عن نواياها، حتى انفجرت شبكت التواصل برحلتها إلى السودان. هناك اختيرت لتكون أول امراة تتوج بهذه الجائزة، عن رويتها “نورس باشا" حيث تفوقت على كاتبين أحدهما من اليمن والثاني مغربي.تنم هاجر على نفسي جميل في البحث عن أدوات جديدة لكتابة الرواية في الجزائر، حيث تطرقت روايتها إلى فترة الحكم العثماني في الجزائر، ونقلت في لوحات تكاد تكون بصرية الحياة في عهد مصطفى باشا (القرن ال 19). وقعت قويدري نسختها العربية للرواية بصالون الكتاب ال 17، لكنها ما تزال مؤمنة بأن “المنابر في الجزائر مختومة بالشمع الأحمر"، لهذا اختارت حقيقة أخرى “وهي الخروج من هذا البلد".