الرابطة الأولى موبيليس: مولودية وهران تسقط في فخ التعادل السلبي امام اتحاد خنشلة    إجتماع أوبك/روسيا: التأكيد على أهمية استقرار أسواق النفط والطاقة    المؤسسات الناشئة: ضرورة تنويع آليات التمويل    تصفيات كأس إفريقيا-2025 لأقل من 20 سنة/تونس-الجزائر: ''الخضر'' مطالبون بالفوز لمواصلة حلم التأهل    تنظيم الطبعة ال20 للصالون الدولي للأشغال العمومية من 24 إلى 27 نوفمبر    لجنة تابعة للأمم المتحدة تعتمد 3 قرارات لصالح فلسطين    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    الرئاسة الفلسطينية تؤكد ضرورة قيام المجتمع الدولي بالعمل الفوري على وقف العدوان الصهيوني المتواصل عل الفلسطينيين    مولي: الاجتماع المخصص للصادرات برئاسة رئيس الجمهورية كان مهما ومثمرا    ميلة.. تصدير ثاني شحنة من أسماك المياه العذبة نحو دولة السينغال    بنك الجزائر يحدد الشروط الخاصة بتأسيس البنوك الرقمية    أوبرا الجزائر تحتضن العرض الشرفي الأول للعمل الفني التاريخي ملحمة الرمال " تاهقارت"    منظمة العفو الدولية: المدعو نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة الجنائية    الاتحاد العام للجاليات الفلسطينية في أوروبا يثمن قرار الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين صهيونيين    الرابطة الأولى موبيليس: شباب قسنطينة يفوز على اتحاد الجزائر (1-0) ويعتلي الصدارة    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    دعم حقوق الأطفال لضمان مستقبل أفضل    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    شايبي يتلقى رسالة دعم من المدير الرياضي لفرانكفورت    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسؤولون يكنزون التقارير ويتفرجون على ذاكرة الأمة وهي تضيع.. أرشيف الجزائر يغرق!
نشر في الجزائر نيوز يوم 02 - 03 - 2013

هل للجزائر حقا مديرية ومركز للأرشيف الوطني يتمتعان بالسيادة؟ إذا كان الجواب بنعم، فهل يعملان وفق القوانين الأساسية التي أخرجتهما إلى الوجود؟ ثم ما هي حصيلة أكثر من عشر سنوات من تسيير مديرية ومركز للأرشيف بمدير واحد وبلا مجلس أرشيف على خلاف ما ينص عليه القانون؟
هل يعلم حقيقة، المسؤولون المباشرون على المركز أن ذاكرة الأمة تغرق في الماء ولم يحركوا ساكنا، بل وما فائدة المعركة التي تشنها الجزائر على فرنسا لاستعادة أرشيف لا نعرف كيف نحفظه داخل بناية مهترئة يتسرب إليها الماء من كل حدب وصوب.. عيون “الجزائر نيوز" تسللت إلى داخل البناية التي لا يدخلها غريب، واكتشفت المحظور وعادت بالواقع المر الذي يعيشه التاريخ المدوّن للشعب الجزائري..
عندما تحصلت “الجزائر نيوز" على صور فوتوغرافية ونسخ من تقارير حول تسيير مديرية ومركز الأرشيف الوطني كانت الأمطار قد صعّدت من حدّة تساقطها على العاصمة، وبدر إلى ذهني مباشرة السؤال التالي: ماذا تكون قد فعلت الأمطار المتساقطة الأسبوعين الأخيرين، بأرشيف الأمة الموجود داخل بناية لا يزال كثير من أرجائها تحت سلطة الماء تنتظر الترميم منذ 1995؟
كان من الصعب علينا تصديق مصدرنا الذي زودنا بالمستندات، لولا أنه موثوق للغاية، خاصة وأن الاهتراء الذي أصاب البناية يعود إلى ما قبل مجيء عبد المجيد شيخي على رأس مديرية الأرشيف بقرابة سبع سنوات. لا يستطيع أحد تخيّل تهديد الماء للأرشيف الوطني بأنه مستمر منذ 18 سنة بأكملها، في عهد جزائر مستأسدة باحتياطي صرف يضاهي احتياطات أكبر الدول عبر العالم، ومستأسدة بحشد جبهتها الداخلية ضد فرنسا لاسترجاع أرشيفنا منها والذي تقدره مصادرنا المتخصصة ب 80 بالمائة.. فماذا لو وافقت فرنسا أن تمنحنا أرشيفنا؟ هل سينتهي به المطاف تحت أسقف تسيل ماء وقد تنهار بين الفينة والأخرى؟؟ كل السيناريوهات محتملة ضمن الواقع التالي:
تقرير تقني أنجز سنة 95 ممهور بصيغة عاجل
كانت الجزائر في هذه السنة بالذات تكابد ويلات الإرهاب الذي كان في أوج بشاعته وفظاعته، إذ كانت المؤسسات تتهاوى الواحدة تلوى الأخرى، ولم يخرج همّ الحكومات آنذاك عن البحث عن كيفيات تأمين القوت للجزائريين، ومفهوم ألا يكون أرشيف الأمة الذي بدأت تطاله مياه الأمطار جراء التسرب المنتشر عبر البناية الموجود بداخلها، ألا يكون أولوية، وبالرغم من ذلك بادرت مديرية الأرشيف من دون غلاف مالي كبير إلى إجراء بعض التحسينات على الخرسانات وتعزيز الجدران بما أمكن، لإبطاء مفعول الماء.
جاءت هذه المحاولة بعد تقرير تقني أنجزته مؤسسة الأشغال والبناء (نجاح) تحت مرجع رقم 16/95 بتاريخ السابع من مارس 1995 (نسخة بحوزة الجريدة)، يقول ملخصه إن البناية تتعرض لتسرب المياه من تحت الأرض ومن الأسقف، وأن هذا التسرب دائم ولا يتوقف، أسبابه متعددة، منها تصدعات الحجر وضعف تراب الردم الذي لم يعد صالحا لمنع تغلغل الماء عبر العديد من مفاصل وزوايا الجدران. ثم يؤكد التقرير في ملخصه أن هذه الوضعية تعرّض أسس البناية إلى الخطر، وأن من الأسباب الرئيسية لكل هذه الفوضى غياب مصارف للمياه حول مركز الأرشيف. أما عن الأسقف، يقول التقرير الذي بحوزتنا، إنه يتعين أن تُغطى الأسطح وتُحمى بصفائح معدنية، ومنح التقرير مهلة تقنية لهذه الوضعية لا تتجاوز السنتين أي إلى غاية مارس 1997 ، موضحا أنه ينبغي فورا وبشكل مستعجل (مع وضع خط تحت هاتين الكلمتين) وضع مصارف مياه من الجهة الأكثر تضررا من تسرب الماء.
كانت محاولة التغطية على كل ذلك الوضع الخطير، غير كافية تقول مصادرنا بالنظر إلى الوضعية المالية الهشة للأرشيف الوطني آنذاك، مثله مثل باقي مؤسسات البلاد، واقتصر التصرف على معالجة سطحية. الإشكال الأكبر كما تظهره الصور ومعلومات قادمة من مصادر داخل المركز، هو أنه بتحسن الوضعية المالية للبلاد ومعها الأرشيف الوطني، لم يحرك عبد المجيد شيخي الوافد الجديد على رأس الأرشيف، ساكنا، بداية 2002 “في وقت كان يُفترض أن تكون مهمته الأولى حماية هذا الإرث من الضياع، إذ لا توجد أية محاولة أو إبلاغ أو طلب غلاف مالي مخصص لإعادة تأهيل بناية المركز التي تعاني منذ 18 سنة، ولا أثر لأية وثيقة جديدة بالمركز تتحدث عن وضعه الخطير المهدد لذاكرة الأمة بالضياع"، يقول محدثونا. والصور أبلغ تعبيرا من الكلام، إذ تبين أجزاء هامة من الأرشيف قد طالها التعفن بسبب الماء، رفض محدثونا الكشف عن مضامينها وأي قطاع من ذاكرة الأمة قد تلف، ولم نتمكن سوى من معرفة أن جزءا متعلقا بوثائق المجلس الدستوري وأرشيفه قد يكون أول ضحايا هذه الوضعية الخطيرة كما تبيّنه إحدى الصور.
مادة أرشيفية ميتة مكدسة تنقل التعفن
ليس الماء الخطر الداهم الوحيد على الأرشيف، بل تُظهر مجموعة الصور التي تُنشر لأول مرة، أن هناك عددا غير معلوم من الأشرطة والأقراص المضغوطة كمادة أرشيفية قابلة للتلف، حررت بشأنها محاضر بهذا الخصوص، لكنها مهملة عبر عدد من زوايا المركز، ويقول مختصون ممن التقيناهم في هذا الباب، أن “الأرشيف مادة حية، قابلة للموت والحياة حسب درجة وإرادة صونها من التلف، تؤثر وتتأثر بالعوامل الطبيعية خاصة الماء والرطوبة"، ويضيفون “إن عامل الحموضة الكيماوية كمكون أساسي لتلك الأشرطة والأقراص والأفلام المهملة، يمكن أن ينقل العفن للأرشيف مهما كان بعيدا عنها، خاصة وأن عاملي الماء والرطوبة بسبب التسرب المستمر للأمطار، ناقلان سريعان للتعفن والتلف بإنتاج فطريات خاصة". ويتساءل محدثونا حول خلفية عدم اسراع المسؤولين على الأرشيف في اتلاف تلك المادة المكدسة كما تظهر الصور التي التقطناها، قبل أيام قليلة فقط.
مركز أرشيف بلا مدير لأكثر من 10 سنوات وشيخي مكلف بتسييره خلافا للقوانين
يتحدث العارفون بخبايا الأرشيف الوطني، عن وجود مشكلة كبيرة في تسيير هذه المؤسسة السيادية من الناحية الإدارية، فكثير من الناس ومنهم صاحب التحقيق يعتقدون أن الأرشيف الوطني مؤسسة واحدة يحكمها عبد المجيد شيخي، لكن الحقيقة أن الأرشيف الوطني مؤسستان. الأولى مديرية الأرشيف الوطني التي يسيرها شيخي وهي تابعة مباشرة للأمين العام لرئاسة الجمهورية، وبالتالي للرئاسة، ومركز الأرشيف الوطني الذي له استقلالية تامة عن المديرية، إداريا وماليا وهو تحت وصاية وزارة الثقافة، ولكل منهما تنظيمه الخاص وتسييره الخاص كما يبينه المرسوم رقم 8845 المؤرخ في الفاتح من مارس 1988 المتضمن إحداث المديرية العامة للأرشيف الوطني ويحدد اختصاصاتها والمرسوم رقم 87 11 المؤرخ في السادس جانفي 1987 المتضمن إنشاء مركز للمحفوظات الوطنية. ومن أهم ما جاء في مرسوم إحداث المديرية العامة أن مادته الأولى تنص على أنه تحت سلطة أمين عام الرئاسة وأن مهامه في المادة الثانية تنص على تطبيق السياسة الوثائقية الوطنية في إطار توجيهات المجلس الأعلى للأرشيف ويعد مخططات العمل وبرامجه السنوية وبرامج تكوين مستخدمي الأرشيف ويُفترض أن تتولى مديرية الأرشيف التعاون مع الهياكل المعنية بمدونات الترتيب وإجراءات إتلاف الوثائق وإدراجها ضمن الأرشيف الوطني وتتخذ جميع التدابير لاقتناء تقنيات الإصلاح والاستنساخ والاعلام، ولها ثلاث مديريات هي مديرية مقاييس الأرشيف وتقنيات تسييره ومديرية المبادلات والتطوير والمديرية الفرعية للمقاييس.
أما مركز الأرشيف فالمادة الأولى من مرسوم انشائه تنص على أنه “مؤسسة عمومية ذات طابع إداري وصبغة علمية وثقافية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الوطني وتسمى مركز المحفوظات الوطنية وفي صلب النص تدعى المركز"، أما مادته الثانية فتنص على أن وصايته وزارة الثقافة. ومن مهامه تحت بنود المادة الرابعة في الفقرة الخامسة من المرسوم أنه يتخذ جميع التدابير لاكتساب تقنيات الترميم والاستنساخ واستعمال الاعلام الآلي.
وأمام هذه المهام الواضحة يتبيّن أن عبد المجيد شيخي مدير عام الأرشيف لا يحق له التدخل في تسيير شؤون المركز الوطني للأرشيف الذي ينبغي أن يكون له مديرا مستقلا عنه، ولا ينبغي لشيخي أن يصرف من ميزانية المركز فلسا واحدا، عكس ما يفعل منذ مجيئه في 2002. مع العلم أن هناك علامات استفهام كبيرة حول جعل مدير الأرشيف الوطني وصيّا (مكلف بمهمة التسيير) على المركز خلافا لقوانين المركز الأساسية، بينما المركز يقع تحت وصاية وزارة الثقافة التي تحاسبه على ميزانيته بينما يحاسب أمين عام الرئاسة مدير الأرشيف على ميزانية المديرية.
يقول العارفون بهذه الخبايا إن معظم مصاريف المهمات والندوات والصفقات التي أجريت باسم الأرشيف الوطني خلال فترة تسيير شيخي، كانت من ميزانية المركز، “وفي ذلك تجاوزا خطيرا للقانون، إذ لو كان عبد المجيد شيخي يقوم بمهماته داخل وخارج الوطن وندواته وصفقاته من مصاريف المديرية لكان يتعرض في كل مرة من طرف الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية إلى مناقشة الحساب والأسباب والغايات من كل الأعمال التي سيقوم بها، لأنه تابع مباشرة لها، ولأنه يملك تكليفا بتسيير المركز يفضل أن تُصرف تكاليف المهمات التي يقوم بها هو ومقربوه ومصاريف أخرى من صفقات وندوات، من ميزانية المركز بلا حسيب ولا رقيب خاصة وأن مجلس التوجيه الذي ينص عليه القانون غائب وهو مجرد هيئة على ورق".
ينص باب التنظيم والعمل بشأن المركز أن مديره المستقل عن مديرية الأرشيف هو الآمر بالصرف وهو الجهة المخولة بإعداد الميزانية ويلتزم بالنفقات ويأمر بصرفها ويبرم جميع الصفقات والعقود والاتفاقيات ويتكون مجلس توجيهه من وزير الثقافة وممثلين عن الوزارة الأولى ووزارات المالية والداخلية والخارجية والعدل والدفاع والتخطيط والتعليم العالي ويجتمع المجلس وجوبا مرتين في السنة عاديا وفي دورة طارئة بطلب من مدير المركز أو رئيس المجلس أو من ثلثي أعضائه، وهنا يتبيّن بشكل مفضوح أن مهمة شيخي منذ مجيئه للأرشيف الوطني تعد تعديا صارخا على كافة قوانين الجمهورية.. ولكنها كانت ستُستصاغ لو لم تكن مشوبة بكثير من الشبهات في التسيير المالي والإداري كما سنرى على لسان محدثينا.
ندوات ومطبوعات فارغة بالملايين وتقارير تثير قضية صفقات مشبوهة برئاسة الجمهورية
يقول محدثونا إنهم لا يفهمون لماذا يهتم عبد المجيد شيخي بالصفقات والمهمات عبر الوطن وتنظيم ندوات غير مجدية، بدل انقاذ الأرشيف الوطني من الضياع أولا، بسبب ما يتعرض له من تلف، وثانيا مباشرة صلب مهامه وهي جمع الأرشيف طرقا “بابا بباب، ودار بدار، وزنقة بزنقة" عبر الجزائر، لاسترجاع ما يمكن استرجاعه من أرشيف مشتت بين الجزائريين.
ويتساءل هؤلاء عن “سبب عدم اجراء حملات غير منقطعة في هذا الإطار والضغط على فرنسا لاسترجاع الأرشيف المتمثل في حوالي 80 بالمائة من ذاكرتنا".
وتفيد المعلومات في هذا الشأن حصيلة عبد المجيد شيخي من الناحية السياسية “لا تُذكر كونه لم يسترجع أرشيف المالغ ولم يفتح أرشيف الحكومة الجزائرية المؤقتة غير القابل إلى حد الآن للتبليغ ولا وجود لخرائط الألغام الفرنسية بمركز الأرشيف الوطني مثلما سبق وأن حظي هذا الموضوع بهالة إعلامية منقطعة النظير، كما أن عددا غير محصور من أرشيف الجزائر مشتت بين وزارات عديدة خاصة وزارة الدفاع، لكنه لم يدخل يوما بين جدران الأرشيف الوطني ليس لأن وزارة الدفاع تمنع ذلك بل لأن الأرشيف لم يقم بالمبادرة، فقد تسمح وزارة الدفاع بتحويل جزء من أرشيفها إلى مؤسستنا أو على الأقل تجعلها تشرف على أرشفته بشكل يسمح لها بذلك مثلما تنص عليه القوانين الأساسية لمؤسسات الأرشيف الجزائري".
يرى محدثونا من الأرشيف الوطني، أن المديرية صرفت أموالا على ندوات ولقاءات غير مجدية بدليل أن لا أثر لها على الواقع بمجرد انتهائها، إذ لا توجد حصيلة سنوية معلنة للرأي العام، ماعدا بعض التسجيلات مع بعض الشخصيات الثورية والتاريخية التي عادة لا تتطلب أكثر من تنقل وتسجيل بكاميرات المركز. ويستدل محدثونا عن هذا “الهزل" كما يسمونه بمبادرة قامت بها مديرية الأرشيف في إطار خمسينية استرجاع السيادة الوطنية، حيث كان يُفترض أن تشترك مصالح وزارة الخارجية مع الأرشيف الوطني في طبع كتاب وتوزيعه للجالية بالخارج أو المهتمين بتاريخ الجزائر من وراء البحار، إذ طُبع منه 30 ألف نسخة “لكنه ليس عبارة عن كتاب بقدر ما هو مطبوع صغير الحجم من النوع الرديء يتضمن صورا لقادة ثوريين وأعلام الجزائر ونشيد قسما وما تبقى منه عبارة عن ملصقات مصورة لا ترى حتى بالعين المجردة لا يسمن ولا يغني من جوع ولا تتوفر فيه أية معلومة مفيدة أو إضافة، وبإمكان الجالية الجزائرية في الخارج أن تطلع على أكثر وأعمق من معلوماته التي وردت فيه". تقول مصادرنا إن تكلفة طبعه قاربت 300 مليون سنتيم صرفتها مديرية الأرشيف من ميزانية 4.5 مليار سنتيم خصصت لإحياء الذاكرة بمناسبة الخمسينية، لم يظهر أثر صرفها في أي شيء على المركز أو على الأمة أو على نخبتها من المهتمين بالأرشيف، ما عدا شراء خمس سيارات، “يستعمل منها شيخي ما شاء ولمن شاء وانتهت جل المطبوعات إلى ظلام الطوابق الأرضية أين هي مكدسة إلى أجل غير معلوم".
قد يكون كل هذا من الأمور السياسية القابلة للنقاش، لكن أن تُرفع تقارير إلى رئاسة الجمهورية بسوء التسيير الإداري والمالي مشفوعة بطلب فتح تحقيق عميق، فإنه دليل على أن الأرشيف الوطني لا يعاني مشكلة تسرب ماء فقط وتعريضه لخطر الزوال بل حتى فسادا مستشريا كذلك الذي أقرّ به رئيس الجمهورية في عديد خطاباته.
تقول تقارير بحوزة “الجزائر نيوز" موجهة للرئاسة منها وجود إطارات غير مؤهلة للتسيير الإداري ولا تملك المستوى العلمي لتبوء المناصب الإدارية التي تشغلها حاليا، منهم من كانوا مجرد أعوان وحتى مطرودين من وزارات سابقا بسبب تحرشات جنسية. كما أن بعضا من الحسابات التي كانت تحت إشراف هؤلاء الموظفين بحسب التقرير شابتها أخطاء كارثية. وتفيد التقارير أيضا أن عبد المجيد شيخي كان يتقدم بطلبات إدارية غير معقولة للموافقة عليها من طرف الإدارة، “كمنح ترقيات لكاتبته الخاصة التي لا تتوفر فيها الشروط، وتوظيف سائق أحيل على التقاعد ودفع مستحقات أحد الممونين في حدود 500 مليون سنتيم بدون مبرر، ومحاولة الضغط على الإدارة لإخراج الأرشيف الوطني من تحت وصاية الوظيف العمومي". كل هذه المعطيات تقول التقارير الموجهة للرئاسة بأن أصحابها المعلومين والذين رفضوا الكشف عن هوياتهم للجريدة، مستعدون لتقديم الأدلة الدامغة عليها في حال تحركت لجنة تحقيق من الرئاسة.
ولمحت التقارير التي أنجزت في العامين أو السنوات الثلاثة الأخيرة، أن هناك مئات الملايين التي صرفت “دون أن تعود بالفائدة على المركز".
وأضافت مصادرنا التي زودتنا بمجموعة المعلومات التي تضمنتها التقارير أن عددا من المؤسسات التي ترشحت لنيل بعض الصفقات “كانت تعين قبل الإجراءات التي ينص عليها قانون الصفقات العمومية".
وتسجل التقارير اقتناء مولدات كهربائية، من دون ضمان وتعطل مثبتات (stabilisateurs) أثناء التشغيل وبدلا من إخضاعها للضمان تم اقتناء أخرى، “مما يعد سوءا مفضوحا في التسيير"، يقول محدثونا.
ومن بين الأحداث الإدارية الغريبة التي حدثت، هو سرقة وصلات البنزين، من مخزن كان تحت إشراف أحد المقربين من شيخي “إلا أن رفع الشكوى والدعوى القضائية كان ضد مجهول رغم أن السرقة وقعت تحت مسؤولية موظف معلوم وبعد التحقيق أبعد شيخي الموظف من المنصب المشبوه إلى غاية استكمال القضية في العدالة، ليُعيده بعد ذلك في عملية استبدال للمناصب بلا تبرير" يقول مصدر على علاقة مباشرة بالملف، ملفتا أن الحكم في القضية مجهول بين عمال الأرشيف إلى غاية الساعة.
ومن أخطر ما جاء في التقارير أن الأرشيف الوطني لا يملك آلة لتعقيم الأرشيف، حاليا، وأن الآلة التي خسرت عليها الدولة ملياري سنتيم لاقتنائها في سنوات التسعينيات لم تشغل يوما واحدا، مما يعرض الأرشيف المكدس إلى عدوى تأتي في طيات أي أرشيف جديد.
والأدهى والأمر، تتحدث التقارير عن تدخل أشخاص غرباء في تسيير مركز ومديرية الأرشيف الوطني “وأخطرها كان بعد إنشاء شبكة الإعلام الآلي عن طريق جزائري مقيم بكندا، حيث أنشأ هذا الأخير تلك الشبكة بشكل يسمح له بالولوج والدخول إلى معطيات الأرشيف الوطني ورئاسة الجمهورية والإطلاّع على مستنداتها حتى من موقع تواجده بكندا وتسمح له التقنية التي استعملها حتى بالإطلاع على ما نقوم به ونعمل عليه في أجهزتنا للإعلام الآلي"، وتضيف مصادرنا أنها في حيرة من أمرها لعدم تحرك أي إطار للإبلاغ عن هذا الأمر، الذي يبدو تجاوزا وخرقا صارخا للسيادة الوطنية.
رئاسة الجمهورية سبق وأن أوفدت فريقا للاستماع إلى بعض أصحاب هذه الوقائع، إلا أن النتيجة لا تزال لم تظهر، “وخلال هذه الفترة تقاعد بشكل مسبق عدد من خيرة إطارات مؤسسة الأرشيف، وقدم آخرون استقالتهم" على حد قول أحد محدثينا.
ولأن وضع الأرشيف الوطني كما هو عليه في الوثائق والصور التي بحوزتنا، كان لزاما علينا الاتصال بشكل مستعجل بالسيد المدير العام عبد المجيد شيخي منذ منتصف الأسبوع الفارط، لمعرفة موقفه من كل تلك الوقائع والصور، إلا أن كاتبته أكدت أنه غائب لعدة أيام، فاضطُررنا لنشرها، لأهميتها الإعلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.