السيد ربيقة يترأس اجتماعا تحضيريا لإحياء الذكرى ال65 للتفجيرات النووية الفرنسية في صحراء الجزائر    تندوف : أشغال إنجاز مصنع المعالجة الأولية لخام الحديد تشهد تقدما ملحوظا    باتنة: المناطق الرطبة تستقطب أزيد من 6800 طائر مهاجر    صحف أوروبية توثق انتهاكات الاحتلال المغربي لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية    سيدي بلعباس: تفعيل اتفاقيات الشراكة والتعاون بين جامعة جيلالي اليابس و المؤسسة الوطنية للصناعات الالكترونية    انطلاق سلسلة من اللقاءات لضبط التحضيرات للدخول المدرسي 2025-2026    علوش: الجزائر نجحت في الوفاء بالتزاماتها وطرح قضايا محورية على طاولة مجلس الأمن    الأونروا تؤكد استمرارها في تقديم خدماتها في كافة أنحاء قطاع غزة والضفة الغربية    وليد: قطاع التكوين المهني يعمل على توفير عروض تتلاءم بشكل أفضل مع احتياجات سوق العمل    وزير المجاهدين ينقل تعازي رئيس الجمهورية إلى عائلة المجاهد محفوظ اسماعيل    انطلاق التربص التكويني لفائدة اطارات وزارة العلاقات مع البرلمان    انطلاق عملية دفع تكلفة الحج لموسم 2025 عبر كافة ولايات الوطن    فلسطين: مستوطنون صهاينة يحرقون مسجدا شمال أريحا    عرقاب يستقبل وفدا من اتحاد مالكي ومستغلي محطات الخدمات والوقود    وهران : انطلاق تظاهرة الأبواب المفتوحة حول القوات البحرية    الجزائر العاصمة: افتتاح معرض " قم ترى" للفنانة التشكيلية سامية شلوفي    منظمة التحرير الفلسطينية ترحب بتشكيل "مجموعة لاهاي" لدعم فلسطين    البطولة المغاربية المدرسية للعدو الريفي: المنتخب الجزائري يحصل على 6 ميداليات منها ذهبيتين    بلمهدي يُحذّر من الأفكار المشوهة والمدمّرة    رسائل صمود وتحدّي    استئناف النزاع بالكونغو الديمقراطية يُقلق الجزائر    صادي: يجب أن نعمل بهدوء    غويري لاعباً لمارسيليا    بن ناصر يواجه بن موسى وزروقي    رسالة من تبّون إلى رئيس غينيا بيساو    ثلوج نادرة    الشرطة تُحسّس..    الغاز يقتل عشرات الجزائريين    شرفة يترأس اجتماعاً تقييمياً    نقل قرابة 6 مليون طن من البضائع في 2024    مؤسّسات ناشئة تقدم حلولاً مبتكرة    سايحي يلتقي نقابة الممارسين الأخصائيين    الإطاحة ب 3 شبكات إجرامية وضبط 100 ألف كبسولة مهلوسات    سايحي يلتقي أعضاء النقابة الوطنية للممارسين الأخصائيين    ممتنّون لجهود الجزائر والرئيس تبون في دعم القضية الفلسطينية    القفطان القسنطيني.. يعانق عبق التاريخ الجزائري العريق    أتطلع لبلوغ العالمية بنافورات تنبض بالحياة    إعادة تشجير غابة جامعة "محمد بوضياف" بوهران    رئيس كوبا يشيد بانجازات الدبلوماسية الجزائرية بقيادة الرئيس تبون    التعريف بالفرص الاستثمارية المتاحة في الجزائر    طاقة الأكوان والألوان    حبكة مشوقة بين الأب والابن والزوجة المنتظرة    12 مسرحية.. "من أجل فعل إبداعي مؤثر"    "العميد" لتعزيز الصدارة و"الترجي" للاستفاقة    بن رحمة "سعيد" بالإمضاء لنادي نيوم السعودي    ضبط مراحل جائزة ساقية سيدي يوسف    تمنراست : إبراز دور الزوايا الكنتية في المحافظة على الهوية الوطنية وحسن الجوار    الجمعية العامة العادية للفاف: المصادقة بالإجماع على الحصيلتين الادبية والمالية لسنة 2024    هذه صفات عباد الرحمن..    هذا موعد ترقّب هلال رمضان    وزير الصحة يُطمئن الأطبّاء    تسريع إصدار قوانين وسائط الدفع الإلكتروني    840 ألف دينار تكلفة الحج لهذا العام    معسكر: الشهيد شريط علي شريف… نموذج في الصمود والتحدي والوفاء للوطن    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    فتح باب الترشح لجائزة أشبال الثقافة    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجارية في الخطاب الصوفي
نشر في الجزائر نيوز يوم 18 - 03 - 2013

من أجل صياغة هوية شاملة ودينامية، علينا أن نعيد اكتشاف كل شيء ساهم في صنع الحضارة الإسلامية: تاريخنا كله بمكوناته التاريخية والأسطورية، بحقائقه وأكاذيبه، وفي مرتفعاته ومنحدراته. ومن الأهمية بما كان دراسة المقموع، فمن خلاله نعالج الجزء اللاواعي من تراثنا والذي تتولد عنه وتتشكل من خلاله مخاوفنا الراهنة. إنها عبارة وردت في كتاب فاطمة المرنيسي المعنون ب “الديمقراطية والإسلام"، تقف من خلالها الباحثة المدافعة عن حقوق المرأة وحريتها موقفا تحليليا يتسم بالطابع السوسيوتاريخي ينبهنا إلى ضرورة العودة إلى كل ما أقصاه العقل العربي وضرورة دراسته من أجل خلاص تأزم هذا العقل العربي الإسلامي. ومن هنا، حينما يتعلق الأمر بالمرأة وبالتصوف فيتعدى الأمر كونه تجربة وجودية إلى صراع مرير خاضه كل طرف على حدا عانى فيه الكثير، فالمرأة عانت من الإقصاء لتختزل في الكائن الناقص الذي يجسد النفس الشهوانية والذات العورة التي يجب أن تحتجب وتختفي، ويستنهض دعاة القوامة للحكم على المرأة بالقصور مستمدين وقعهم الأخلاقي من قراءاتهم للآيات القرآنية والأحاديث والتي كانت بحق استبطان للسلطة الأبوية وتحويلها إلى أمر أخلاقي. أما التصوف كتجربة وجدانية تقوم على الصفاء الروحي والكمال الأخلاقي نالت حظها من الإقصاء واختزلت في (مجانين الله) و(دراويش الطرق) للتحول بذلك هذه التجربة الباطنية التي تستمد معرفتها من الذوق، والكشف والإلهام والقائمة على التوبة، الزهد والورع إلى زندقة ومروق عن الدين، فتعرض المتصوفة للقمع والقهر وصنفوا في خانة المغضوب عليهم في تراثنا فتحولوا إلى المسكوت عنهم و«المحظور عليهم"، ولولا مشروع ما بعد الحداثة الذي يدعوا إلى البحث في التجارب الروحية كعملية أساسية لبناء الفرد واستقلاليته عن الوساطات المؤسساتية في مسار بحثه عن المعنى الحقيقي للعبادة لما عاد التصوف لمجال الدراسات الإنسانية مع علم اجتماع الأديان ومع دانيال فيوليجه وآنا ماري شيمل وترولتتش وقبلهم بول نويا نيكلسون وماسنيون... حينما أخذ هؤلاء المستشرقين على عاتقهم تحليل الخطاب اللغوي الصوفي وأخضعوه لفك رموزه وصوره وتحليل بنيته لهذا فالرمز اللغوي الموضوع في سياق سوسيوتاريخي محدد يساعدنا على فهم التجربة من داخلها فتعبر عن خطابها عوض أن يتسلط عليها خطاب ما والرمز اللغوي الذي سنقف عنده والذي تكرر كثيرا في المتون الصوفية هو “الجارية". فما موقع المرأة في الخطاب الصوفي من خلال هذه الشخصية النسوية التي وردت في نصوص المتصوفة فكانت لا تنطق إلا حكما وشعرا.
يشد انتباه القارىء لمتون الصوفية وجود شخصية نسائية تعمل باستمرار على إيقاظ العارفين من غفلتهم وتلقنهم درسا في الحب والوجد وآخر في حقيقة العبودية وفي الصدق والإخلاص وفي الصبر والتوكل. وتدعونا هذه المرأة لأن نقف عند كينونتها وحقيقة وجودها، إنها الجارية التي ورد ذكرها في التراث الصوفي وارتبطت قصصها بأشهر المتصوفة والعارفين، تتكرر قصة هذه الجارية في أسلوب شعري وجداني في الرسالة القشيرية وفي طبقات الأولياء للشعراني وفي اللمع وفي شدرات الذهب ما يجعلنا نتساءل عن حقيقة هذه الجارية:
هل هي جارية مملوكة حقا؟ هل هي امرأة مسلوبة الإرادة؟ هل هي امرأة عابرة؟
ولأن المتصوف يعتبر أي شخصية رجالية هي عبد من عبيد الله، وإن كانت امرأة فهي أمة أو جارية أم أنه ربما جرت عادة العرب أن تلقب كل امرأة في الطريق بالجارية وهو ما يرادف السارية أو السائرة في الطريق، الأهم من هذا وذاك أن هذه المرأة الظاهرة موجودة في الخطاب الصوفي، ووجودها يقترن بمقامات وأحوال الصوفية، وأنها كانت عمقا أصيلا في هذه التجربة الروحانية وسأذكر هنا قصة من باب التمثيل فقط، حدثت للإمام السالك الجنيد عند الكعبة ذكرها الإمام بنفسه، إذ قال حججت سنة من السنين وجاورت بمكة شرفها الله، فكنت إذا جن الليل دخلت الطواف فبينما أنا أطوف إذا بجارية تطوف بالبيت وهي تقول: أبى الحب أن يجفا وكم ما كتمته فأصبح عندي قد أناخ وطنبا إذا اشتد شوقي هام قلبي بذكره وان رمت قربا من حبيبي تقربا ويمنحني وصلا فأحيا به له ويسكرني حتى ألذ وأطربا- قال الجنيد: فقلت لها: يا جارية أما تتقين الله، تتكلمين بمثل هذا الكلام في مثل هذا المقام؟ فالتفتت إلي وقالت: يا جنيد، لا تدخل بينه وبين محبيه. ثم أنشدت: لولا التوقي لم ترني هجرت طيبا الوسن إن الهوى شردني كما ترى عن وطني قد همت من حبي له فحبه هيمني ثم قالت يا جنيد أنت تطوف بالبيت، فهل ترى رب البيت؟ فقلت: هذه دعوى تحتاج إلى إقامة حجة فرفعت رأسها إلى السماء وقالت سبحانك، سبحانك ما أعظم شانك وأعز سلطانك! خلق كالأحجار يطوفون بالإنكار على أهل الأسرار ثم أنشدت: يطوفون بالبيت العتيق تقربا إليك وهم أقسى قلوبا من الصخر فلو يخلصون السر جادت صفاتهم وقامت صفات الحق منهم على الذكر، قال الجنيد: فأغمي علي من كلامها. ولما أفقت طلبتها فلم أجدها. إذن هي الجارية حاضرة في الخطاب الصوفي أحكم وأتقى وأبلغ وأوجدّ (صفة مبالغة للوجد) من أئمة الصوفية، صادفها الجنيد السالك، وصادفها البسطامي والسنائي والتستري والسري السقطي وكلهم عبروا عن صدق وإخلاص عبادتها وبلاغتها العرفانية والتي تجلت في أجمل قصائد الوجد والعشق والتوكل والصبر، فكانت تجلي من تجليات حضارة الكلمة على حد تعبير، حسن حنفي، في هذه الشخصية المتعبدة المخلصة لله في حبها ووجدها وتقواها وورعها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.