ونحن نتابع أطوار النهائي الواعد في منافسة رابطة الأبطال الأوروبية بين الناديين الألمانيين بايرن ميونيخ وبوروسيا دورتموند، استوقفتنا عدة مشاهد وصور وسلوكات، صنعها القائمون على هذا الموعد الأوروبي وجسدها اللاعبون والطاقم الفني فوق الميدان وأحسن التصرف معها الجمهور الغفير الذي تابع المواجهة من مدرجات ملعب وامبلي العتيق والجميل في الوقت نفسه. كل شيء كان حاضرا في النهائي، حيث تابعت جماهير المعمورة حوارا كرويا من النوع الرفيع سادته روح رياضية عالية بحضور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي أبت إلا أن تكون متواجدة بملعب وامبلي رفقة رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ميشال بلاتيني. وإذا كان المستوى الفني للقاء قد كان متوقعا بالنظر إلى قيمة المنافسين وتاريخهما العريق على المستويين المحلي والأوروبي وحتى العالمي، فإن ما شد الأنظار أكثر هو تعامل كل فريق مع الحدث، حيث عمل كل واحد على إبراز مهاراته فوق الميدان وامتاع الحضور واللعب من أجل التتويج، ولما كانت لعبة كرة القدم تنتهي دائما بفائز وخاسر، فقد نال بايرن ميونيخ التاج الأوروبي عن جدارة واستحقاق وخرج بوروسيا دورتموند بشرف بعد أن أدى مقابلة كبيرة جدا وكان قاب قوسين أو أدنى من خطف الكأس الأوروبية. وبغض النظر عن مجريات الحوار الألماني الخالص، فإن نهاية المقابلة جرت على نفس وتيرة بدايتها، حيث لم يتردد الفريق المنهزم في تهنئة الفائز ولم يقصر هذا الأخير في الاعتراف بقوة خصمه الذي خطف منه اللقب الأوروبي. وعلى غير العادة على منوال ما يحدث في ملاعبها ستبقى صورة جماهير بوروسيا دورتموند عالقة في الأذهان لما بدر منها من روح رياضية عالية ومساندة مطلقة لفريقها رغم الهزيمة، ولم يتجاوز تأثرها مثل لاعبيها حدود ذرف الدموع حسرة على ضياع التاج الأوروبي مفضلة عدم مغادرة مدرجات الملعب، حيث تابعت كل أطوار الحفل الختامي بدءا بالفرجة التي صنعها الفريق كفائز ومرورا بالحسرة واليأس الذي بدا على وجوه لاعبي بوروسيا دورتموند، انتهاء بتوزيع الميداليات وتسليم الكأس، كل هذا حدث وسط أجواء رائعة صنعها الأنصار في المدرجات وتفاعل معها اللاعبون فوق أرضية الميدان أمام الكاميرات التلفزيونية العالمية نقلت كل صغيرة وكبيرة عن هذا الحدث الأوروبي. على غرار بقية جماهير العالم حظي نهائي رابطة الأبطال الأوروبية بمتابعة كبيرة من طرف الجمهور الكروي الجزائري وبالتأكيد فقد استمتع هو كذلك بالمشاهد واللقطات التي صورتها تلفزيونات العالم وحاول عبثا ربط ذلك بما حدث خلال نهائي كأس الجمهورية الذي جرى يوم الفاتح ماي الحالي. والأكيد أنه وقف على الفرق الشاسع الذي يوجد بين ما عرفه نهائي 5 جويلية ونهائي ملعب وامبلي العتيق. وإذا كان الفارق في المستوى الفني للموعدين لا يحتاج إلى تبيان وتأكيد بالنظر إلى التفاوت الكبير من حيث قيمة لاعبي بطولتنا وما تزخر به الكرة الألمانية فإن المفارقات التي أفرزتها معطيات وظروف كل موعد تكمن أساسا في تعامل الفاعلين في هذين النهائيين، إذ في الوقت الذي انتهى عليه نهائي 5 جويلية بفضيحة من العيار الثقيل، جاء نهائي وامبلي مخالفا تماما للأحداث المخزية وغير المسؤولة التي تسبب فيها مسؤولو المولودية وثمنها الطاقم الفني ونفذها اللاعبون أمام مرأى العالم، جاءت أطوار حفل نهائي رابطة الأبطال الأوروبية معاكسا تماما للبهدلة التي عاشها ملعب 5 جويلية; حيث أبدى كل الفاعلين الذين عاشوا الحدث نوعا مميزا من التحضر في التعامل مع الحدث الكروي ولم نلحظ أي تجاوزا سواء من النادي المنهزم وجماهيره أو الفائز على حد بقي المشاهد الجزائري مندهشا من التحضر الكروي والأخلاقي الذي أبداه الجميع في ملعب وامبلي، فشتان بين الثرى والثريا.