يقبل جزائريون، منذ سنوات، بقوة على تعلم اللغة الصينية. ولئن كان ذلك حقيقة لمسناها فعلا بالمدراس الخاصة للغات الأجنبية التي تجولنا بين أروقتها في العاصمة، فإن الأسباب تختلف بين تلك التي تحمل طابعا مهنيا يتعلق بالتعامل مع الشركات الصينية في الجزائر، وأخرى ذاتية من ناحية استعمالها خلال الأسفار أوتعلمها انطلاقا من "الموضة" والرغبة في التعلم لدى بعض الشبان. يحدث ذلك رغم الكلفة العالية نوعا ما لتعلم اللغة الصينية التي تصل إلى آلاف الدينارات للمستوى الواحد، وأيضا رغم صعوبة اللغة الصينية التي تضم خمسمائة حرف ويشكل كتابة حرف واحد منها رسما قائما بحد ذاته، وفق ما يؤكده لنا مدراء ومسؤولو مدارس خاصة في مجال اللغات الأجنبية. يعبّر مدراق اسماعيل، المدير البيداغوجي لمدرسة "هاي سكول" الخاصة في مجال تعليم اللغات الأجنبية بالعاصمة، بطريقته الخاصة عن مدى إقبال الجزائريين على تعلم اللغة الصينية خلال السنوات الأخيرة عندما يقول إن الأمر لا يعتبر" إقبالا" بقدر ما يعتبر "هبال " في إشارة منه مفعمة بالطرافة، إلى مدى الرغبة التي تحدو الكثيرين في تعلم اللغة الصينية، وهي الرغبة المعبر عنها بطلبات يومية وفق ذات المتحدث دائما. ويشير المدير البيداغوجي بهذه المدرسة الخاصة، الواقع مقرها قريبا من ساحة الوئام المدني بالعاصمة، إلى أن هذه الأخيرة تضم خمسة أفواج من متعلمي اللغة الصينية، حيث "اضطررنا إلى توظيف معلمة أخرى صينية الأصل والجنسية من أجل تعليم بعض الأفواج، على اعتبار أنه توجد هناك معلمة جزائرية تقوم بتعليم فوجين اثنين فقط". بدأ تعليم اللغة الصينية بهذه المدرسة الخاصة منذ حوالي أربع سنوات، والبداية كانت مع مدرس صيني توفي الآن كان يدعى السيد "تونغ"، والذي قدم إلى الجزائر في بداية الألفية مع موجة الشركات الصينية الأولى القادمة إلى الجزائر، حيث كان يعمل كمترجم للشركات الصينية العاملة في الجزائر، فضلا عن كونه كان أستاذا في بلده الصين. أما عن الانطلاقة الحقيقية لتعليم هذه اللغة في الجزائر فإن ذات المتحدث، الحاصل على ليسانس في الترجمة في بداية السبعينيات، فيقول إنها بدأت مع إعلان بسيط نشرته المدرسة لتعليم اللغة الصينية، وما فتئ أن جاء مدير إحدى الشركات الصينية، وهو صيني وفق ذات المتحدث، وطلب العمل مع كل الذين يتعلمون الصينية في المدرسة، و«هنا تحمست للفكرة وانطلق فعليا تدريس هذه الغة على مستوى المدرسة بالنظر إلى جاذبيتها ومردودها العملي في الميدان". ويقدم مدراق اسماعيل، الحاصل أيضا على ماجستير في اللسانيات التطبيقية من إحدى الجامعات في لندن، مجموعة من الأسباب التي تجعل الجزائريين يقبلون على دراسة اللغة الصينية، وأولها، كما يقول، يتمثل في الرغبة في الحصول على فرص عمل داخل الشركات الصينية العاملة في الجزائر، فضلا عن عامل آخر يتعلق برغبة المستوردين الجزائريين الذين يتعاملون مع المنتوجات الصينية، في تعلم اللغة من أجل التحكم أكثر في مجال نشاطهم. وحسب ذات المتحدث، فإن هناك عاملا ثالثا في هذا الإطار يتعلق بالفضول وبتعلم اللغة الصينية من أجل التحدث بها خلال الأسفار إلى الصين عموما. أما بخصوص سؤال "الجزائر نيوز" حول إن كانت رغبة الجزائريين في العمل مع الصينيين هي من أجل أجور مرتفعة ؟ فإن ذات المتحدث يشير إلى أنه لا يستطيع تأكيد ذلك، مضيفا:«ما أستطيع تأكيده هو أن سوق العمل مع الصينيين كبيرة فعلا، ولديهم مشاريع ضخمة هنا في الجزائر على غرار المسجد الأعظم". ووفق المعطيات التي قدمها لنا ذات المصدر، توجد عدة لغات في الصين حسب الجهات في هذا البلد، حيث توجد اللغة الصينية الخاصة بالجنوب وأخرى بالشمال وهكذا دواليك.. غير أن ذات المتحدث يشير إلى كون الصينيين لديهم لغة وطنية موحدة ويتعامل بها الجميع تدعى "مندرين"، إذ تعتبر " اللغة الصينية صعبة وأنا شخصيا لم أستطع الصمود سوى لحصة واحدة من أجل تعلمها، فضلا عن كوني أتكلم الإنجليزية بطلاقة ولا أحتاج إلى لغة أخرى من أجل التواصل في العالم أجمع"، كما يقول. وينظر ذات المتحدث إلى اللغة الصينية كلغة صعبة من حيث "صعوبة النطق بها"، مضيفا أن كتابتها يمكن أن تكون من خلال شكل أوروبي فضلا عن شكلها الصيني "المعقد جدا وإلى درجة أن الحرف الواحد عبارة عن رسم قائم بذاته، وفق التعبير الذي يستعمله ذات المصدر. ويقول ذات المصدر إن قدرة الصينيين في السيطرة على هذه اللغة "الصعبة" نابعة من كونهم نشأوا معها، وذلك على اعتبار أن "أية لغة يكبر الإنسان معها تصبح سهلة بالنسبة له"، معطيا مثالا عن ذلك بأبناء الأمريكيين العاملين في أندونيسيا الذين يتحكمون في اللغة الأندونيسية لكونهم نشأوا معها، فضلا عن كون هذه اللغة سهلة ومفعمة بالكلمات العربية"، في إشارة منه إلى اللغة الأندونيسية دائما. ويبدو أن تعلم اللغة الصينية في الجزائر هو مسألة مثمرة فعلا، بدليل أن مدراق اسماعيل يؤكد أن كل الذين مروا عبر مقاعد تعلم اللغة الصينية في المدرسة الخاصة المشار إليها هم يعملون حاليا مع الصينيين، كما أن "منهم من ذهب إلى الصين من أجل إتمام دراسته". كما يشير المتحدث إلى أن المدرسة المشار إليها تمنح شهادات تحكم في اللغة الصينية بعد دراستها، حيث توجد ثلاثة مستويات، كل مستوى منها يضم 96 ساعة دراسة، وفي كل مستوى ثلاثة مستويات تحتية يضم كل منها 32 ساعة دراسة. ويعتبر ذات المتحدث أن هذا الكم من حصص اللغة الصينية يعتبر كافيا وأن الذين درسوا اللغة الصينية لحد الآن بالمدرسة "يتدبرون أمورهم جيدا" من هذه الناحية، لاسيما أن "فضاءات النطق واسعة جدا لدى الجزائريين بحكم نشوئهم مع اللغة العربية فضلا عن قربنا من أوروبا، وهو أمر يجعل الجزائريين أغنياء لغويا"، وفق ذات المصدر اللذي يضيف أن أستاذة لغة صينية كانت تدرس بالمدرسة في وقت سابق أبدت اعترافها بهذه الحقائق، مبدية إعجابها بقدرة الجزائريين من هذه الناحية. كما أبدى ذات المتحدث تفاؤله بواقع ومستقبل تدريس اللغة الصينية في الجزائر، من ناحية وجود تشريعات تشير إلى ضرورة أن يكون 25 بالمائة من الأيدي العاملة الموجودة في المشاريع التي يجسدها الصينيون في الجزائر.. أيد عاملة جزائرية، وهو ما يجعل الإقبال على تعلم اللغة الصينية عندنا كبيرا، وفق ذات المصدر الذي يشير أيضا إلى كون بعض ممن درس اللغة الصينية بالمدارس الخاصة المشار إليها أصبح أيضا مترجما لدى الصينيين. خارج نطاق الأهداف المرتبطة بالربح وتحقيق غايات عملية في الميدان هناك أيضا، ببعض المدارس الخاصة، أهدافا تتعق بأهمية "تشجيع التفتح على العالم الآسيوي باعتباره يمثل المستقبل، فضلا عن كون الصين أصبحت تمثل قوة كبرى"، وهي الرؤية التي تعبر عنها جدير زبيدة، مديرة مدرسة "زهوة إنتليجانسيا" لتعليم اللغات الأجنبية، ومن بينها اللغة الصينية. ومن وجهة نظر لغوية فإن ذات المتحدثة تشير بقولها:«نحن نريد أن يكون هناك اتصال مباشر مع الصينيين من وجهة نظر لغوية"، مشيرة إلى كون أحد أسباب وأهداف إقبال الجزائريين على تعلم اللغة االصينية هو ذو طابع مهني يتمثل في "تواجد شركات صينية كثيرة في الجزائر، لاسيما في مجال البناء"، حيث أشارت إلى توقعها ارتفاع تواجد الصينيين في الجزائر مستقبلا في بلادنا، وذلك في ميدان التبادل التكنولوجي ونقل الخبرة. ووفق ذات المتحدثة، فإن هناك أيضا "التجار الجزائريون، الشرعيون منهم وغير الشرعيين، الذين يقصدون السوق الصينية بكثرة رغم ما يقال حول جودة المنتوجات الصينية"، وهي المنتوجات التي ترى جدير زبيدة أنها أصبحت في متناول الجميع . وتستطرد ذات المتحدثة في عرض الاعتبارات التي تجعل من تعلم اللغة الصينية في الجزائر أمرا حيويا، بإشارتها إلى "ضرورة معرفة الثقافة الصينية، وهناك جزائريون في الخمسينيات من العمر لايعرفون لحد الآن هذه الثقافة، وهو أمر ينعكس أيضا في نفس الاتجاه على الأجيال المستقبلية، حيث نقوم فقط باستغلال الفرص الدولية مثل المعارض من أجل معرفة الصين وثقافتها". وتشير ذات المتحدثة أيضا إلى كون كتابة الخط الصيني تعتبر فنا في حد ذاتها، ومن المهم " معرفة هذا الخط وتعلمه ومن المهم أيضا تبديد سطوة اللغة الإنجليزية كواسطة قوية مع اللغات الأخرى، فضلا عن كون تعلم الجزائريين اللغة الصينية سيسمح للصينيين أنفسهم بالاطلاع على لغتنا وثقافتنا، حيث سيكون ذلك سهلا عليهم". ووفق ذات المتحدثة فإن طلبات تعلم اللغة الصينية موجودة يوميا بالمدرسة التي تديرها، مشيرة أيضا بقولها "نحن ندرسها بطريقة متصاعدة من مستوى إلى آخر وهناك ثلاثة مستويات بمعدل 30 ساعة دراسة في المستوى الواحد، مع العلم أن هذه المستويات تسمح فقط بالحصول على قاعدة لتعلم اللغة الصينية التي تضم 500 جرفا، والانطلاق فيها يتطلب على الأقل التحكم في 300 حرف، حيث لابد على المتعلم أن يبذل جهدا فرديا أيضا". ومع إشارتها إلى أن الهدف على مستوى المدرسة يبقى "تمكين المتعلم من الحصول على قاعدة جيدة للانطلاق في فضاءات اللغة الصينية"، حيث يتم الاعتماد كثيرا أيضا على "الحفظ البصري للحروف" كطريقة ناجحة للتعلم . وترى ذات المتحدثة أنه من المهم أيضا تطوير الترجمة بين الللغتين العربية والصينية، حيث يبقى هناك هدف مهم يتمثل في "إرساء تبادل فكري بين الطرفين"، مشيرة إلى أن "بعض الناس مستعدون لدفع مبالغ مالية مهمة من أجل تعلم اللغة الصينية التي يتطلب تعلمها ضمن مستوى واحد مبلغا ماليا يصل إلى 5 آلاف دج". ومثلما أكده اسماعيل مدراق المدير البيداغوجي لمدرسة "هاي سكول"، حول أسباب إقبال الجزائريين على تعلم اللغة الصينية، فإن جدير زبيدة، مديرة مدرسة "زهوة إنتليجانسيا"، تشير أيضا إلى أن هناك سببا ذي طابع مهني وراء إقبال حوالي 50 بالمائة من المتعلمين على اللغة الصينية، وهؤلاء في الأساس "يعملون مع الصينيين ولديهم مشاكل في التواصل معهم عندما تكون الإنجليزية واسطة لغوية منعدمة لدى أحد الطرفين أوكليهما"، لاسيما - كما تقول - أن "الجزائريين يحسنون اللغة الفرنسية التي لا يحسنها الصينيون بتاتا". غير أن ذلك لا يعتبر السبب الوحيد في سياق إقبال الجزائريين على تعلم اللغة الصينية، وفق ذات المتحدثة، التي ترى أيضا أن هناك سببا آخر يشمل 50 بالمائة الأخرى منهم، ويرتبط بالرغبة الخالصة من حيث كون "اللغة الصينية أصبحت عندهم بمثابة توجه وموضة، لاسيما أن الجزائريين يحبون التميز في كل شيء". من جانب آخر أكد ذات المتحدث أنه يتم حاليا بالمدرسة تشكيل فوج من أجل تعلم اللغة الكورية التي سيتم "تدريسها قريبا"، حيث سوف تسهر على تدريس هذه اللغة الآسيوية أستاذة جزائرية، سبق لها دراسة هذه اللغة في كوريا منذ سنوات، حيث تملك شهادة معترف بها في هذا الإطار. وأشارت ذات المتحدثة إلى وجود إقبال على تعلم اللغة الكورية أيضا، إضافة إلى الإقبال الكبير الموجود على صعيد تعلم اللغة الصينية، مضيفة بقولها:«ما دفعنا من حيث الأسباب إلى طرح تعليم اللغة الكورية هونفسه تقريبا بخصوص اللغة الصينية، من حيث موضة اللغات الآسيوية فضلا عن كونها سهلة على اعتبار أنها تضم 30 حرفا فقط". ويكمن هناك سبب مهني وراء برمجة تعلم اللغة الكورية، وفق ذات المتحدثة التي تشير أنه يرتبط بوجود مشروع ضخم مع الكوريين يتعلق بتطهير وادي الحراش، وهو "أمر سوف يوفر فرص عمل كثيرة للجزائريين، ما سيفضي إلى طلب من جانبهم في اتجاه تعلم هذه اللغة، وكل ذلك يمكن إضافته إلى عامل آخر متعلق بوجود تجار ومستوردين يتعاملون مع سوق كوريا الجنوبية"، وفق جدير زبيدة أيضا. وأشارت مديرة هذه المدرسة الخاصة العاملة في مجال تعليم اللغات الأجنبية، إلى أنه ينتظر اعتماد 8 مستويات كاملة من أجل تعلم اللغة الكورية بواقع 30 ساعة دراسة لكل مستوى، مشيرة إلى أن كلفة المستوى الواحد في مجال اللغات الآسيوية يبقى هو نفسه بواقع 5 آلاف دج للمستوى الواحد.