لم يخطر على بالي ولا لحظة واحدة أن ينهي المفكر والمناضل العفيف الأخضر حياته منتحرا، لأنني أنتمي إلى جيل شكّل العفيف الأخضر وفكر العفيف ونضال العفيف الأخضر دليلا نظريا وأسلوب عمل. العفيف الأخضر الذي جاء إلى الجزائر لاجئا من تونس في بداية الاستقلال، جاء إلى الجزائر حاملا معه كل التراث التروتسكي وحالما بتجسيده على أرض الجزائر، وما لبث حتى أصبح مقربا وصديقا ومستشارا للرئيس الراحل أحمد بن بلة الذي كان متأثرا بالتجربة الكوبية والتجربة الماوية. لكن بن بلة لم يشأ أن يكون نسخة مصغرة ومستنسخة لهذه التجربة أو تلك، بل أراد أن تكون الجزائر تجربة في حد ذاتها ونموذجا يحتذى به في العالم الثالث، فخاض تجربة التسيير الذاتي بعدما شكل لها "قيادة أركان فكرية" كان العفيف الأخضر أحد قادة الأركان، وكان يرأس القيادة قائد الأممية الرابعة "ميشال بابلو". هذه التجربة، أي تجربة التسيير الذاتي، ظل ينتقدها الرئيس هواري بومدين بمناسبة وبدون مناسبة، متهما بن بلة الذي أراد أن يجعل من الجزائر حقل تجارب ومعه مجموعة من المغامرين وكان يخص بالذكر ميشال بابلو الذي، كما قال، في لقاء مع صديقه لطفي الخولي، الذي أراد أن يجعل منه بومدين هيكل الجزائر، كان يقول عن ميشال بابلو "يظل يخبط فوق كونتوار فندق لاليتي" هكذا اختزل بومدين تجربة التسيير الذاتي إلى مجرد "خبطة". بعد الانقلاب العسكري الذي قام به العقيد الهواري بومدين، خرج العفيف الأخضر من الجزائر وهام على وجهه متنقلا بين باريس وبيروت، بعدما استقر فترة في ألمانيا الديمقراطية من أجل إجادة اللغة الألمانية، ثم انخرط في المقاومة الفلسطينية ولم يطل به المقام وانشق وبدأ في توجيه سهام النقد لتجربة المقاومة على صفحات مجلة الحرية المقربة من الجبهة الديمقراطية. بعدها استقر في باريس كاتبا ومترجما، وبعد خروج الرئيس أحمد بن بلة من المعتقل، التقى صديقه القديم في باريس الذي وجده في ضائقة مالية شديدة، فتكفل به الرئيس الراحل ماديا. أعلم أن أصحاب النوايا "الطيبة" وما أكثرهم في بلاد الجزائر حين تعدهم، قد يسألون وبمنتهى الطيبة والنية الخالصة من أين ل "بن بلة" المال حتى يتسنى مساعدة صديقه؟ روى لي صديق كان مقربا جدا من بن بلة الذي كان يكنّ له الكثير من التقدير والاحترام ويعدّه ابنا له، حيث قال لي هذا الصديق "أنه عشية وصول بن بلة إلى باريس بعد إطلاق سراحه، سمع أحد اللبنانيين بخبر وصول بن بلة، فسارع إلى جمع بعض المال له، وفي تلك الأمسية وخلال ساعات، جمع له 300 مليون فرنك، كما أن بن بلة تكفل به كل العرب دون استثناء من الخليج إلى المحيط من مشايخ الخليج إلى صدام حسين ومعمر القذافي لأنهم كانوا يرون فيه أحد أبطال الأمة العربية". ونحن نودع العفيف الأخضر الذي رحل عنا بطريقة تراجيدية، ونحن نودع هذا المفكر والمناضل، عز ّ على الكثيرين أن يروا هذا المفكر وهو في آخر حياته يدافع حد الاستماتة عن نظام زين العابدين بن علي.