بعيدا عن مظاهر فرحة عيد الفطر التي شهدتها مختلف المدن الجزائرية، وكذا صور التضامن والأخوة والتسامح التي تلت صلاة العيد يوم الخميس الماضي، بدت الحياة في العاصمة شبه راكدة بعد أن أحجم التجار، خاصة محلات المواد الغذائية والمخابز، عن التقيد بالتعليمات التي أعطيت لهم لضمان المداومة في يومي العيد، حيث وجد المواطنون صعوبات كبيرة لاقتناء ما يحتاجونه، خاصة مادة الخبز. ولكن سلوكات التجار هذه لا تعد جديدة باعتبارها تكررت خلال كل الأعياد الماضية. وما تمكن الإشارة إليه هو فشل كل الحملات التحسيسية المرفوقة بالقوانين التي تلزم التجار بإبقاء محلاتهم مفتوحة يومي العيد، حيث لم يلمس المواطن أي مؤشرات إيجابية بل واجه صعوبات جمة واضطر لقطع مسافات طويلة من أجل قضاء حاجياته، وتطلب منه الأمر الإنتظار لساعات في الطوابير أمام المخابز القليلة التي تقيدت بالمداومة.. وهي ظاهرة عكست إلى حد كبير أن كل التصريحات والتطمينات التي قدمت من طرف الجهات الوصية، ممثلة خاصة في وزارة التجارة، ومن ورائها الإتحاد العام للتجارة والحرفيين الجزائريين وكذا الإتحادية الوطنية للخبازين، بقيت حبرا على ورق ومجرد كلام للإستهلاك ليس إلا، فعندما يصرح يوسف قلفاط قبل عيد الفطر أن هناك حوالي 11 ألف مخبزة تضمن المداومة وأنها ستوفر 23 مليون خبزة خلال اليوم الأول و16 مليون خبزة خلال اليوم الثاني، لنا أن نتساءل عن حقيقة ما حدث، وإن كانت هذه الأرقام قد تجسدت بالفعل على أرض الواقع. كما يبقى القانون المعدل لشروط ممارسة الأنشطة التجارية الذي يلزم التجارة بضمان تموين المواطنين بالمواد واسعة الإستهلاك في الأعياد الرسمية، والذي أقره البرلمان، دون صدى وتطبيق على أرض الواقع، بل إن المواطن وجد نفسه مرة أخرى رهين ممارسات أقل ما يقال عنها أنها أنهكته وحولت فرحة العيد إلى رحلة اللهث وراء ما يحتاجه. وعندما يتعلق الأمر بالخبز الذي يبقى مادة أساسية في غذاء الجزائري، فإن هذا يطرح الكثير من علامات الإستفهام حول تلاعب المعنيين بتطبيق القانون والسهر عليه، خاصة ما تعلق بفرق المراقبة التي تقع عليها مهمة التحقيق في مدى استجابة التجار المعنيين بالمداومة لتطبيق القرارات من عدمها. وبالعودة إلى مظاهرة الندرة وعدم توفر المواد الغدائية في أولى أيام العيد، تجدر بنا الإشارة إلى أن معظم المحلات المكلفة بالمداومة بقيت مغلقة، حيث عرفت أحياء وبلديات العاصمة ركودا كبيرا من حيث الخدمات التجارية وبقيت المحلات موصدة في وجه المواطن، خاصة المخابز، ما أدى إلى تكوين طوابير طويلة أمام العدد القليل من المخابز التي ضمنت فعلا المداومة، وهو ما أثار حفيظة المواطنين الذي اضطر بعضهم إلى قضاء العيد بدون خبز. وإذا استثنينا بعض المحلات المختصة في بيع الألعاب، وحتى بعض المخابز التي تحولت خلال اليوم الأول من العيد إلى بيع مختلف أنواع الحلويات بدل الخبز، فإن السواد الأعظم من الحركة التجارية المتصلة أساسا بغذاء المواطن بقيت راكدة. أما من "حالفه الحظ" واقتنى خبزا فإن ذلك لم يتم دون أن يجوب كل الأحياء والبلديات في رحلة ماراطونية استغرقت الكثير من الوقت، وهو ما جعل أحد المواطنين يعلق على الظاهرة بأنها باتت عادية ومنتظرة كلما حلت الأعياد الدينية.. إذا سلمنا بالقول إن معاناة المواطنين قد بدت واضحة وحقيقية بحثا عن الخبز والمواد الغذائية، وأن عملية التموين لم تسر في خط مواز مع ما وعدت به الجهات المكلفة بضمان مداومة التجار لنشاطهم خلال العيد، فإن تصريحات المدير العام للرقابة الإقتصادية وقمع الغش بوزارة التجارة، عبد الحميد بوكحلون، جاءت متناقضة مع معطيات الواقع، بعد أن أكد أن نسبة الإستجابة لبرنامج المداومة للتجار في أول أيام العيد قد فاقت 93٪ وأن أعوان المراقبة في 48 ولاية، من خلال خرجاتهم الميدانية، وقفوا على حقيقة أن التجار المعنيين قد طبقوا ما هو مسطر في مخطط المداومة لكل ولاية!. كما أشار بيان الوزارة إلى أن مصالحها هددت بالغلق لمدة شهر على الأقل للمخالفين لبرنامج المداومة يومي العيد، والسؤال الذي يبقى مطروحا هل سيتعرض فعلا التجار الذين لم يضمنوا المداومة لهذه العقوبات..؟!