وفي 1984 شغل منصب أمين عام للحكومة... ثم كان أحد العقول المهندسة لزمرة الإصلاحات التي يقول غازي حيدوسي عن ظروف نشأتها "في البداية، سنة 1986، يتعلق الأمر بحلقة ضعيفة جدا، مكونة من محمد صالح بلكحلة، وغازي حيدوسي، وكلانا من قدامى وزارة التخطيط، ومن مولود حمروش، عبد العزيز قريشي، محمد الصالح محمدي من أمانة الحكومة العامة، وفوزي بن مالك، مدير الخزينة العامة، ومحمد غريب.. إن المصطلح نفسه ظهر عندما تكونت مجموعة رسمية عام 1987، فيما كان البعض يبدلون مراكزهم والحال سيجري توسيع المجموعات حسب عدة معايير استنسابية، مع تشكيل الحكومة ظهر في الصحافة وراج مصطلح إصلاحيين، عندما صار البعض وزارء، والبعض الآخر مسؤولين عن مراكز استراتيجية في أجهزة الدولة، كما أن المصطلح سيدل، آخر المطاف، على كل الذين سيؤيدون حمروش مع ذلك في البداية وتالياً، المقصود أساسا أفراد متنوعون سياسيا صهرتهم مقاربة تكوينية وتنظيمية جديدة للمجتمع".. أما مولود حمروش فيعرف الإصلاحات التي كانت وراءها زمرته وحكومة تحت مظلة الشاذلي بن جديد، قائلا: "إذا أردنا أن نعطي لكلمة "إصلاحات" مفهوما فهو يعين حرية الاختيار للشعب، الإصلاح يستوجب عدم إقرار شيء خارج إرادة الشعب، وإذا كان الشعب قد وضع ثقته إلى حد الآن في قادته المنحدرين من حزب جهبة التحرير بغض النظر عن مسار البعض وعن الأخطار والنجاحات فإن هذه الثقة كانت لها ما يبررها لأن هؤلاء الرجال يمثلون مرحلة مجيدة وهامة من كفاح التحرير الوطني وكان ممكنا أن يقبل الشعب أن يسير دون أن يخاف عن مستقبله أو مصيره، واليوم فقد أصبح أمرا حتميا أن يتمتع الشعب بكامل ثقته ويمنحها دوريا للأشخاص الذين يعتبرهم أجدر بتسييره ويصوت على البرنامج الذي يستجيب أكثر لتطلعاته، هذه هي الإصلاحات قبل كل شيء، وهي كذلك بناء مجتمع لا يفصل ولا يهمش فيه، أحد كما هي كذلك امكانية للمواطن في التنظيم من أجل الدفاع عن مصالحه وحقوقه، الإنسان الحر هو الذي يتحمل مسؤوليته بطريقة منسجمة مع ذاته ومع مجتمعه في السراء والضراء دون تمييز، هذه هي روح الإصلاحات"، لكن كيف تحوّل هذا الرجل الاشتراكي المرتبط ببومدين إلى داعية ليبرالي تحت رعاية الشاذلي بن جديد؟! يعترف حمروش "حقيقة أنه في فترة معينة من حياتي النضالية كنت أميل إلى الاشتراكية التي قد تقترب يوما من تفكيرنا وثقافتنا وقيمنا، خلال الثورة كنا نتحدث أحيانا عن مستقبلنا وعن استقلالنا، أي كيف تسوى الأمور وكيف تسير وكنا نتحدث كثيرا عن العدالة الاجتماعية والإنصاف والحرية"، ويضيف "حقا أنه في 1962 انتزعنا بالفعل استقلالنا الوطني ولكننا لم نمارس حريتنا تماما كأفراد وهو ما بدأنا في ممارسته ونتمتع به منذ ظهور الإصلاحات ولهذا كنت قد صرحت في إحدى تدخلاتي إنني أتحدى أي أحد يقول إن الدستور الذي صادق عليه الشعب الجزائري في فيفري 1989 هو في تناقض مع بيان أول نوفمبر 1954، وفي حدود علمي لا أحد أجاب، عندما تحدثت مع إخوة ومناضلين قلت إني لا أومن باشتراكية الدولة التي تستولي على إرادة الناس وعلى اختياراتهم، إن الأشخاص البسطاء الذين كانوا يناضلون من أجل أفكار ومن أجل الاشتراكية قد انتزع منهم السلاح عندما قيل لهم في عام 1976 منذ الآن فصاعدا أصبحت الاشتراكية قضية الدولة والسياسة، وإنها ستقدم لكم الاشتراكية على طريقتنا الخاصة، هذه الاشتراكية أندد بها وأقول إنني لست اشتراكيا إذا كان تعريفها بهذا الشكل، إن الاشتراكية التي هي ملك الأجهزة السياسية والإدارية ليست اشتراكية بل استغلال، كما أن الإشتراكية التي تتنكر للحرية والديمقراطية، ليست اشتراكية، وإذا كانت الاشتراكية حاليا تعني الحرية والديمقراطية، وتعني كذلك توزيعا عادلا للدخل القومي فأقول نعم، أنا اشتراكي، أما إذا كانت تعني العمل لصالح جهاز دولة متحفظ يسيره بعض الرجال فأنا لست اشتراكليا ولن أكون أبدا، أما الليبرالية فلا أعرفها، عندما كنت طفلا قبل وإبان حرب التحرير الوطني كنت أعيش في عائلة ككل العائلات الجزائرية البسيطة والمهمشة وبالتالي فإنني لم أعرف لا لون ولا طعم الليبرالية.. غداة الاستقلال اخترنا الاشتراكية التي عرفت تقلبات وتحولات شتى غير أنه يجدر التأكيد على ضرورة تفادي الالتباس عندما نتكلم عن النجاعة الاقتصادية وقواعد السوق والمردودية في الاشتراكية لا توجد تناقضات التسيير الاقتصادي والفعالية، فليس لهما صيغة خاصة، والمردودية والربح ليس لهما كذلك لون غير أن توزيع العائدات والثروات لهما لون وصيغة سياسية".. إن التناقض الأساسي الذي كانت تعاني منه الزمرة الإصلاحية خاصة بعد تشكيل حكومة حمروش، هو دخولها لعبة البحث بأي ثمن عن إجماع وحتى وإن كانت هذه الأطراف المشكلة للإجماع تتناقض في الجوهر مع توجهاتها الجوهرية وهذا ما كان يأخذه غازي حيدوسي على مولود حمروش الزعيم الرسمي للزمرة الإصلاحية التي تحولت تحت تأثير الإيديولوجيا الجديدة والدعاية السياسية إلى مجموعة إصلاحوية بالمعنى الأرثودكسي للكلمة، ومن بين مشاكل هذا التيار هو إرادته تطبيق الإصلاحات ذات الطابع اللبيرالي بعقلية اشتراكية ذات طراز شعبوي وذلك لمجابهة الشعبويات الأخرى التي كان ينتهجها الخصوم من الإسلامويين لكن أيضا من قدامى الوطنيين والتي كانت تصفهم الصحف الموالية للزمر الإصلاحية بالبارونات، وبالحرس القديم.. لقد سعى حمروش، (وهذا ما ذكرته في كتابي السابق، الإسلاميون...) إن تجسيد الوجه البومديني للشاذلية، في أسلوبه، وفي طريقة اختياره لمحيطه ورجالاته وكرهه وفي اندفاعه وفي تكتيكه وفي استراتيجيته كشف حمروش عن خيوط كثيرة من سمات شخصية الرئيس الأسبق هواري بومدين.. أحيانا يفلت الخيط من حمروش فتتجلى ملامح الوجه البومديني، من خلال سلسلة منظومة المفاهيم الشعبوية ذات الطابع الاشتراكي والجهوي، ومن خلال صلابة الموقف الذي يرفع العمود إلى درجة جريئة لكنها قد تحمل في طياتها روح الاستشهاد أو الانتحار في ظرف لا يتسم حقيقة بالوضوح وتكافؤ موازين القوة على أقل تقدير، والأمثلة كثيرة بهذه الصدد، بومدين في إعلانه الحرب على أصحاب الثراء الفاحش، وحمروش في فتحه النيران على مافيا الطرابندو، وفي كلتا الحالتين نعثر على سيناريو مماثل، التراجع بنفس سرعة الانطلاق في العملية.. والمثال الثاني: في رغبته التطبيق السريع للاشتراكية اعتمد بومدين على تكنوقراطيين وفنيين وانتهازيين لا صلة لهم بالمشروع البومديني للمجتمع، بل وحتى الذين وضعهم على رأس مراكز استراتيجية وحساسة، نذكر من بين ذلك، أجهزة الإعلام كان بينهم وبين الرئيس الراحل بومدين جو شاسع إن لم نقل إنهم كانوا على الضفة المضادة للتيار الذي اختيروا من أجل خدمته، وإنه السيناريو نفسه تكرر مع حمروش، محاولة التطبيق السريع للإصلاحات المتشددة واعتماده على رجال لا يتفقون مع فلسفة وسياسة الإصلاحات إلا بالدرجة التي تخدمهم وتخدم مصالحهم الفئوية والشخصية.. .. يتبع