ضرورة التعريف بالقضية الصحراوية والمرافعة عن الحقوق المشروعة    العدوان الصهيوني على غزة : استمرار الإبادة الوحشية خصوصا في الشمال "إهانة للإنسانية وللقوانين الدولية"    مجلس الأمة: رئيس لجنة الشؤون الخارجية يستقبل وفدا عن لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    مجلس الوزراء: رئيس الجمهورية يسدي أوامر وتوجيهات لأعضاء الحكومة الجديدة    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    "رواد الأعمال الشباب، رهان الجزائر المنتصرة" محور يوم دراسي بالعاصمة    الخبير محمد الشريف ضروي : لقاء الجزائر بداية عهد جديد ضمن مسار وحراك سكان الريف    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    صهاينة باريس يتكالبون على الجزائر    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    عرقاب يستقبل وفدا عن الشبكة البرلمانية للشباب    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    شرطة القرارة تحسّس    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    ينظم يومي 10 و11 ديسمبر.. ملتقى المدونات اللغوية الحاسوبية ورقمنة الموروث الثقافي للحفاظ على الهوية الوطنية    افتتاح الطبعة ال20 من الصالون الدولي للأشغال العمومية : إمضاء خمس مذكرات تفاهم بين شركات وهيئات ومخابر عمومية    الجزائر العاصمة : دخول نفقين حيز الخدمة ببئر مراد رايس    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"    مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية        الألعاب الإفريقية العسكرية: الجزائرتتوج بالذهبية على حساب الكاميرون 1-0    "كوب 29": التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغير المناخ    مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    المخزن يمعن في "تجريم" مناهضي التطبيع    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    الجزائر مستهدفة نتيجة مواقفها الثابتة    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    دخول وحدة إنتاج الأنابيب ببطيوة حيز الخدمة قبل نهاية 2024    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    إنقاذ امرأة سقطت في البحر    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    مباراة التأكيد للبجاويين    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    دعوى قضائية ضد كمال داود    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقاش :جراد، صالحي ولزهاري يقيّمون 50 سنة من الاستقلال
نشر في الجزائر نيوز يوم 03 - 07 - 2012

في هذا النقاش يعطي كل من لزهاري لبتر الإعلامي البارز، والجامعي عبد العزيز جراد، والمناضل السياسي شوقي صالحي، نظرة تقييمية لخمسين سنة عاشتها الجزائر في كنف الاستقلال.. لقد تحدثوا عن البداية الأولى في 1962 وكيف حصلت خيبة
الانطلاقة، ثم عن المراحل التي أعقبتها من رئاسة أحمد بن بلة إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وكانت هذه الوثيقة عصارة ذلك النقاش المستفيض والتحليلي.
منشط النقاش ماسينيسا بوداود:
لو نبدأ الحديث عن 50 سنة من الاستقلال، ينبغي أن تكون الانطلاقة حتما من مرحلة أحمد بن بلة الذي فارقنا، مؤخرا، ماذا تقولون؟
شوقي صالحي:
في البداية، النظر إلى 50 سنة للوراء أمر صعب. الخطاب الذي يجتاحنا اليوم هو الخطاب ''النيوكولونيالي'' الذي ينفي التحوّل العميق للجزائر. المرور بمرحلة فظيعة تتميز بتهميش الشعب. والأفظع من ذلك هناك محاولة لإقناعنا بالتآخي مع الخطاب النيوكولونيالي، هذا المعطى الأول. أما عن مرحلة بن بلة، فهي مثل بقية أجزاء التاريخ الذي عادة ما يتم الحديث عن زوايا منه فقط، مثل بوضياف مثلا الذي يجهل نضاله كمقاوم، ويتحدثون عنه فقط من خلال فترة الستة أشهر التي قضاها بالجزائر لما عاد من المغرب ليكون على رأس السلطة الجزائرية. نحن لا نفهم التاريخ الجزائري وواقعه، إذ تم اختزال الحركة الشعبية والوطنية العظيمة، حيث كانت الثورة الشعبية تتحوّل إلى ثورة اجتماعية أيضا، وهي الفترة التي احتل فيها العمال المصانع لتأميمها، وهي التي كانت تحت إدارة لجأت إلى تسيير تسعة أشهر قبل 19 مارس تاريخ إعلان وقف إطلاق النار. وفي هذه المرحلة يوجد كثير من الأشياء لم تلغ، وهو ما يسميه الماركسيون السلطة المزدوجة. كان هناك احتلال غير شرعي للمصانع والعقارات وأملاك الدولة دون احترام للقانون. هذه الوضعية تكلّست بحيث أصبح من أصعب الأمور مثلا ترحيل أسرة من بيت ما، حتى إذا كانت لا تدفع الإيجار. الحق في السكن عبارة عن مكسب في الضمير. بالمقابل، هناك حقوق أخرى مسلوبة الحق في العمل وفي حياة كريمة، وهذا كله كان هدفا سطرته السلطة مطلع الاستقلال ولم تنجح فيه رغم أن جماعة الحدود سيطرت على السلطة في جوان 65 بهدف تحقيق ما لم يتحقق رغم تواصلها مع الحركة الشعبية. أعتقد أن بن بلة تم اختياره رئيسا لشعبيته، ولكونه رمز الأفلان خلال الثورة، رغم أنه كان محاطا بعناصر جيش الحدود.
لقد كان هذا النوع من السلطة يحكمنا وهو يطور ويجذر نفسه في الظل.
الانقلاب الذي وقع في 1965 لم يكن ضد قوى صاعدة، بل ضد قوى يائسة.. يائسة من الصراع، فزهوان وحربي مثلا كانا يتحدثان مطلع 1964 عن حصول عياء وفشل وانسداد وفقدان للشجاعة.
عبد العزيز جراد:
إنه من الصعب جدا أن يتم تقييم 50 سنة بخلفية إيديولوجية، معناه إذا جرى التقييم من طرف إسلامي سيقول إن عدم تطبيق الشريعة هو الذي كان وراء الفشل. وإذا قيّم المسار شخص ماركسي يقول لنا إن الابتعاد عن الشيوعية والماركسية سبب مشكلة، وربما سيأتي شخص من الأفلان ويقول لماذا تنتقدوننا، أردتم التعددية وهاهي النتيجة، فماذا فعلتم بها أمام هذه الفوضى السياسية، مقابل ما حققه الأفلان من علاج مجاني وثورة زراعية. ولهذا مهمّ جدا أن يكون التقييد محايدا وبعيدا عن الأيديولوجية.
المعطى الثاني، لا ينبغي أن يكون التقييم بالنظرة الحالية للأمور، وإلا من السهل جدا أن ننتقد بومدين وبن بلة، بينما الموضوعية هي في مكان آخر. أنا حذر جدا من هذه الناحية. لقد كانت هناك عدة كتابات لكن تبقى تعبّر عن آراء أصحابها. الخمسون سنة أعتقد أن تقييمها يتطلب تقسيم حقب فيها، ولنبدأ ببن بلة. أعتقد أن التناقضات التي حملتها الحركة الوطنية استمرت في الحياة السياسية حتى بعد .1962
ومرحلة بن بلة هي مرحلة أساسية في بناء الدولة، لأنها كانت المرحلة التي كان ينبغي على الجزائر أن تصيب في الانطلاقة، و تتفادى أن تخطئ فيها. أولا، لا ينبغي أن ننسى وجود صراعات شخصية، منذ الحركة الوطنية إلى غاية الثورة التحريرية، فقد حدثت تصفية حسابات واغتيالات سياسية عديدة في هذه المرحلة. وحدث أيضا إقصاء وخيارات دون استشارة الشعب، مثل التأميمات، التسيير الذاتي والتوجيه وشخصنة السلطة... كل ذلك أدى ببن بلة إلى اختصار السلطة في شخصه، وهو ما دفع برفقائه إلى الانقلاب عليه. كان هناك كفاح وصراع بين مختلف الأجنحة وبالتالي توجهات سياسية متعارضة. البعض كان يتحدث عن اشتراكية يوغسلافية والبعض الآخر كان يتحدث عن اشتراكية على الطريقة الكوبية، وبالتالي كل تلك الجزائر التي كافحت بشعبها وما تملكه من إمكانيات وجدت نفسها في النهاية أمام توجهات لا علاقة لها بنوعية وتركيبة المجتمع الجزائري. لقد تم تأميم المقاهي وقاعات السينما وهذه المواقف أحدثت صدمة في الشارع. ما ذنب الحلاق حتى يقال له إنك لا تملك الحق بأن تكون حلاقا باسم التأميمات.
لزهاري لبتر:
مرحلة بن بلة كانت حاسمة، المرحلة منذ تولي هذا الأخير الحكم إلى غاية الانقلاب في 19 جوان 1965 لم تكشف هذه المرحلة كل أسرارها، لأننا أولا لا نملك كل الأرشيف الضروري، كذلك لأن الأشخاص الفاعلين في تلك الفترة لم يكتبوا كثيرا، ماعدا البعض مثل علي هارون.
نشعر عند الحديث عن هذه الفترة أن هناك رغبة في ضرب جدار من الصمت على أحداثها. المراجع نادرة جدا. ومن المضحكات في احتفالية الخمسينية، عندما تطّلع على الإصدارات التي ستضعها وزارة المجاهدين في السوق بهذه المناسبة، ما بين 5 جويلية 2012 و5 جويلية 2013 كل تلك الكتابات سواء بالعربية أو الفرنسية تتحدث عن ثورة التحرير وليست تقييما ل 50 سنة من الاستقلال أو مرحلة ما بعد الاستقلال التي كان الثوار الفاعلين الوحيدين فيها، وكأن هناك إرادة في عدم تقييم هذه المرحلة، رغم أنها 50 سنة من التاريخ. فالخمسين سنة هذه قد يجد فيها الشباب أنفسهم أكثر من الفترة التي سبقتها. هذه ملاحظتي الأولى.
بعد الاستقلال كنت شابا صغيرا، لكن أعتقد أن هذه المرحلة كانت متميزة بغموضها وارتباكها الإيديولوجيين. فلم يكن أحد يعلم ماذا ينبغي فعله ببلد نال استقلاله لتوه، بسبب صراع الطبقات، حيث أرادت كل مجموعة الحصول على حقها من ''الطورطة''، وهذا ما خلق الانطلاقة السيئة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ومن وراء رومانتيكية بن بلة، عرفت مرحلة بن بلة قمع القدرات والقوى الصاعدة، وبدأت الساحة تشهد غلق الجرائد وحل الأحزاب السياسية، وكان يجب انتظار سنة 66 حتى تتضح الرؤية أكثر، ولا أريد الحديث عن حزب الأفافاس وتصفية الحسابات، لأنه سبق وأن تطرق إليها الأساتذة.
بن بلة ورفقاؤه كانوا ضمن حركة شعبية أصيلة وواقعية، خلقت من رحم حركة وطنية دامت من بداية القرن الماضي إلى غاية الاستقلال، وهذه الحركة دفعت السلطة آنذاك، عامة وبن بلة على وجه خاص إلى اختيار توجه تاريخي وحيد شبه حتمي، وهو التوجه الاشتراكي... وأقول ''اشتراكي'' لكنني أضعها بين قوسين، لأنني أستطيع أضع محلها اختيار ''العدالة الاجتماعية'' و''التقدم''. وكان يرى أصحاب هذا الخيار التضاد الجذري لفظاعة الاستعمار، وبالتالي هذا ما جعلني أقول إن اختيار الاشتراكية كان الخيار الوحيد، وقد تكون الصائبة.
الفلاحون هم الذين حملوا الثورة، وهذا ما جاء في معاهدة النصر وميثاق الصومام، ولم يكن أمام الخيارات الأولى للاستقلال سوى اتباع نتائجها. الكفاح التحرري لم يكن ضد الاستعمار فقط، بل ضده ومن أجل حياة أفضل وعيش كريم واسترجاع للأملاك، وخاصة استرجاع الأراضي، وهذا هو الصراع الحقيقي الذي وقع. وكانت هناك أعمال سينمائية تاريخية تتحدث عن الصراع حول الأرض، لأنه دون الأرض أنت لا تعني شيئا، لكن الاشتراكية التي اختارها بن بلة شملت التعريب والإسلام .
الجزائريون في ظل الاستعمار كانوا يساوون شعبا في ظل الأبارتايد أو أسوأ حالا.. كانوا ربما في خانة اللاوجود حتى. بالنسبة لي اختيار غير الاشتراكية في عهد بن بلة كانا نوعا من حشر الجزائريين تحت نوع جديد من الاستعمار، ولهذا أكرر أن الاشتراكية كانت الخيار الوحيد.
عبد العزيز جراد:
أظن أن الإشكالية في ذلك الوقت لم تكن خيار الاشتراكية بقدر ما كانت نوعا من الاشتراكية وأي نوع من العدالة الاجتماعية، وهذه الإشكالية لا تزال صالحة للطرح والنقاش إلى يومنا هذا .
هذه الثورة العظيمة والوطنية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. أقول وطنية لأنه لم يقم بها الشيوعيون مثلما حدث في الصين، بل كل القوى الوطنية انخرطت في جبهة وطنية لتحدد مصير شعب ووطن وهذه خصوصيتها وميزتها عن الثورات. فور الاستقلال بدأنا في استيراد النماذج حسب قوة التأثير التي كان يشكلها كل واحد من المتصارعين على السلطة.
ليس فقط الاشتراكية وحدها التي كانت سائدة بل التيار القومي أيضا والكل يتذكر بن بلة في خطاباته وهو يكرر ''نحن عرب... نحن عرب''، وبالرغم من هذه الدعوة فإن التركيبة الاجتماعية للجزائريين لم تكن تتناسب مع هذه الإرادة في توجيه الجزائر إليها.
كان بن بلة يرتدي البدلة التي يرتديها ''ماو تسي تونغ'' ومن التصرفات التي نتذكرها جميعا ''هذا عندو حانوت هاذوا برجوازية نروح نذوبلهم الشحمة''.. وشئنا أم أبينا هذا هو النوع من التصرفات الذي أحدث الشرخ في المجتمع الجزائري، وبالتالي ترتبت عنها أشياء لا تزال ترافقنا، وبالتالي لا أظن أن اختيار الاشتراكية هو الذي كان إشكالا في حد ذاته بل نوع الاشتراكية التي سرنا عليها.
شوقي صالحي:
أنا سعيد بهذا النقاش والتحليل، وأقول بالمناسبة إننا أشخاص، لكل واحد منا شبكته المرجعية وقناعاته، والذاتية مهما يكن من أمر لا يسعنا أن نمنع تسربها في هذا النوع من النقاش، ولا يستطيع أحد الادعاء أن له العلم الكافي القادر على التحليل بالموضوعية الخالصة بلا إيديولوجية. هناك من يقول مثلا إن فرنسا هي التي تركت لنا اللغة الفرنسية.. أتأسف لذلك ولكن تعلمت الفرنسية من بن بلة ومن بومدين. الجزائر هي دولة رأسمالية، وهي ملك لفرنسا وإحدى الدوائر الرأسمالية الفرنسية. أما عن مسألة البرجوازية في عهد بن بلة، فهذا لا أعتقد أنه كان إشكالا كبيرا، فالبرجوازيون في تلك الفترة كانوا يعدون على أصابع اليد الواحدة أو الاثنتين معا. خيار الاشتراكية جاء هكذا (يقصد بلا تخطيط مسبق) في مؤتمر طرابلس ضمن مناخ حرب الأقطاب، لكن في المجتمع الاشتراكي فرضت عفويا من طرف حركة شعبية، ونموذج هذا الاختيار الشعبي لم يكن من اقتراح مستشاري بن بلة. الفلاحون في المتيجة هم الذين اختاروا الاشتراكية، ونقاش الخيار السياسي والمنهج تم تبنيه من طرف الطبقة الكادحة في المصانع والأراضي.
لم يكن هناك حزب معين يعمل على تأطير الجماهير، وهنا يحضرني الحديث عن بوضياف، مرة أخرى، الذي نصنع منه الرجل الذي جاء بمجرد تصفيرة من العسكر وليس الرجل المناضل. بوضياف في تصريحه سنة 63 ندد بما جاء في مؤتمر الصومام، وهذا التصريح على الباحثين في التاريخ أن يفتشوا عنه. البرجوازيون في ذلك الوقت لم يوصفوا بهذه الكلمة، كانوا يشيرون إليهم بأنهم فئة مع فرنسا ''خدموا مع فرانسا''..
لو كانت هناك حرية النقاش وأحزاب سياسية لما تم تأميم أملاك الناس. فشل الانطلاقة بعد الاستقلال تسبب فيها غياب حزب يمثل الطبقة السفلى من المجتمع. مؤتمر طرابلس لم يشهد أكثر من دخول بن بلة تحت التصفيقات وخروجه تحت التصفيقات، كان الخطاب ''إننا كلنا إخوة ونحن نثق في القائد''، وكان ينبغي آنذاك أن نتعلم أنه بين الإخوة اختلاف وأنه ينبغي حماية الإخوة الصغار من الإخوة الكبار. من بين مساوئ أول نوفمبر الذي ولد من حزب الشعب والتعددية والحركة الوطنية، أنه ألغى الثقافة التعددية التي بنيت في الحركة الوطنية، وولد التقاليد ''البوتشيستية'' التي لم تتم إلى يومنا هذا، ''التقاليد التي تقصي الآخر ولا يتم الاكتراث فيها إلا للأنا... وأفضّل أن أصمت وأتوقف عند هذا الحد حتى لا أذهب بعيدا''.
منشط النقاش ماسينيسا بوداود:
لو نقوم بحوصلة صغيرة حول موضوع آيت أحمد في 63 ثم أفلان الاستقلال، لندخل مباشرة في مرحلة بومدين.
عبد العزيز جراد:
حتى نختصر، أعتقد أن أهم ميزة طبعت فترة بن بلة هي اختصار السلطة في شخص واحد، وهذا التوجه بقي في النسق السياسي الجزائري. شخصنة السلطة، جعلت كل الأحزاب على الهامش، وهذا ما عطّل الإجابة عن سؤال ''أي نوع من النظام السياسي يمكن للجزائر أن تطبقه؟'' إرث الحركة الوطنية التعددي، لم يظهر له أثر بعد الاستقلال.
لقد اخترنا الحزب الواحد ولو أن الحزب الواحد في تلك الفترة لم يكن له أي معنى، فالسؤال الذي طُرح في ذلك الوقت هو ''/هل حقيقة أن الأفلان هو الذي كان يسير البلد؟'' ولو أن في وقت بومدين الحزب كان جهازا والسلطة كانت في مكان آخر، وأعتقد أن هذا سائد إلى اليوم ويبقى هذا موقفي الشخصي. إذن باختصار، الفشل كان في غياب طبقة سياسية منظمة، ونقابات ومجتمع مؤطر.. أما عن أزمة آيت أحمد لم تخرج من نطاق صراع الأجنحة، وليست خصوصية، مثلها مثل قضية شعباني مثلما تم الحديث عنه، مؤخرا، ومن جديد، وتم الحديث حتى عن دور المؤرخ حربي في هذه القضية..
أنا ذكرت هذا المثال لأقول إن هذه الفترة كانت جد غامضة، ويتأكد ذلك في كتاب محمد بوضياف الذي طرح فيه السؤال الشهير.. ''الجزائر إلى أين؟''، وكان هذا السؤال الأكبر في تلك الفترة.
شوقي صالحي:
هناك روايات خاطئة في التاريخ ووضعت عليها مساحيق. دخلي محمد عملاق ''crua''، لم يكرموه حتى وهو الذي توفي، مؤخرا فقط. هناك أساطير كثيرة في التاريخ الجزائري كقول إن الثورة من تبسة إلى تلمسان وما إلى ذلك من عبارات رنانة.. لا يصنع التاريخ بهذا الشكل في أي بلد من العالم.. الثورة فيها نقاش وفيها متخلفون عنها ومعارضون ومؤيدون لها... لم تكن كافة المناطق مهيأة للثورة، وذلك راجع لإمكانيات كل واحدة منها لكن منطقة القبائل يجب أن نعترف بذلك أنها لعبت دورا كبيرا وحاسما كثقل عسكري. في 1963 كان يُراد القول إن آيت أحمد أراد الحديث باسم منطقة.. هذا غير صحيح ولهذا أنا أوافق على أن ذلك كان في إطار صراع الأجنحة داخل جهاز الدولة الأفلان، وكان يضم مجموعة الولايات الداخلية ومجموعة الحدود التي كان لها قوة السلاح مقابل فريق ليس له ثقل، والمقاومة -حسب معلوماتي- وقعت في تيزي وزو، وعلى ما أعتقد أنه في التجمع الجماهيري كان المرحوم محمد بوضياف حاضرا إلى جانب آيت أحمد معناه أنه كان هناك تحالف ضد قيادة الأركان.
أفلان أول نوفمبر وأفلان مؤتمر الصومام الذي ظهرت فيه الأجنحة شيئان مختلفان. لقد كان إدماج البرجوازيين في القيادة من أهم ما جعل بوضياف يثور. ثم أفلان الاستقلال شيء آخر، وأفلان بلخادم لا علاقة له بكل أنواع جبهة التحرير التي عرفها التاريخ الجزائري. السابقون في الأفلان كانوا يؤممون والحاليون يبيعون البلد... أفلان اليوم ليس له أية علاقة مع الجماهير أو التواصل في التربية بتلك الروح الجبهوية وشيء من اليسار.. إذن قصة الحزب الواحد لم تكن خصوصية الجزائر بل في كل الدول التي نالت استقلالها حديثا.. أصمت...
لزهاري لبتر:
في بعض المرات الحديث بالعربية يعطي لبعض المصطلحات المعنى الحقيقي. التناقضات والاغتيالات تحمل في طياتها كل الأشياء التي وقعت خلال وقبل مرحلة حرب التحرير أي من إنشاء الحركة الوطنية إلى نوفمبر 54 أي ما قبل مصالي الحاج إلى اندلاع الثورة. وما حدث في 62 مدوّن في الشيفرة الجينية لحرب التحرير. الزعاماتية والجهوية هما لفظتان تفسران ما حدث بُعيد الاستقلال، وكانتا لهما جذور إبان الحرب أيضا، ويقودني الحديث هنا إلى الاغتيالات.. اغتيال ''عبان رمضان'' و''عميروش'' بين قوسين.
الآن أطرح سؤالا، عندما أتحدث عن بن بلة أو آيت أحمد كأشخاص كانا يمثلان من؟ لا نستطيع معرفة خلفية رفع آيت أحمد للسلاح إذا لم نعرف من كانا يمثلان وعلى أي مصلحة كانا يدافعان أو أي طبقة أو أي عصبة.. إذا فهمنا هذا نفهم موضوع الصراع حول السلطة.. ولهذا لقاؤنا يحتاج إلى رؤية تحليلية أعمق تحتاج إلى وقت أطول ولو أن موضوعنا ليس هذا بل تقييم خمسينية الاستقلال .
مرحلة بومدين :عبد العزيز جراد:
مرحلة بومدين لم تتسم بفكر الزعامة، بل كانت فترة تميزت بنظام تسلطي، وحاول بومدين تكوين جزائر متطورة خلال فترة السبعينيات من خلال الاعتماد على دولة المؤسسات التي لا تزول بزوال الرجال، وفهم أن التطور يجب أن يمر عبر ثلاث ثورات (الفلاحية، الصناعية والثقافية)، مع العمل على تكوين الأجيال القادمة لبناء المستقبل، كما فتح التعليم المجاني للسماح لكل الجزائريين للالتحاق بالمدارس والجامعات من مختلف الشرائح من أجل الوصول إلى تكوين دولة حديثة.
أما فيما يخص السلبيات التي ميزت حكم بومدين، فأعتقد بأن الإشكال الذي طرح متعلق أساسا بالتطبيق الميداني لكل المشاريع والأفكار التي جاء بها، ولا أعرف أسباب ذلك، هل يعود الأمر إلى وجود قوى داخلية عارضت سياسته وإصلاحاته، لقد تم انتقاد الثورة الزراعية التي تم بموجبها نزع الأراضي من أصحابها وتسليمها لآخرين لم يهتموا بها، فمثلا في بلدية سيقوس بنواحي قسنطينة كان أحد المواطنين يملك أراضٍ ويشغّل الناس وتأكل منها عائلات بأكملها، وبعد أن نزعت منه الأرض أصيب بخيبة كبيرة ومات متأثرا بهذا الحادث، لأنه كان متعلقا بأرضه. واليوم بقيت تلك الأراضي مهجورة من الفلاحين بعد أن انتقل السكان إلى المدن المجاورة كقسنطينة وعنابة للعمل في ميادين أخرى بعيدة عن الزراعة.
شوقي صالحي:
يعرف عن بومدين أنه كان إنسانا خجولا، غير أن فترة حكمه تميزت بالحزم وبناء مؤسسات الدولة، ولجأ إلى تكوين المخابرات الذي سمحت له بالتسيير.
لقد كان لبومدين برنامج ثوري، غير أن ما حدث هو أن مشكلته كانت تكمن في الفريق الذي كان يعمل معه والمكون من رجال تحوّلوا إلى سراق، لسبب بسيط وهو عدم وجود قوانين تردع السرقة، وكلنا ما يزال يتذكر مقولته الشهيرة: ''الذي يعمل في العسل يرمي أصبعه''.
ما حدث خلال حكم بومدين هو أن تسيير المؤسسات كان جيدا، حيث أن العمال كانوا يساهمون في تسيير المعامل لكن لا يحق لهم الكلام أو إنشاء نقابات، فهم ببساطة كانوا يجلسون مع المدير ويأكلون معه فقط، وبالتالي فغداة مجيء الشاذلي طرحت قضية الانفتاح التي أصبحت أمرا محتوما، لأن أصحاب بومدين الذين كانوا ينتمون إلى البورجوازية الصغيرة كانوا في حاجة إلى فضاءات للحفاظ على مصالحهم قبل أن يأتي بوتفليقة خلال عهدته الأولى ويقضي على مفهوم اقتصاد الدولة.
وبالعودة إلى فترة بومدين أقول بأنه خلال 30 سنة كاملة منذ وفاته حاولوا محو سياسته وتهديم اقتصاده.
لزهاري لبتر:
لقد حاول بومدين الاعتماد على الفلاحة والصناعة لإحداث تطور اقتصادي، لكنني أقول إن الوزراء الذين عملوا خلال فترته خاصة في قطاعات العدالة، الشؤون الدينية، التربية والإعلام ساهموا بقسط كبير في جعل التعريب معوقا، والدليل أن الطلبة في الجامعات اليوم تجدهم لا يتقنون أي لغة، وهو ما يجعلني أقول بأن هناك أخطاء ارتكبت في عهد بومدين الذي اختار التيار اليساري والشيوعي.
عبد العزيز جراد:
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فقد لعب الرئيس الراحل بومدين دورا هاما، وقد تجلى ذلك من خلال تواجد الجزائر في حركة عدم الانحياز، بعثه لفكرة الاقتصاد العالمي الجديد، مساندة البلدان الإفريقية، الوقوف على القضية الفلسطينية، وكذا الصحراء الغربية، مما جعل الدبلوماسية الجزائرية حاضرة ومؤثرة خارجيا، ويكفي في هذا المجال الإشارة إلى خطابه التاريخي سنة 1973 بالأمم المتحدة باسم كل بلدان العالم الثالث، كما حاول تحويل مشاريعه الاقتصادية والاجتماعية التي طبقها داخليا إلى تسويقها إلى خارج الجزائر، وهذا الأمر هام في نظري.
شوقي صالحي:
لقد تزامنت السياسة الخارجية التي طبقها بومدين مع وضع عالمي انفرد بالثنائية القطبية، وقد فضّل بومدين المعسكر الشرقي الذي كان يساند الوطنية.
أما على المستوى الاقتصادي، فإن الإشكالية التي كانت مطروحة هي كيف نطور الفلاحة، ولهذا الغرض فقد اتجه منهج بومدين إلى إحداث ثورة صناعية لكي نوفر العتاد الفلاحي التي يمكننا من تطوير هذه الفلاحة، وأستطيع القول إن نظرة بومدين كانت صحيحة وصادقة.
عبد العزيز جراد:
كانت الفكرة تقوم على الاقتصاد الموجه دون إشراك الآخرين، وفي هذا الإطار هناك من كان يقول علينا أن نعتمد على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، في حين هناك من كان يرى بأنه لكي نحقق ثورة فلاحية علينا أن نعتني بالصناعة.
مرحلة الشاذلي بن جديد
عبد العزيز جراد:
النقطة المهمة التي يمكن الإشارة إليها في البداية هو أن عملية تسليم السلطة والحكم تمت بطريقة واحدة منذ الاستقلال، حيث كانت من طرف القوى الداخلية التي تحكم البلاد، وبالتالي فإن مجيء الشاذلي كان بتزكية من هذه القوى كما حدث مع بن بلة.
لقد تميز وصول الشاذلي إلى الحكم بالقضاء على كل ما له علاقة ببومدين، حيث تم إعادة النظر في النظام الصناعي الجزائري والفلاحة وكل القضايا السياسية الأخرى التي ميزت فترة الحكم البومدييني.
أما سياسيا، فقد تم إبعاد العديد من الوجوه المحسوبة على بومدين مع استمرار الجيش في الحكم، وقد اختير الشاذلي على أساس أنه قديم وصاحب أعلى رتبة عسكرية.
لزهاري لبتر:
لقد كان بومدين متحكما في الجيش وهو الذي كان يقرر، حيث أن المؤسسة العسكرية لم تقرر في عهده، وعندما مات أخذ الجيش الحكم واختار الشاذلي باعتباره يملك أعلى رتبة في الجيش، وكانت نية المؤسسة العسكرية هو تولي مهمة تسيير البلاد، وخلال الفترة التي حكم فيها الشاذلي تم تهديم ومصادرة كل ما بني في عهد بومدين.
شوقي صالحي:
لقد اُختير الشاذلي لأنه الشخصية الأكثر ضعفا التي لا تؤثر ولا تعرف شيئا، وتميزت فترته بالقضاء على التيار اليميني واليساري، وبدأ الحديث عن الانفتاح، وعندما تمت خوصصة المؤسسات ظهرت ملامح الفشل بعد أن تم القضاء على القطاع العام.
عبد العزيز جراد:
اقتصاديا عمل نظام الشاذلي على تحطيم القطاع، حيث تم تكسير الصناعة دون طرح البديل، وتزامن ذلك مع بروز سياسة تصفية الحسابات مع بومدين ومحيطه، وهنا أريد طرح سؤال، هذا الانفتاح الذي تم، كان نحو ماذا؟ باستثناء فترة حمروش التي شهدت تجسيد بعض ملامح الانفتاح من خلال الإصلاحات التي تمت في عهده الذي كان قصيرا لم يتعد عام ونصف، حيث وضع الليبرالية على السكة، لكن تم توقيف مشروعه.
ولم يفلح في عهد الشاذلي كذلك تطبيق التوجه الليبرالي في الميدان الفلاحي والصناعي.
فترة الشاذلي/ حمروش :شوقي صالحي:
في الوقت الذي انهار فيه سعر البترول إلى مستوى 65,1 دولار للبرميل، بعد قيام الثورة الإيرانية وحرب أكتوبر، كانت سياسة ما يسمى بالانفتاح تعمق أزمة الجزائر الاقتصادية بمحاولة إرضاء الشعب بتوزيع أكياس الموز، بعد انهيار أحلام القوى الشعبية بقيام الدولة المتطورة مع وفاة بومدين.
الدولة الجزائرية حينها حاولت أن تظهر بمظهر المتصالح مع الطبقة المتوسطة، فحررت سوق البناء، وسمحت بتشييد الفيلات، الأمر الذي أضر ببناء السكنات باعتبار أن أصحاب الفيلات كانت لهم الأولوية في الحصول على مواد البناء. ومع خروج الأمر عن السيطرة بانهيار الخزينة العمومية، اضطر المسؤولون حينها إلى الاستدانة، وللأسف الأمر كان بصيغة قصيرة المدى.
الانفتاح في البداية كان على الطريقة الكورية، حيث تم توزيع قطاعات الاقتصاد العمومي على الخواص، حينها كان من الواضح أن هناك أناسا بعينهم سيستفيدون من قطاعات معينة. ولتفادي هذا اللغط، قامت الدولة بتفكيك المؤسسات الكبرى إلى قطع صغيرة، يستفيد منها عدة أشخاص، حتى لا يقال أن الملك العمومي أهدي إلى بعض من الخواص. كان هنالك ضغط شعبي أخاف المسؤولين من المضي في هذا النوع من التخطيط، حيث تم تأجيله مرارا وتكرارا.
في فترة حمروش اختلفت السياسة، بحيث كان هناك توجه إلى تسيير الخواص للملك العمومي، وكانت هذه السياسة نقطة بداية للخوصصة في الجزائر. اختيار المسيرين في هذه الفترة كان بطريقة مدهشة تعتبر قمة للبيروقراطية. لم يكن هنالك تصور واضح لتحويل أموال الشعب إلى الخواص. خاصة وأن عشرية الثمانينيات كانت عشرية احتجاجات.
وفاة بومدين جعلت المشاكل المغيبة في عهده، تطفو إلى السطح. كان الجميع يعيش الرعب من الشائعات القاضية بإقفال الشركات والمصانع.في تلك الفترة كانت الجامعة تشهد زيادة في عدد الطالبات، في مجتمع لا يحبذ كثيرا وجود المرأة خارج المنزل، وهنا بدأ المشهد النضالي النسوي يظهر، خاصة مع مقتل الشابة كاتيا بن قانة التي رفضت ارتداء الحجاب تحت التهديد في مفتاح، وهذه الحادثة نمت إصرار النساء الجزائريات على اقتحام ميداني الدراسة، والعمل في ميادين كانت حكرا على الرجال.
بالنسبة للحركة البربرية، في بداية الاستقلال كان سكان منطقة القبائل من بين المطالبين بالتعريب، وكانت هناك خيبة كبيرة بالنسبة لهذا المشروع، ليس فقط للبربرفونيين بل لكل الجزائريين. والكل يذكر خطاب بومدين عام 1979 للطلبة المعربين حينما قال ''درت قنبلة موقوتة''، وكان يقصد التعريب ابتداء من الابتدائي بعد الاستقلال، وكانت نسبة كبيرة من الشعب الجزائري حينها لا تفهم الخطابات المقدمة في وسائل الإعلام الرسمية بسبب اللغة.
الإسلاميون الذين ظهروا بقوة في تلك الفترة لم يخرجوا من العدم، فقد كانوا ينشطون في السبعينيات، وتقوت شوكتهم مع نجاح الثورة الإيرانية، ليصبحوا تلك القوة الكاسحة في الثمانينيات مع سقوط المشروع الوطني المغلف بالاشتراكية التقدمية. وكان من الطبيعي أن يظهر الإسلاميون كمعادل لظهور الليبراليين حينها.
عبد العزيز جراد:
الانفتاح لم يكن بالطريقة الليبرالية المتعارف عليها، بل كان مجرد تكسير دون تقديم أية مقترحات، كانت المرحلة تفكيكية للمنشآت الجزائرية دون نظرة مستقبلية، انفتاح على اللاشيء.
بالنسبة للقطاع الفلاحي كان هناك تحرير، لكن تم دون أن يحل مشكل الأراضي المغتصبة من مالكيها باسم الثورة الزراعية.
حمروش حاول التحكم في الوضع، ولم يستطع نظرا لأنه لم يعمر طويلا في المنصب، إضافة إلى أن الفترة شهدت تصاعد الموجات الاحتجاجية، خاصة مع استمرار نظام الحزب الواحد الذي لم يستوعب طبيعة الاحتجاجات، فكانت النتيجة صعود أسهم قوى سياسية أخرى من بينها الإسلاميين، وانفجر الوضع تماما في أكتوبر ,1988 حين خرج الشباب إلى الشارع ليعبروا عن غضبهم.
لزهاري لبتر:
مداخيل الجزائر في تلك الفترة كانت في الحضيض، والتقى الوضع مع جزائر تعاني من مشاكل مادية بالجملة، نتيجة للسياسة المنتهجة في الفترة ما بين 1979 و ,1986 كانت الجزائر مكسورة دون موارد، وشهدت انكماشا حتى للطبقة البورجوازية، وانهيارا تاما للطبقة المتوسطة.
القوى المضغوطة في مرحلة بومدين، بدأت تظهر في هذه الفترة، بطريقة أكثر علنية، والنتيجة أن رقعة الاحتجاجات توسعت، فقد شهدت هذه المرحلة الكثير من الإضرابات في مناطق عديدة من الوطن. وقد أدى الأمر إلى تطور المجتمع المدني في الجزائر، وتهيئة الأوضاع وترتيب لبيوت الأحزاب التي وجدت نفسها جاهزة للتعددية فيما بعد.
أما الإسلاميون الذين ذاع صيتهم في هذه الفترة، يعود نضالهم فعليا لفترة سبقت هذه المرحلة، فهم كانوا ينشطون في الجامعات منذ عهد بومدين.
مرحلة التسعينيات:عبد العزيز جراد:
مع رحيل الشاذلي وتولي المجلس الأعلى للدولة، بدأت هذه المرحلة بتدخل صندوق النقد الدولي من أجل التصحيح الهيكلي، حيث فرضت على الجزائر تخفيض الإنفاق العمومي، ورسلكة الشركات من أجل الذهاب نحو الخوصصة، وتوقيف الأجور.
هذه المرحلة شهدت تصاعد موجة العنف، ومقاومة الشعب الجزائري بكل مكوناته للإرهاب، ودفع الجميع ثمنا غاليا لهذا الوضع الذي يجب أن يدرس بشكل عميق، لأنه أعاد تشكيل المجتمع الجزائري في المرحلة التي انتهت برحيل زروال ومجيء بوتفليقة إلى الحكم.
لزهاري لبتر:
السياسة المنتهجة وقتها أدت إلى ظهور ما يسمى البورجوازيين على طريقة البازار، وفي وقت لاحق أصبح لهؤلاء نفوذ على الواقع، الأمر الذي أدى إلى مواجهات بينهم وبين قوى النظام. وفي محاولة لإيجاد غطاء شرعي لهذا الوضع، كان هناك تعميم للجملة الشهيرة ''الإسلام هو الحل''، وما ينسحب عليها من مفاهيم مثل ''التجارة حلال''، الأمر الذي أدى إلى تغيير حتى على مستوى القاموس اللفظي الجزائري، حيث انتشرت عبارة ''شريكي''، لتصبح لفظة عامة بعد أن كان منشأها إيديولوجيا بحتا.
شوقي صالحي:
الحركة الشعبية نهاية الثمانينيات تميزت بتحولها إلى حركة وطنية، بسبب سوء الأوضاع، والشيء الثابت أنها كانت عفوية وغير مؤطرة، لم يكن وراءها المناضلون الذين تعرضوا للتعذيب، ولا القوى السياسية الأخرى بما فيها الإسلاميين الذين اكتفوا بالظهور الإعلامي.
عند هذه النقطة استغل ''الحمروشيون'' هذا الوضع من أجل تسويق المشروع الديمقراطي الليبرالي، وتحرير السوق، على أكتاف المعدومين والثائرين على القمع والديكتاتورية. خاصة مع غياب حزب يوحد شمل هؤلاء الشباب والعمال، وهذا مكن من خلخلة مفهوم الأفلان صاحب الشرعية، والمستحوذ منذ الاستقلال على السلطة، في مقابل صعود واضح للإمبريالية التي قضت على المشروع التقدمي، وانتهى الأمر بإغلاق مئات المصانع في إطار التصحيح الهيكلي.
مرحلة بوتفليقة: عبد العزيز جراد:
المرحلة بدأت بنجاح الدولة في إنقاذ الجزائر، والحد من المد الإسلامي بطريقة باتريوتية للجيش الشعبي الجزائري. الكل تعرض للموت، الغني والفقير، والطالب والعامل والبطال... الجيش تحمل مسؤولياته وأنقذ البلد، وشرع في التحضير لبديل يحقق الاستقرار للبلاد، بحثوا في داخل النظام دوما، ووجدوا شخصا يناسبهم، وهو نفس الرجل الذي لم يستطيعوا استقدامه في انتخابات 1994 .
المرحلة تميزت بالعودة إلى شخصنة الحكم، وتحويله إلى حكم لطغمة سياسية، بالاعتماد على برجوازية مرتبطة بمصالح الآخر، الأمر الذي أنتج فسادا غير مسبوق.
تركيب الصورة يعتمد على قراءة لوضع الأفلان، أين يطرح مشكل الهوية السياسية الحالية للحزب، الذي ينحو منحى أكثر إسلامية من الديمقراطية الوطنية، وهذا الأمر يشتغل عليه بلخادم بالاشتراك مع بوتفليقة وقوى سياسية أخرى، من أجل إنتاج نظام يتماشى مع ما يوصف بالربيع العربي. السؤال الذي يطرح حاليا ''هل سيسمح العسكر بهذا؟''.
لزهاري لبتر:
بوصول بوتفليقة إلى الحكم، كانت الآمال معلقة على أن ينتقل بالبلاد من مرحلة إلى أخرى، بحكم خبرته السياسية كوزير للخارجية في السبعينيات .
وقد وصلت إلى نتيجة بت متأكدا منها أنه هنالك شخصان لا يصلحان لحكم البلاد بسبب أن سياستهم انتقامية، وهما عبد العزيز بوتفليقة الرئيس الحالي، وحسين آيت أحمد. وقد تأكد الأمر مع بوتفليقة في لقاءاته الصحفية التي تميزت بخطاب سلطوي، أهان فيه الكثير من الصحفيين. هذا الرجل حكم البلاد ثلاثة عشر عاما لحد الآن، وكنا نتمنى لو أنه قدم مسيرة كتلك التي قدمها الرئيس ليلا في البرازيل في نفس مدة حكمه، كان بإمكانه دخول التاريخ من الباب العريض، وها هو يخرج منه من الباب الضيق.
بالنسبة لقضية الأمن، ومع احترامي الشديد لمنصبه كرئيس للجمهورية، بوتفليقة لم يكن الرجل الذي أتى بالأمن إلى البلاد، لقد شارك مثلنا جميعا في صناعة الأمن. قضية محاربة التشدد الديني، والانتصار السياسي والعسكري تعود لفترة حكم زروال، حين تمكن الجزائريون لأول مرة من التصويت على رئيس للجمهورية بكل حرية، حين صوتوا على الرجل المدني لا العسكري، الذي رأوا فيه المخلص من الحكم الثيوقراطي.
أما قضية التنمية، فالحديث عن تطور في الحالة الاقتصادية للبلد هو حديث لا أساس له من الصحة، في العهدة الثالثة لبوتفليقة ما زلنا نستورد 95 بالمئة من حاجياتنا ابتداء من حبة القمح وصولا إلى الطائرة، في حين أن 95 بالمئة من مداخيلنا ناتجة عن المحروقات. في 12 عاما كان بالإمكان إقامة اقتصاد قوي. إذا قمنا بجمع رقمين خلال عهدات الرئيس بوتفليقة: استثمار بقيمة 500 مليار دولار، واحتياطي 200 مليار دولار، مع كل احتراماتي اعطوني هذه الأموال، لن أصنع طريقا سيارا بألف كيلومتر وأطلق عليه اسم ''مشروع القرن''، سأربط الجزائر شرقها بغربها وشمالها بجنوبها بعشرات الطرق السيارة، أطور الخطوط الجوية الجزائرية لتصبح الأحسن، أحسن التعليم الذي خربه بن بوزيد طيلة مدة إشرافه عليه، أعطوني هذا المبلغ وسأنجز معجزات رغم أنني لست ساحرا، ولا أملك الكثير من الخبرات الاقتصادية، على من يتغنى بإنجازات الرئيس الأمنية والاقتصادية أن يصمت، لأنها غير موجودة أصلا. بألف مليار دولار بإمكاننا إنجاز الجامع الأعظم عالميا، بمنارة تعانق الأمر، لكن ببساطة لا نحتاج لهذا، في بلد يعاني شعبه البطالة وأزمة السكن.
الأمر الملاحظ أنه بعد حكم الزعامة، أصبح لدينا أيضا مع مجيء بوتفليقة حكم الزاوية.
شوقي صالحي:
تحول الجزائريين إلى دعم العسكر، في الحرب الأهلية التي عاشتها البلاد، هو الذي سهل على الجيش القيام بمهمته في محاربة الإرهاب، وهو الأمر الذي تم في عهد الرئيس زروال. بينما قطف بوتفليقة ثمار هذا المجهود، وفوق هذا سنّ سياسة انتقامية من الجميع، وأولهم من استقدمه من العسكر، لقد استعطف الشعب مرارا عبر خطاباته ضدهم.
ولم يكتف بهذا، بل قام بفتح الأبواب أمام الاقتصاد الإمبريالي، واستخدم في هذا الملايير من المال العام، من أجل إسكات المحتجين في كل مكان. لقد قام بتدمير الاقتصاد بشكل كامل، وتحويل البلاد إلى قزم اقتصادي يستورد كل شيء.
وللأسف في عهده عدنا إلى مرحلة شخصنة الحكم، في ظل غياب جبهة شعبية قوية، خاصة مع انحسار المد الإسلامي بنوعيه الجهادي الذي تضرر منهم الجزائريون، أو إسلام ''البدلة والكرافات'' الذي لم ولن يقدم شيئا في صالحهم. لقد شهد العام الماضي آلاف الاحتجاجات، فرقة مكافحة الاحتجاجات التابعة للأمن الوطني، كانت تخرج من مقرها مرة كل ساعتين، وهو معادل لكل احتجاجات دول أوربا الشرقية مجتمعة. يجب أن تنشأ قوة سياسية تمثل هؤلاء المحتجين.
خاتمة:عبد العزيز جراد:
هناك تبذير كبير على المستوى الاقتصادي، والسياسة المنتهجة خلال خمسين عاما هي سياسة أثبتت فشلها، ويجب أن تتغير، خاصة مع نجاح دول كثيرة في أن تسبقنا رغم أنها كانت في نفس وضعيتنا، ولا تملك الإمكانيات التي نملكها.
على المستوى السياسي لقد ضيعنا فرصا كثيرة، من أجل تحقيق الديمقراطية والحرية، التي تعبر عن نفسها سواء عبر النشاط الحزبي، أو المجتمع المدني.
يجب أن يكون هناك اهتمام بالنوابغ والكفاءات في كل المجالات، من أجل تطوير المجتمع بطريقة تصل إلى ترقية وضع المواطن.
لزهاري لبتر:
لدي الكثير من الأمل بالنظر إلى ما تم تحقيقه خلال خمسين عاما، والذي جعل البلاد واقفة رغم كل شيء، لكن الوضع كان سيكون أحسن ألف مرة، لو أن سياسيينا لم يرتكبوا كل تلك الأخطاء التي ارتكبوها.
يجب أن نرمي بأنفسنا إلى المستقبل، لا يجب أن نركز دوما وأبدا على الماضي، يجب التخطيط لأهداف تصل إلى جيلين على الأقل، وليس على المدى القصير. يجب أن نخطط ما الذي سنفعله بهذا البلد؟ ما هو نوع نظام الحكم الذي نرغب فيه؟ أتمنى أن تتخذ الجزائر منحى مغايرا للمنحى الليبرالي العالمي المراد فرضه علينا، والذي يفقر الأغلبية ويغني الأقلية.
شوقي صالحي:
أقدر انفتاحنا على العالم، لكن للأسف النظام العالمي يدمر مقدراتنا الاجتماعية التي عملنا على صناعتها خلال قرن من الزمن، المد الليبرالي المتوحش الذي أنتج أزمات اقتصادية في الدول التي تدعو إلى تطبيقه.إذا لم تتمكن الإنسانية من بناء حلم بعالم أكثر عدالة، وإنشاء قوى سياسية مناسبة، فإن الإمبريالية ستقضي على الجميع. وها نحن نرى ما يحدث في اليونان وإسبانيا.يجب على الجزائر أن تحمي مكتسبات الدراسة والعلاج المجاني وتسعى إلى تحسين سوق الشغل الذي أصبح معظمه غير قانوني.
![if gt IE 6]
![endif]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.