لفظ (الحسن) ومشتقاته من الألفاظ المحورية في القرآن الكريم، فمن الأسماء المشتقة من هذا اللفظ: (الحسنة)، و(الحسنى)، و(الإحسان)، و(المحسنون)، و(المحسنات)، و(الحِسان)، و(الحُسْن)، و(الحَسَن). وهناك من الأفعال: (أحْسَن)، و(أحْسِن)، و(أحسنتم)، و(أحسِنوا)، و(حَسُن)، و(تُحْسِنوا)، و(يحسنون)، و(حَسُنت). ناهيك عن صيغة التفضيل (أحْسَنُ) التي وردت بكثرة في القرآن الكريم. وتفيد معاجم العربية أن لفظ (الحسن)، هو عبارة عن كل مبهج مرغوب فيه، عقلاً، أو حساً، أو هوى. ولا يقال: رجل أحسن، وإنما يقال: هو الأحسن، على إرادة التفضيل. و(الحسنة) يعبر عنها عن كل ما يَسُرُّ من نعمة تنال الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله، و(السيئة) ضدها. وهو من الألفاظ المشتركة، كالحيوان، الواقع على أنواع مختلفة، كالفرس والإنسان وغيرهما. والمحاسن من الإنسان وغيره: ضد المساوئ. و(الإحسان) على وزن (إفعال) مأخوذ من (الحسن). ومنه قول علي رضي الله عنه: الناس أبناء ما يحسنون، أي: منسوبون إلى ما يعلمونه، ويعملونه من الأفعال الحسنة. والإحسان أعم من الإنعام. وقالوا: (الحَسَن) أكثر ما يقال في المستحسن بالبصر. وأكثر ما جاء في القرآن من (الحسن)، فللمستحسن من جهة البصيرة. ولفظ (الحسن) بمشتقاته جاء في القرآن الكريم في أربعة وتسعين ومائة موضع (194)، جاء في أربعة وعشرين منها بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: "وأحسن كما أحسن الله إليك" (القصص: 77)، وجاء في باقي مواضعه بصيغة الاسم، من ذلك قوله تعالى: "وبالوالدين إحسانا" (البقرة: 83). ويُلحظ بخصوص هذا اللفظ أمور: - أولها: أن أكثر ما جاء في القرآن من هذا اللفظ بصيغة (أفعل) التفضيل، حيث جاء في أربعة وثلاثين موضعا، من ذلك قوله سبحانه: "ومن أحسن من الله صبغة" (البقرة: 138). - ثانيها: جاء هذا اللفظ بصيغة جمع المذكر السالم في أربعة وثلاثين موضعاً، من ذلك قوله عز وجل: "وسنزيد المحسنين" (البقرة: 58). - ثالثها: جاء لفظ (الحسنة) مفردا في ثمانية وعشرين موضعا، من ذلك قوله سبحانه: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة" (البقرة: 201)، وجاء بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع، منها قوله تعالى: "إن الحسنات يذهبن السيئات" (هود: 114). - رابعها: جاء لفظ "الحسنى" على وزن (فعلى) في القرآن في سبعة عشر موضعا، من ذلك قوله عز وجل: "وكلا وعد الله الحسنى" (النساء: 95). - خامسها: اقترن لفظ (الحسنة) بمقابله، وهو لفظ (السيئة) في مواضع عديدة من القرآن، كقوله تعالى: "ويدرءون بالحسنة السيئة" (الرعد: 22). ولفظ (الحسن) ومشتقاته ورد في القرآن الكريم على عدة معان، منها: - أولاً: بمعنى التوحيد والإيمان، من ذلك قوله تعالى: "فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين"، قال البغوي: يعني: الموحدين المؤمنين. وبحسب هذا المعنى فُسر قوله سبحانه: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" (الأنعام: 160)، وقوله عز وجل: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة" (فصلت: 34). - ثانياً: بمعنى الإخلاص، من ذلك قوله تعالى: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" (الأنعام: 160)، روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "من جاء بالحسنة"، قال: من جاء بلا إله إلا الله. ونحو هذا قوله سبحانه: "للذين أحسنوا الحسنى" (يونس: 26)، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "للذين أحسنوا الحسنى": للذين شهدوا أن لا إله إلا الله. - ثالثا: بمعنى جماع الخير، من ذلك قوله تعالى: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة"، فال "حسنة" الأولى في الآية بمعنى جماع الخير، من الصحة والرزق والعلم وغير ذلك، وال "حسنة" الثانية بمعنى: الجنة. ونحو هذا قوله سبحانه: "ما أصابك من حسنة فمن الله" (النساء: 79)، قال ابن كثير: ما جاءك من خصب ورزق من ثمار وزروع وأولاد. - رابعاً: بمعنى الجنة، وعلى هذا المعنى قوله تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى" (يونس: 26)، قال ابن زيد: "الحسنى": الجنة، وكذا قال الطبري في معناها. وقد تقدم أنها جاءت بمعنى لا إله إلا الله. ونحو هذا قوله سبحانه: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" (الرحمن: 60). فلفظ "الإحسان" الثاني في الآية، فُسر بأنه: الجنة. - رابعاً: بمعنى العفو، جاء على هذا المعنى قوله تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" (النحل: 90)، قال البغوي: "الإحسان": العفو عن الناس. ونحو ذلك قوله سبحانه: "والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" (آل عمران: 134). - خامساً: بمعنى الإنفاق في وجوه الخير، من ذلك قوله تعالى: "وأحسن كما أحسن الله إليك" (القصص: 77)، قال الطبري: وأحسن في الدنيا إنفاق مالك الذي آتاكه الله، في وجوهه وسبله، كما أحسن الله إليك، فوسع عليك منه، وبسط لك فيها. ونحو ذلك قوله سبحانه: "وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" (البقرة: 159). - سادساً: بمعنى الطاعة والتزام أوامر الله ومن ثم ثوابه وجزائه، من ذلك قوله تعالى: "إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم" (الإسراء: 7)، ف "أحسنتم" الأولى، بمعنى الطاعة والتزام أوامر الله سبحانه، أما "أحسنتم" الثانية، فهي هنا بمعنى الجزاء والثواب. ونحو هذا قوله سبحانه: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"، قال الطبري في معنى الآية: هل ثواب خوف مقام الله عز وجل لمن خافه، فأحسن في الدنيا عمله، وأطاع ربه، إلا أن يحسن إليه في الآخرة ربه، بأن يجازيه على إحسانه ذلك في الدنيا. - سابعاً: بمعنى النصر والفوز، من ذلك قوله تعالى: "إن تمسسكم حسنة تسؤهم" (آل عمران: 120)، ف "حسنة" في هذه الآية ونحوها: النصر على الأعداء. ونحو هذا قوله سبحانه مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم: "إن تصبك حسنة تسؤهم" (التوبة: 50). - ثامناً: بمعنى الرخاء والسعة في المعيشة، من ذلك قوله عز وجل: "ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة" (الأعراف: 95)، قال ابن كثير: حوَّلنا الحال من شدة إلى رخاء، ومن مرض وسقم إلى صحة وعافية، ومن فقر إلى غنى. ونحو هذا قوله تعالى: "وبلوناهم بالحسنات" (الأعراف: 168)، قال الطبري: واختبرناهم بالرخاء في العيش، والخفض في الدنيا والدعة، والسعة في الرزق. وقل مثل ذلك في قوله سبحانه: "فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا" (الأعراف: 131). - تاسعاً: بمعنى العمل الصالح، من ذلك قوله سبحانه: "واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة" (الأعراف: 156)، أي: الصالح من الأعمال. ومن هذا القبيل قوله جلَّ وعلا: "ويدرءون بالحسنة السيئة" (الرعد: 22)، قال القرطبي: يدفعون بالعمل الصالح السيئ من الأعمال. - عاشراً: الذكر الطيب والثناء الجميل، ومن ذلك قوله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام: "وآتيناه في الدنيا حسنة" (النحل: 122)، قال الطبري: آتينا إبراهيم في هذه الدنيا ذكرا حسنا، وثناء جميلا باقيا على الأيام. - حادي عشر: بمعنى الرحمة، من ذلك قوله سبحانه: "لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة" (النمل: 46)، أي: لم تدعون بحضور العذاب، ولا تطلبون من الله رحمته. وفسَّر بعضهم قوله تعالى: "إن الذين سبقت لهم منا الحسنى" (الأنبياء: 101) بحسب هذا المعنى. وعلى الجملة، فإن معنى (الحسن) في القرآن الكريم يدور على المعاني التالية: الإيمان، جماع الخير، العمل الصالح، الطاعة، الجزاء في الآخرة، النصر في الدنيا، الجنة، الرخاء والسعة والرزق، الرحمة. وهي معان عند التأمل متداخلة ومتلازمة، يأخذ بعضها برقاب بعض. ولا بد أن نشير أخيرا إلى أن السياق الذي يرد فيه لفظ (الحسن) ومشتقاته، هو المعتبر الأول في تحديد دلالة هذا اللفظ، وبيان المراد منه.