يقارب المخرج الجزائري سالم ابراهيمي، في فيلمه الوثائقي "عبد القادر"، حياة بن محي الدين من وجهة نظر تاريخية مرتبطة بمساره النضالي والمقاوم للاستعمار، وتجربته المريرة في المنفى بفرنسا ثم تركيا وأخيرا بسوريا، حيث لامس التصوف في مراتبه العليا. عمل حلق فوق كثير من التفاصيل المهمة في حياة الرجل، ولم يتطرق إليها أيضا. قدم الفيلم في عرض خاص للصحافة الوطنية، بقاعة ابن زيدون صبيحة البارحة، وبحضور المخرج سالم ابراهيمي وزميلته أندري براسور التي شاركت في تأليف السيناريو. ناهيك عن مهدي حداب المؤلف الموسيقي وأمازيغ كاتب الذي أعار صوته للعمل التسجيلي ليكون "القوال" الذي يربط بين فترة وأخرى. يروي العمل على مدار 96 دقيقة، حياة شخصية تاريخية عابرة للأزمنة، على حد قول المخرج، رجل ترك آثاره في كل تاريخ الجزائر منذ ولادته وإلى غاية رحيله الأخير وخروجه من قصره بسوريا إلى مثواه الأخير بالقرب من ضريح المفكر العربي ابن عربي. خط بياني تصاعد تدريجيا، انطلق من شوارع الجزائر الحديثة، حيث الراية الوطنية معلقة في كل مكان، وحيث البنايات مشيدة، وتجولت الكاميرا بين الأسواق والأزقة، تبحث في ملامح المواطنين عن بقايا ذلك الرجل الذي كرّس له هذا الفيلم التوثيقي. هل تعرف الأمير عبد القادر؟ سؤال بسيط طرح على أفراد عدة، فجاءت أسئلتهم مختلفة، منها العالم الداري ومنها الجاهل وغير المبالي. وعلى أرض ذلك الواقع الذي يؤكد ابتعاد الجزائري عن ماضيه، يبدأ صوت القوال يحكي لنا قصة عائلة بن محي الدين، وأصولهم الشريفة، ولحظة ميلاد الطفل عبد القادر بن محي الدين، وكيف ترعرع في بيئة دينية مميزة، في زاوية القطنة، وتعلم القرآن الكريم، وحفظه بسرعة، خلافا لأقرانه، وغيرها من الميزات التي كانت ترسم ملامح شخصية استثنائية سيكون لها وقعها الخاص على قلب الجزائريين. من الطفل الى الشاب الفارس ثم الابن البار الذي اقتفى سيرة والده، وسفره الى مكةالمكرمة، واكتشافه لعالم اسلامي متعدد الألوان والأطياف، وتؤثره بذلك التنوع لاحقا. مسار قد يبدو عاديا، تناول أكثر من مخرج قبل سالم ابراهيمي، إلا أن ميزة هذا الشاب أنه استعمل طريقة سلسلة في الرواية، أسلوبا مشوقا في الحكي، مستعينا بالرسم المتحركة، ليرسم لنا بالحبر الصيني شخصيات الأمير وعائلته وقادة فرنسيين وغيرهم، ليدعم زاوية معالجته للأحداث التاريخية الكثيرة، وقد شكل صوت أمازيغ كاتب بالدارجة الجزائرية، خلفية جميلة ساعدت على تبسيط الواقعة التاريخية، ناهيك عن موسيقى مهدي حداب الذي زاوج هو الآخر بين مقطوعات عود كلاسيكية وأخرى حديثة جدا شبيهة بالروك أو الجاز، وهو التميز الذي أعطى الفيلم ريتما عصريا، مختلفا عن ما سلف إنتاجه في مجال الأعمال المنجزة في إطار تلمسان عاصمة الثقافة الاسلامية 2011. يتضمن العمل ترسانة من الباحثين في التاريخ الاسلامي وتاريخ الجزائر، والانتروبولوجيا وكتاب ومدراء قصري أومبواز وبو بفرنسا، نذكر منهم قدور محمصاجي، أحمد بويردن، إريك جوفروا، عابد سلطان، فرانسوا بويليون، جون كايزر، توم ورنر بول، كلهم حاولوا رسم بورتريه عن شخصية اتفقوا على فرادتها، قوتها العسكرية والفكرية والدينية وبعدها الانساني والعالمي في مقابل الجمالية التقنية والفنية للفيلم. إلا أن سالم ابراهيمي جانب الوقوع في الإشكاليات التي قد لا تخرجه الى أي طريق قريب: "لا أنكر أنني حاولت أن أتحدث عن عبد القادر الرجل المقاوم والمتصوف، دون أن أسقط نفسي في متاهات لا أحتاجها"، يعترف قائلا. فالفيلم غضّ الطرف عن علاقة الأمير بالماسونية، ولم يتحدث عن ليون روش الجاسوس الفرنسي الذي صادقه الأمير ووثق به، عن حقيقة الاستسلام اوالرضوخ أو غيره، عن ممتلكاته، عن المبايعة وموقفه منها، عن معاهدة التافنة وتأثيرها على المنطقة الشرقية من الجزائر، عن مدى استجابة الجزائريين كلهم لمشروعه لبناء الدولة الجزائرية.