تحتضن قاعة عائشة حداد مجموعة جديدة من اللوحات الفنية التشكيلية لشهر فيفري، حيث تدعو عشاق الأعمال التشكيلية ومقتنيها إلى التعرف على وجهين جزائريين جديدين، "فاروق بن عبد الرحمان" و«صبحي أحمد شاوش" صديقان مقربان يختلفان في الأسلوب الفني وفي نظرتهما للأشياء، إلا أن هذه الاختلافات تجعل أعمالهما متكاملة. المعرض الذي اختار رواق عائشة حداد مركزا له يتميز عن غيره بالتنوع والمتضادات، جمع بين اللوحات الزيتية والمائية، بين الرسم والنحت، بين الواقعية، الرمزية، والتجريد... احتل فيه "صبحي أحمد شاوش" الجهة اليمنى من الجدار لعرض لوحاته التسعة، بينما فضل "فاروق بن عبد الرحمان" الجهة اليسرى التي ملأها بأكثر من 20 لوحة مميزة. لوحات تجمع بين الوجه الهادئ ونظيره الصارخ للفن التشكيلي، ليجسد الصديقان خلال عرضهما المشترك نظرية "الين واليانغ" التي تقول إن المتضادات تؤدي إلى التكامل. بعد أول معرض له في المركز الثقافي الإيطالي بالجزائر، السنة الماضية، ها هو "صبحي أحمد شاوش" يعود ليشارك بتسع لوحات جميلة رسمت بالألوان المائية. أعمال فنية تشع دفأ بتمازج ألوانها الفاتحة تجلب الناظر إليها ليمعن في تفاصيلها ويغرق بين زوايا إطاراتها. لوحات متنوعة تطرق فيها الفنان التشكيلي إلى عدة مواضيع اجتماعية ونفسية، بدأ بلوحته المفضلة "مكتوب" التي هي عبارة عن خطوط مستقيمة ومتقاطعة تمثل مسار الانسان في الحياة ممثلة ماضيه وحاضره، أفراحه وأحزانه، والمطبات التي يواجهها في رحلته الأبدية. ولوحة "ليلى" التي تصور سطح البحر يعلوه قمر، لون كلاهما بالوردي، ليجسد المرأة بتعقيداتها وبساطتها، وتأثيرها على من حولها. ولعل أجمل الأعمال الفنية في مجموعة "صبحي أحمد شاوش" هي لوحة التنوير التي تبهر كل من يراها بتمازج ساحر بين ألوان فاتحة مثل الاصفر، الاخضر، الازرق، والبرتقالي، هي أعمدة نور متداخلة وصفها صاحبها بالحقيقة مفسرا "من يتبع الحقيقة والنور لا يضيع أبدا". من جهته، جعل "فاروق بن عبد الرحمان" من فن النحت موضوعا لمعرضه، حيث لم تسلم أي لوحة من أداته الحادة. الجائل بين اللوحات ال20 يلاحظ تعلق الفنان التشكيلي بالطابع التجريدي، من خلال أعماله الزيتية التجريدية التي يصفها بالانطباعية والرمزية، ومن خلال رمز "العين المركبة" وهي عبارة عن جسم بشري استبدل فيه الرأس بعين كبيرة، وحسب الفنان فإن هذا الشكل يرمز إلى: الملاحظة، التركيب، الثقة بالنفس، وفرض الفرد لنفسه. وقد برر "بن عبد الرحمان" حبه لهذا النوع من الفن بالذات قائلا "أرى كل ما هو تجريدي تعبيري، يحمل رسالة للناظر بطريقة غير مباشرة". اللوحات ال20 لزمت صاحبها حوالي ثلاثة أشهر للانتهاء منها، أولها كانت لوحة "اللجوء" والتي يعتبرها الفنان المفضلة لديه، مزج خلالها بين مواد مركبة تجمع بين الألوان المائية والزيتية، الرمل، ومادة صمغ لتبقى متماسكة، أضاف إليها صورا تعبر عن أحداث سياسية، ثقافية، واجتماعية، حيث وصفها قائلا "لوحة اللجوء تتناول مشاكل عالمية، الصور والألوان فيها تجمع بين قارتي إفريقيا وأوربا، استخدمت الألوان الباردة لإعطاء نفس وديناميكية على الصور الملصقة، ورمز العين المركبة يمتد بين القارتين ليشير إلى ترابطهما الثقافي، السياسي والاقتصادي". رغم أن أعمال الفنان التشكيلي لاقت إعجابا كبيرا من زوار رواق عائشة حداد، حيث تم بيع معظمها، إلا أن "فاروق بن عبد الرحمان" يؤكد أن أعماله جزء منه وبيعها يحزنه لأن كل لوحة تروي قصة تجربة عايشها. فاروق بن عبد الرحمان هو فنان تشكيلي جزائري تخرج من مدرسة الفنون العليا للجزائر العاصمة، يجمع بين الإعلام والفن التشكيلي، ويرجع ولوجه إلى عالم الإعلام إلى الفن قائلا: "احببت الإعلام منذ صغري لو لم أكن فنانا لما أصبحت إعلاميا لأن الفن علمني كيفية التعبير عن نفسي". تعلق بفن النحت منذ صغره، وكانت طاولات الإكمالية أولى ضحاياه، عبر فوقها عن مشاعره وتعلم عليها التحكم بالأداة الحادة. إلتحق بمدرسة الفنون العليا للجزائر ودرس العديد من التيارات والمدارس الفنية، بدأ بالانطباعية وكل ما له علاقة مع الطبيعة، ثم انتقل الى المدارس الأخرى مثل المستقبلية والتجريدية بحثا عن طابعه الشخصي. ليختار مذهب الاصلية ونصف الاصلية، اضافة الى التجريدية الانطباعية. يرى "فاروق بن عبد الرحمان" أن الفن المعاصر يبحث عن الرمزية والتعقيد، فاختار أسلوب النحت لأنه يوصل للناظر رسائل وصور مشفرة ورمزية في لوحاته الزيتية التجريدية.خلال مسيرة فنية دامت حوالي 18 سنة، شارك الفنان التشكيلي في 300 معرض وطني ودولي، وحاز العديد من الجوائز، خالط فنانين محليين ودوليين، يتميز بشخصية قوية ومرحة وثقة كبيرة بالنفس تجعله يصر أن أفضل لوحات رآها هي لوحاته هو. ورغم أن أعماله الفنية لاقت إعجاب العديد من الناس، إلا أنه يفضل دائما بيعها إلى الشخص الذي يفهمها ويقدر قيمتها. خريج مدرسة الفنون المطبعية، متكوّن فنّيّا في مؤسسة "فنون وثقافة" ومتحصّل على شهادة في الديكور الداخلي، يتميز بشخصيته الدافئة، خجول تعلو وجهه البشوش ابتسامة مرحبة. بدأت علاقته مع الفن التشكيلي منذ المدرسة، فبينما يشرح الأستاذ الدرس كان "صبحي أحمد شاوش" يسرح بخياله مطلقا العنان لقلمه على الورق. ليقرر عند كبره الالتحاق بمدرسة الفنون التشكيلية، وبعدها بمركز "ارتيسيمو". لا يتبع "صبحي أحمد شاوش" اتجاها او تيارا فنيا واحدا، بل أخذ من كل شجرة ثمرة منوعا في مجالات فنه. يستخدم الفنان التشكيلي الألوان الفاتحة في لوحاته الفنية، وهي تعكس شخصيته الهادئة والمشرقة، مادته المفضلة هي الماء لأنه سلس انسيابي ويمكن أن يتخذ شكلا سائلا أو جامدا. يعتبر لوحاته مثل بناته يعتني بها ويخاف عليها، يتناول فيها مواضيع داخلية ونفسية تشير الى الشخصية الجزائرية أو الفردية، يتخيل الرسمة في رأسه أولا ثم يجسدها على الورق لتكون مدة التفكير أكثر من مدة الإنجاز. يرى "صبحي أحمد شاوش" أن لكل شخص مكانه المناسب في الحياة، وهو وجد مكانه الصحيح في عالم الفن التشكيلي بين شعرات ريشته.