رفض لارس فون تراير المخرج الدانماركي الاستفزازي حضور المؤتمر الصحفي الخاص بفيلمه الأخير، والذي يعرض في مهرجان برلين السينمائي، وذلك عقب سلسلة من الجدل الذي أثير حول مسيرته في عالم السينما. وبدلا من ذلك، ظهر المخرج (57 عاما) فقط أمام المصورين يرتدي تي شيرت يحمل شعار مهرجان كان السينمائي مكتوب عليه عبارة: «نفس الشخص غير المرغوب فيه». يأتي هذا بعد أن جرى إعلان ان فون تراير «شخص غير مرغوب فيه» من قبل مهرجان كان في عام 2011 بعد أن أطلق مزحة بشأن هتلر، وأدلى بتعليقات معادية لإسرائيل في المؤتمر الصحفي لفيلمه «ميلانكوليا» (أو الكآبة) الذي يدور حول نهاية العالم. ويمثل فيلم «شبق» والذي يأتي بعد فيلمي (ضد المسيح) و (الكآبة) الحلقة الثالثة والأخيرة من سلسة أفلامه الثلاثية التي تدور حول الاكتئاب الذي اعترف هو نفسه أنه يعاني منه. وعرض مهرجان برلين الجزء الأول من الفيلم الذي هو عبارة عن دراما تتعلق ببلوغ سن الرشد. ويلعب بطولته النجمة السينمائية شارلوت غينسبور التي تقوم بدور جو، وهي امرأة تعلم ان لديها شبقا جنسيا. تروي قصة حياتها الشهوانية، ومغامراتها الجنسية التي تدفع برغباتها الى أقصى الحدود، منذ سن المراهقة وحتى سن الخمسين ، لرجل ينقذها من حادث اعتداء. تلعب الممثلة الصاعدة "ستايسي مارتن" دور البطلة "جوي" في مرحلة الشباب، أما شارلوت غرينسبورغ ذات الطاقة النفسية الهائلة والملامح الغامضة، التي اختبرت التعاون مع فون ترير من قبل في فيلميه "ضد المسيح" و« الكآبة " فستلعب دور "جوي" في سنواتها اللاحقة. مدة عرض الفيلم خمس ساعات، وهو مقسم لفصول، تحكي قصة هذه المرأة بالتدريج. لارس ترايير المولود في 30 أبريل 1956 في كوبنهاغن لوالدين يعملان في مجال الخدمات الاجتماعية. عرف كونه مؤسس لحركة سينمائية طليعية نشطت بين عامي 1995 و2005، باسم دوغما 95 "Dogme 95". كما عرف بأفلامه الصادمة للمشاهد، وقد عبر عن سعادته بالخصوص في حوار صحفي لمجلة فيلم الدنماركية (العدد 66) "بأنه سعيد باقتصار معجبي أفلامه على فئة معينة وليس عموم مشاهديها". في العام 1979 انضم إلى مدرسة السينما الدانماركية، وخلال فترة دراسته أخرج عدة أفلام، وبعد تخرجه بدأ العمل في ثلاثية أوروبا والذي بدأ بدراما سفاح متسلسل مختل عقليا في "عنصر جريمة" العام 1984. الفيلم رشح لعدة جوائز بينها جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي. ونال في المهرجان ثلاث جوائز هي جائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة أفضل مساهمة فنية وجائزة التقنية العالية، كما سجل انحرافا واضحا عن خط السينما الدنماركية المعتادة. تبع الفيلم الأول الجزء الثاني والذي حمل عنوان "وباء " في العام 1987، والذي شارك أيضا في المسابقة الرسمية لمهرجان كان، الفيلم من أفلام الخيال العلمي وتدور قصته حول انتشار في المستقبل لوباء الطاعون. وفي العام 1995 ختم ثلاثية-أوروبا بفيلم أوروبا والذي فاز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي في نفس العام، وحاز عددا من الجوائز في عدد من المهرجانات الرئيسية الأخرى. ثم فيلم(تحطيم الأمواج) الذي قال عنه النقاد إنه وضع به بذور أسلوب سينمائي جديد كان قد أقترحه هو (سينما الدوغما)....كان فيلما رائعا لا ينسى يضعه النقاد أحيانا في المراتب الأولى في قائمة أفضل الأفلام في تاريخ السينما.... فإن فيلمه التالي "رئيسهم جميعاً" والذي حققه دانمركياً خالصاً، لم يعجب أحداً. فهذا الموضوع البيرقراطي الكوميدي الذي يدور حول مدير مؤسسة جبان اختار أن يحضر تحت اسم مستعار كي يتمكن من التلاعب بموظفيه ومستقبلهم المهني، فاختار ممثلاً كي يمثل دوره في المكتب حين تدنو ساعة التصفية، هذا الموضوع لا يمت بصلة الى سينما فون تراير. ومع هذا ثمة في الأسلوب، لا في الموضوع، نوع من الإشارة الى عودة ما، يمارسها فون تراير في هذا الفيلم الى أسلوب «دوغما 95» الذي كان قد ابتعد عنه كثيراً. بل أكثر من هذا: بدا الفيلم كله وكأنه تجربة يقوم بها فون تراير، للتجديد في عالم السينما، تجربة تقوم على محاولة تقليص أهمية الإنسان في التصوير لصالح بعد آلي تقوم فيه الآلة (الكاميرا هنا) بالهيمنة على العمل ككل . في العام 2000 أخرج تراير فيلم "رقص في الظلام" من بطولة الموسيقية الإيسلندية بيورك. الفيلم حاز جائزة السعفة الذهبية في كان، فيما فازت أغنية الفيلم I've Seen It All التي أدتها بيورك وقام بكتابتها ترايير بجائزة الأوسكار كأفضل أغنية. هو فيلم استثنائي وجميل. ولا بد، من ان نشير الى ان من يرقص في الفيلم ليست بطلته بيورك سلمى، بل فؤادها، حيث ينطلق عنوان الفيلم من عبارة يقولها لها جيف صديقها: "لا تبالي يا سلمى، دعي قلبك يرقص في الظلام فيشع النور" ، أعمال فون تراير دائماً مثيرة للنقاش في أوساط المختصين بالفن السابع. يطرح في كل فيلم من أفلامه جملة مفاهيم تستحق التفكير والنقاش، مهما كانت غرابة الموضوع، أو استفزازيته، ومهما كانت تجريبية اللغة السينمائية في أي فيلم من أفلام لارس فون تراير، من "عنصر الجريمة" الى " شبق "، يبقى لهذه السينما " على تنوعها وانتقائيتها " غرابة الحياة نفسها وقلقها. ولعل هذا القلق هو الشيء الذي أراد فون تراير حتى الآن على الأقل ، أن يعبّر عنه أكثر من أي شيء آخر.