4 سارتر ضيفا على اليونسكو: كيف نفكر في راهن ما بعد الحرب؟ وللإجابة على هذا التساؤل استدعت اليونسكو الفلاسفة والكُتاب والعلماء الأكثر التزاما لحضور مؤتمرها، فقدمت سبعة وعشرين محاضرة بمناسبة شهر اليونسكو في قاعة "لويس ليار" بالسربون بقصر "لاديكوفارت" تحت إشراف الشاعر الانجليزي ستيفان سبيندر Stepen Spender الخبير في شعبة فنون الإبداع، وميشال مونتانيه Michel montagnier المستشار الرئيسي في اليونسكو. وبعد محاضرات إمانويل مونيه Emmanuel Mounier، وبيار بارتوPierre Barteaux، وأ. ج . آيرAyer، وج. ب. سارتر التي عرضت إلى مواقفهم تجاه بعض المشكلات التي يواجهها حاليا المثقف، والتي ركزت على ثلاث قضايا تختص بها اليونسكو: بالنسبة للثقافة، تم استخراج تفسيرات الثقافة التي تهم المنظمة الدولية (أ. مالرو، ول. أراغون ، وس. رداكريشنان ، ول. ماسينون، و جون كاسو، و ه . ريد، و م. سكيبيس) أما في ما يخص العلم (ف. جوليوكيري، وب. بترسون، و ج. نيدهام، وأ. دي المايدة، وم. كبرسون، والب برويل، وأ.ه. كونتون) وفي التربية ( ه. ولسون، وم. بورا ، وو.غ. كار، وأن ران شاو، وحنا فرويد كانت مبرمجة ولم تتمكن من الحضور، وهي التي أشرفت على عيادة لتربية الأطفال الذين تألموا من الحرب). لقد لخص جوليان هسكلي Julian Huskley الهدف العام من اليونسكو في مداخلته "شروط التقدم"، وفي المقابل وجدنا في المتحف الحديث معرضا حول الهندسة الحديثة، وفي مسارح "الشان إليزي" عروضا لمسرحيات، وفي معهد الموسيقى حفلات، وفي المتحف البيداغوجي وغيره عروضا لأفلام سينمائية. وفي يوم الجمعة 1 نوفمبر تحدث جون بول سارتر، الذي صار بالنسبة لجيله الفيلسوف الذي فكر في ما بعد الحرب، لأنه نشر تبعا (الوجودية مذهب إنساني، مارس 1946) و(المادية والثورة، جوان 1946) نيويورك مدينة كولونيالية وصورة الولاياتالمتحدة (جويلية، أوت، سبتمبر) تأملات في المسألة اليهودية (نوفمبر). لقد خاصم على كل الجبهات من أجل المضطهدين. من المستعمَرين، والبروليتاريا، واليهود وبصفة فردية في مجلته "الأزمنة الحديثة". وفي هذا الحدث لدينا قصة طريفة ل " سيمون دي بوفوار"Simone de Beauvoire في كتابها "قوة الأشياء": قضى سارتر السهرة السابقة مع أرتير كوسلور Arthur Koestler الكاتب الذي اشتهر بمؤلفه "الصفر واللامتناهي" وألبير كامي وزوجاتهم في مناقشة الكتابة الحقيقة، وأيضا في السياسة وستالين، بتناول طبق روسي "زكوسكي" والفودكا والشانبانيا تحت أنغام موسيقى "تزيغان" لشهرزاد، وانتهت هذه الجلسة في مقهى ب "لي أل Halles". وتحضير محاضرته بعد استعمال دواء الأورتاردين Orthèrdrine. ولكن مع ذلك تحصلنا على نص قيم حول مسؤولية الكاتب، والذي يبدأ كالتالي: "السيدات، السادة، قال ديستوفسكي: "كل إنسان مسؤول على الجميع وأمام الجميع"، وهذه العبارة أصبحت يوما بعد يوم صحيحة، لأنه في الوقت ذاته يندمج الاجتماع الوطني أكثر فأكثر في الاجتماع الإنساني، وأن كل فرد ينخرط أكثر فأكثر في الاجتماع الوطني، وهكذا كل واحد منا يصبح أكثر فأكثر مسؤولا بل ومسؤولا بالمعنى الواسع للكلمة. لقد حملنا كل ألماني لم يحتج على النظام النازي مسؤولية هذا النظام، وإذا ما وجد لدينا أو في أي بلد كان شكل من أشكال الاضطهاد العرقي أو الاقتصادي نحمل المسؤولية كل من لا يندد به. واليوم فان الإجحاف في وسائل الاتصال والإعلام بين الأمم، وبالتحديد في بعض الأماكن من هذه الأرض، يدفعنا إلى التنديد بهذا الظلم. وهذه العبارة التي يفضلها الأمريكيونone world عالم واحد فهي تعني الكثير، لأنه في الوقت ذاته كل واحد هو مسؤول على كل ما يحدث في العالم" (انظر: جون بول سارتر، مسؤولية الكاتب، باريس، فاردييه 1998). كل إنسان هو مسؤول كانسان على كل ما يحدث على الأرض، ولكن ليس باعتباره يشتغل بهذه المهنة أو تلك، سواء أكان إسكافيا أو طبيبا، وفي هذا السياق فالكاتب يكتب لأنه يتحمل مسؤولية ديمومة الحرية سواء بالدفاع عنها أو بالاستجابة لنداءاتها، لأنها مهددة باستمرار في هذا العالم. وهنا تكمن مسؤولية الكاتب عن الحرية الإنسانية، والحرية التي يدعو لها عندما يكتب عن حرية واقعية، وهي الحرية التي تريد ذاتها وترغب في تحقيق مسألة عملية في الوقت ذاته: "اليوم، تحقيق حرية جديدة، هو إعادة التفكير فيها". ومن أجل الاشتغال مع غير قراء موطنك، وبالتحديد حول الكُتاب الأجانب باعتبارهم نقطة عبور نحو جمهور البلدان الذين لديهم في أيامنا حضورا هاما في التاريخ، فهو الآخر يصبح وسيلة لتحقيق احتجاجاته وتعميم مفاهيمه، لأن الكاتب الأوروبي الذي ينتمي إلى بلد خارج قواعد الجوقة الدولية في حاجة إلى منظمة مثل اليونسكو. 5 ما معنى التعاون الثقافي الدولي؟ في هذه المسألة منظمة اليونسكو تقدم إجابة تخلو من الغموض، لأنها تسجل بوضوح قطيعة مع مفاهيم مجتمع الأمم، باختيارها لنقيض إرث بول فاليري Paul Valéry عن "مجتمع الأفكار" باعتباره مفهوما لتجمع حر للمثقفين الذين استلهموا المثال التنظيمي للمعهد الدولي للتعاون الثقافي. (أنظر: دنيس ميلوناس، جينيالوجيا اليونسكو" مؤتمر وزراء الحلفاء للتربية 1942 -1945" بروكسيل، منشورات بريلانت 1976) و(أنظر: جاك رونليه، اليونسكو المنسية" مجتمع الأمم والتعاون الثقافي 1919-1946 "باريس منشورات الربون 1999)، فاليونسكو تتكون من تجمع الدول الملتزمة بعد الحرب العالمية الثانية بسياسة في التربية، وفي العلم، وفي الثقافة، تهدف إلى تحقيق السلم والأمن، ولكن ميثاقها التأسيسي احتوى على معضلة بدون حل بين طموح التعليم كوسيلة كافية لتحقيق أهدافه وضرورة بناء نموذج أو براديغم أخلاقي وإيجابي لتوجيه أنشطة الفكر. وعليه يصبح السؤال: هل اليونسكو في حاجة إلى فلسفة ما؟ وأي فلسفة؟ *جامعة وهران