بعد أن تقاسم "غرافيتي" (جاذبية) مع فيلم "12 عاما من العبودية " جوائز السينما البريطانية الرئيسية، اختارت جمعية نقاد السينما في لوس أنجلوس فيلمي "غرافيتي" و«هير" (هي) كأفضل فيلمين في أحدث جوائز قبل الإعلان عن جائزة الأوسكار التي تمثل أكبر جوائز هوليود، وتعد اختيارات جمعية النقاد مؤشرا قويا عن الأفلام المرشحة للأوسكار. وفيلم الإثارة والدراما ثلاثي الأبعاد، من إخراج المكسيكي ألفونسو كوارون، الذي قام بتأليفه مع إبنه جوناس كوارون، يحكي قصة المهندسة الطبية راين ستون (ساندرا بولوك) التي ترسل في أول مهمة مكوك فضاء لها لإصلاح المسبار الفضائي الشهير "Hubble" برفقة رائد الفضاء المخضرم مات كاوسكي (جورج كلوني)، الذي يقود مهمته الأخيرة في الفضاء. إنخفاضات الكاميرا والغطس وحركاتها كما بتصوير وثائقي، تعطي إحساس كوننا في المدار، والأرض جميلة كبيرة لامعة في الخلفية، وأثناء قيامهم بعملية الإصلاح يتعرضون لهجوم عنيف من قبل نفايات فضائية عبارة عن بقايا قمر صناعي روسي تصادف أنها تسير في نفس مدارهم بسرعة مهولة خلال خروجها إلى الفضاء، يرتطم حطام القمر بالمكوك ويدمره تقريبا، تاركا الرائدين في الفضاء مع كمية محدودة من الهواء، فيتوجب عليهما العمل للنجاة، دون وسائل اتصال بالأرض بعد أن دمر الركام المندفع المركبة وقد قتل باقي الفريق المرافق، حيث لا يمكنهما التواصل إلا مع بعضهما فقط وهما في هذا الظلام الدامس، الصمت المحيط بهما يصم الآذان، ويجب أن يواجها التحديات والمخاطر الجديدة - النار، ونضوب الأكسجين، ونقص الوقود، عاصفة من الحطام الفضائية - فقط مع أبسط الأهداف: العودة إلى الوطن. إنهما يمكن أن يريا ذلك، ولكن الوصول إليه على قيد الحياة هي مهمة شاقة.. كل جرعة من الهواء تستنفذ ما تبقى لهما من أكسجين قليل، والطريقة الوحيدة للعودة إلى الوطن قد تكون بالتوغل أكثر في الفضاء المرعب، يتوجه الرائدان إلى المحطة الفضائية العالمية التي تدور حول الأرض على بعد مائة كيلومتر، ويقدر كاوسكي بخبرته أنهم يملكون تسعين دقيقة فقط قبل أن يكمل الركام دورته ليعود ليهاجمهم مهددا حياتهما، وفي ذلك الفراغ الرهيب وبين حقيقة الموت الجاثمة وأمل الحياة الباقي تنثال الذكريات والحنين، وعندما يصلا المحطة العالمية التي تدمرت جزئيا بفعل نفس الركام المتطاير، يقرر كوالسكي أن يضحي بنفسه تاركا فرصة النجاة لستون لتنجذب باتجاه المحطة فيما يسبح كوالسكي تائها وبعيدا، ولا ينسى أن يوجهها بتعليمات أخيرة مشجعة، وتنتهي الكارثة بانتصار الجاذبية وعودة ستون إلى الأرض بأعجوبة. لايمكن بسهولة إغفال مساهمة ساندرا بولوك، عندما يرى المرء كيف أن المخرج يعمل معها الكثير لصياغة الشكل النهائي للفيلم، أداء بولوك مميز هنا، هو الأفضل في حياتها المهنية، لا تحاول المبالغة فيه، إنها تنتقل بين سلسلة من المشاعر من الهلع إلى اليأس إلى الأمل وينقل المخرج الإحساس الداخلي لها دون حوار ومع كاميرا قريبة جدا فإن الشيء الوحيد الذي نراه هو وجهها.. جسديا، الأمر الذي يتطلب منها أن تكون حالتها البدنية في الذروة.. من المستحيل تصور عدم حصولها على ترشيح لأفضل ممثلة لهذا الأداء. تقول ساندرا بلوك: في مهنتنا تعلمنا أن الخيال هو أداة مهمة جدا، كان هناك الصوت المرافق للمشاهد والتي صورناها بدون أي تسلسل.. في البداية كانت هناك شظايا تكاد أن تخترق صدرك ويجب عليك المحافظة على جسمك في وضع معين ثم بعد خمس ثواني فقط سيكون جسمك في وضعية مختلفة ويجب أن نفعل كل ذلك بدقة متناهية حتى تكون المشاهد النهائية طبيعية.الجاذبية هي خارج هذا العالم.. يمكن للكلمات أن تفعل الكثير لنقل دهشة بصرية بديعة مع هذا الخلق السمفوني والإمتاع البصري لعالم الفضاء.. ملحمة الفضاء المذهلة تمضي بعيدا في التقنية الجديدة دون أن تترك خلفها الأحاسيس الإنسانية، فالفيلم يناقش قضايا وجودية وفلسفية عن معنى الحياة وهشاشة الإنسان خارج الأرض، وأن الجاذبية التي تشدنا إلى هذا الكوكب الأزرق السابح في الفضاء تبقى صمام أمان ومنبع سعادة، في ذلك الفضاء السحيق تصبح الأرض ساحرة وخلابة، بما يناقض منظرها البارد والغامض، وفي عبثية الصراع في الفضاء تصبح الأرض أمّا وملاذا. أسئلة كثيرة عن معنى الوجود وعن الموت والحياة يطرحها "ألفونسو كوارون" في الدراما التشويقية "غرافيتي" تلقي ضوءا على التغيرات النفسية للأبطال عندما يواجهون الموت المحقق، من المؤكد أنها ستجذب الكثير من الجوائز المهمة. إفتتح الفيلم في مهرجان البندقية السينمائي في أغسطس 2013، وتلقى مراجعات نقدية مذهلة فيه وحظي بردود فعل إيجابية جداً، وضعه المخرج الشهير "كوانتين تارانتينو" في قائمة أفلام العام، فيما وصفه المخرج جيمس كاميرون "أفضل فيلم فضاء صنع على الإطلاق". وقال لمجلة "Variety" أنه شيء مميز، ونوع من الأفلام التي كان ينتظرها شخصياً منذ وقت طويل. كاميرون قال: "لقد صعقت وأربكت تماماً،.....أظن أنه أفضل تصوير للفضاء على الإطلاق، أظنه أفضل فيلم فضاء على الإطلاق، وهو الفيلم الذي كنت جائعاً لرؤيته منذ وقت طويل".