قارب عدد المخرجات اللبنانيات، ثلاثون إمرأة ، وهذا ليس بالرقم الهين في سينما لبلد عربي صغير.. هن نساء أعلن عن حضورهن السينمائي من خلال أفلام ترواحت ما بين القصير والوثائقي والروائي، وتتميز بنفس إبداعي لافت للإنتباه وتتطرق إلى مواضيع ذات حساسية خاصة تنمي جرأة في التناول مرحب بها في ميدان السينما. وتأتي في الصدارة "جوسلين صعب، رندا الشهال، هيني سرور، نادين لبكي، كريستين دبغي ودانييل عربيد" هنا نتوقف على بعض التجارب الوثائقية النسوية الجديدة في لبنان تمارا ستابنيان: وُلدت تمارا ستابنيان، في أرمينيا، ولكنها انتقلت إلى لبنان في سن الثانية عشرة، تتضمّن أعمالها المصورة "بيروتي أنا" (2009) و«قصص صغيرة" (2010)، الذي تمّ عرضه في مهرجان كوبنهاغن الدولي للأفلام الوثائقية. ستيبانيان، في فيلمها "الجمر" 2012، ترغب تمارا الشابة في تخليد ذكرى جدتها الراحلة التي تحمل الإسم نفسه، فتتوجه إلى مسقط رأسها في أرمينيا لتقابل أصدقاء وصديقات جدتها وتغوص معهم في حديث عن الماضي لاستكشاف حقبة مهمة ومفصلية في تاريخ بلدها، "الجمر" وثائقي طويل يعرض حواراً بين الجيل الحالي وجيل الماضي على لسان من شهد الحرب العالمية الثانية عام 1945، يتحدثون من خلاله عن أفكارهم الإيديولجية وذكرياتهم وحياتهم اليومية مع الجدة تمارا. ومع أن البطل الرئيسي للفيلم غائب عن المشهد والصورة، إلا أنه يحضر بقوة من خلال روايات الشهود. تقدم المخرجة تمارا ستيبنيان، فيلمها الوثائقي الطويل الأول، لتقترب من جدتها في كافة تفاصيل حياتها، فتشعر بالخسارة لفقدان عزيزة على قلبها وبألم الفراق، لكن الشابة تحاول الإستعاضة عن ذلك بتقديم صورة ناصعة عن مآثر الراحلة وتكريمها عبر روايات من عايشوها، في محاولة لردم الهوة العميقة التي حفرها الزمن. كريستين ديغي: وتقدم المخرجة كريستين ديغي، نموذجا في فيلمها (زينب والنهر) 1997، يعبر عن معاناة المرأة الإنسانية بسبب ظروف الحرب حينما يقتل إبنها فتتألم بشدة وتقرر العزلة عن العالم والتمرد على زوجها وأسرتها، حتى تنتابها لحظات جنون فترحل من الجبل حتى النهر وتقرر الإنتحار. ديما الجندي: "خادمة للبيع"، فيلم وثائقيّ لديما الجندي، مأساة نعرفها، بالتواتر أو بالمعاينة الذاتية، لكننا نغضّ عنها أو نتجاهلها ولا يلغي ذلك أنها قائمة ومستمرّة.. إنها مأساة ألوف الخادمات "المستوردات" من سريلانكا وسواها من الدول الفقيرة في آسيا وإفريقيا لخدمة ربّات المنازل والعائلات اللبنانية، ولعلّ هذه القضية المأساة تنطوي على آلام وتفاصيل لم يكن ممكناً الوقوف عليها لو لم تقتحم كاميرا المخرجة ديما الجندي أبوابها المغلقة، توازياً بين العاصمة السريلانكية كولومبو وبيروت، حيث جالت العين الموثِّقة لتجمع الشهادات الواقعية الحيّة وترصد التجارب الأليمة وتكشف بيئة العيش والمسار الذي تجتازه كل خادمة، بدءاً من هجر عائلتها وبلدها بلوغاً إلى حالة "الأسر" التي تنتظرها في لبنان، حيث تنطلق رحلة القهر والمعاناة. وجه واحد قد يختصر كل الوجوه، ورواية تجربة واحدة قد تختزل كل التجارب من فرط تكرارها وتماثلها، الوجوه في شريط "خادمة للبيع" متعددة لكنها تبدو كأنها لوجه واحد، هو وجه المأساة. ميرنا معكرون: يدمج الفيلم الوثائقيّ القصير (23 دقيقة) «برلين - بيروت» لمخرجته اللبنانية ميرنا معكرون، المدينتين في نص بصريّ وأدبيّ يقوم على إظهار التناظرات القائمة بينهما. فكل من المدينتين شهدتْ حرباً ضارية، خلفتْ وراءها دماراً هائلاً طال المكان وناسه، ففي حالة بيروت كانت الحرب اللبنانية الأهلية هي العنصر الأكثر احتلالاً لذاكرة اللبنانيين والأشد وقعاً على نفوسهم، يناظر ذلك الحرب العالمية الثانية التي شهدتها برلين، وكل من المدينتين خضعتْ لإجراءات جغرافية تتمثل بالتقسيم الذي تبع الحرب، ففي حالة بيروت، علاوة على الخط الأخضر، كان كذلك أن أصبحت المدينة مقسمة إلى جزء شرقيّ وآخر غربيّ، وفي ذلك تناظر مع برلين التي قسمها السور إلى شرقية وغربية. رين رزوق: يعالج "سوس ونقطة" 2008 للمخرجة رين رزوق، بجرأة إشكاليات العلاقة الأولى للمرأة مع الرجل، في عرض مدته 7 دقائق، يروي الفيلم شبه الصامت حياة فتاة غريبة الأطوار وساذجة الطباع التي تصطدم بواقع الحياة عند اكتشافها حقيقة كونها أنثى وسط مجتمع يجمعها بالرجال. دانا أبو رحمة: يعالج الفيلم التسجيلي "مملكة النساء " للمخرجة: دانا أبو رحمة - 2010، قصة نساء مخيم عين الحلوة في لبنان في الفترة الواقعة بين 1982 - 1984 بعد الإجتياح الإسرائيلي الذي كان من ضمن نتائجه تدمير المخيم.. إنها قصة نضال وإبداع تلك النساء لبناء حياة جديدة وذلك من خلال شهادة سبع منهن. ديما جمّال: في فيلمها الأول القصير «وراء الحجاب» 2012، تعالج المخرجة اللبنانية ديما جمّال، وضع الفتيات اللواتي يفرض عليهن الحجاب فرضاً، وتقدّم نموذجاً الفتاة الجميلة "نور" الضائعة بين ما يريده أهلها، وما تريده هي من حياة منعها الحجاب من ممارسة العديد من جوانبها. ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل يسعى الأهل إلى تزويجها زواجاً تقليدياً من رجل غني ترى أمها أنه سيكون وفياً وكريماً وحنوناً.. أما النهاية فكانت حين علمت نور أن الشاب الذي يريد خطبتها سيأتي في المساء، وضّبت حقيبتها وما يلزمها للهرب مع حبيبها.. وصل الشاب.. استقبلته العائلة، ورحبت به نور.. سألته عن عمله وإن كان أهله قد فرضوه عليه.. رن الهاتف.. هربت نور من المنزل.. إستقلت التاكسي متوجهة صوب البحر حيث سيلاقيها حبيبها الذي وعدها بالجنة.. إتصلت به لم يرد.. إتصلت ثانية، فتبين أن جهازه خارج نطاق التغطية.. في طريقها إلى البحر، كانت أمها تقرأ الرسالة التي تركتها إبنتها.. تذكرت نور أن حبيبها أعطاها ذات يوم رقم منزله، اتصلت فأجابتها فتاة صغيرة بصوت رقيق ونادت: "بابا الإتصال لك".. رمت نور السماعة من يدها وغاصت أكثر في ضياعها. نعم عيتاني: يروي فيلم المخرجة نعم عيتاني "سوبر.فول" قصة زوج فقير جداً يعيش في مدينة بالغة الثراء. كارول منصور: المخرجة اللبنانية كارول منصور، مواليد 1961، سجّل وثائقيّ أنجزته بعنوان «نحن مو هيك» (2013) بداية تجلّي معالم جامعة للشخصية السورية اللاجئة في لبنان.. خمس نساء تصدّين للمهمة، فالنساء يشكّلن الفئة الأشد تضرّراً في الصراعات واللجوء.. أحطن بالمشهد وخضن في أصعب المواضيع بأوضح الكلمات، فهنّ المسؤولات عن صوغ هذه الحياة كما سابقاتها.. لقد قبض الفيلم على طعم الوقت المستقطع، الوقت المعلّق، هنا والآن.. حكين عنه، كلٌّ في سياقها وبلغتها، وليس وحده ما يجمع بينهن، وإنما الإحساس بانعدام الوجود أيضاً.. «حاسة حالي مش موجودة».. منهن من تتعامل مع هذا الإحساس بليونة وإدراك، ومنهن من تتشاجر معه، ومنهن من تعتبره عقدةً غير قابلة للتفكيك راهناً.. وهو على الأرجح كذلك. الفيلم، برفقة بطلاته، يجيب عن الأسئلة الصعبة التي يطردها المرء من رأسه كي لا توجعه الإجابات.. لكن الأسئلة لا تختصر الإنسان، ولا الإجابات وظيفتها الإيلام.. فهي لا تحب لبنان، ولا تمارس الحب مع زوجها إلا اضطراراً.. تعجز عن شرح الجنس لمراهقةٍ ستتزوج، وتعيش خللاً في آلية اتخاذ القرار.. العلاقات، تعجز عن جعلها سويّة.. الوطن، ها هو يتحوّل إلى حلمٍ مرتجى.. ترتجف يدها، أو تضحك.. تهرم، أو تصارع الأمل.. وتغني.. وهنّ لسن إمرأة واحدة، لكنهن إمرأةً كثيرة، شديدة. الوثائقيّ فكّك لغم اللجوء الملقى في كل حضن، ومدّ عنقه نحو الوجه الكامن خلف الأرقام والآراء والعرائض.. لم يعلّقهن في ظرف مثلما يعلّقهن الزمن، وإنما بحث عن موقع اللجوء في قصة كل منهن مع الحياة. ولكل منهن قصةٌ مختلفة مع الحياة، غنّتها المرأة في الفيلم مرتين: عفراء وأغنية «الخريف» (فيروز وزياد)، سمر وأغنية «الورد» (أسمهان وفريد). فصلان يستدعيان الفرح والكآبة، وضّبتهما المرأة إلى جانب حياتها داخل نفسها، هكذا بسرعة كيفما اتفق، وحملتها على ظهرها هاربةً إلى طرفٍ من الأرض يستحيل تخيّل غده.