انطلقت سلسلة العروض المسرحية التي تشارك في الطبعة الرابعة والعشرين للتظاهرة الثقافية أيام الشارقة المسرحية، حيث استمتع جمهور الشارقة مساء أول أمس بعرضين مسرحيين صنفا خارج المنافسة، الأول تحت عنوان صاحبك شارك به مسرح كلباء الشعبي، والثاني يحمل عنوان الخلخال لمسرح رأس الخيمة الوطني. بعد العرض التونسي ريتشارد الثالث الذي افتتح تظاهرة أيام الشارقة المسرحية، رفع ستار ركح القاعة الثانية لمعهد الثقافة بالشارقة، ليسفر عن ممثلي فرقة مسرح كلباء الشعبية لإمارة الشارقة، الذين قدموا عرض صاحبك من إخراج حسن رجب، وتأليف أحمد الماجد، ليخلفه مباشرة في القاعة الأولى من المعهد نفسه، عرض الخلخال لمسرح إمارة رأس الخيمة الوطني، من تأليف المرحوم سالم الحتاوي وإخراج أحمد الأنصاري. صاحبك... الصراع الأبدي مع الآخر المسرحية تروي صراعا بين طالب شاب تشبث بالسكن الجامعي، لا يريد الخروج للعالم القاسي الذي ينتظره مترصدًا له بالويلات، وممثل الإدارة الذي يحاول جهده للتخلص منه كونه أمضى سنوات عديدة في المبنى ويجب عليه المغادرة لترك المجال لغيره... النص الذي كتبه أحمد الماجد كان باللغة العربية الفصحى، بسيطا وواضحا لم يواجه الجمهور الأجنبي أي مشكلة في فهم عباراته، وقد تعمد صاحبه ذلك ليسهل إيصال رسالته للحاضرين، حيث احتضن كلمات تشير إلى قساوة العالم الخارجي الذي يسوده قانون الغاب. كما اكتسى النص الدرامي نوعا من الكوميديا الساخرة التي مست الصراع بين الحاكم والمحكوم، صراع أبدي تميزه الطرق الملتوية التي ينتهجها كلا الطرفين، ليجمع الحاكم بين المنهج المتطرف حيناً واليساري أحيانا، متمثلا في صورة من يتخذون الدين وسيلة لتحقيق مآربهم، ومن يتظاهرون بانفتاحهم على الغرب وانتهاجهم لطريق العلمانية ليوهموا شعوبهم بقوتهم العالمية، بينما نجد الطالب يلبس قناع الخاضع حيناً والمتمرد أحيانا في حربه الباردة التي يخوضها. السينوغرافيا تمثلت في شكل دائري يمثل الغرفة التي كانت عبارة عن فضاء مغلق محدود يحتضن الصراع الذي سيؤدي بطريقة أو بأخرى إلى التعايش بين الطرفين، ليختزل المسرحية في موضوع الإنسان وظاهرة التسلط، وحسب الكاتب فإن المساحة الدائرية المغلقة توضح أن الطرفين يحومان في دائرة مغلقة لا يستطيعان الخروج منها. يجدر القول أن الممثلين تعاملوا مع النص ببرود في العرض مما أثار استياء العديد من الحضور حيث وصفوا العرض بالتقريري، وقد أرجع كاتب النص أحمد الماجد هذا الأداء البارد إلى شعور الممثلين بالخيبة كون عرضهم المسرحي صنف خارج المنافسة، وهو أمر لم يتقبله المسرحيون كون المسرح وجد للمتعة لا لتسجيل المشاركات بالمهرجانات وحصد الجوائز. الخلخال ... استعباد الذكر للأنثى المسرحية الثانية التي شاركت بها إمارة رأس الخيمة كانت مليئة بالرمزية وأثارت نقاشا حادا بين المسرحيين الذين اختلفت قراءاتهم لموضوعها، النص الذي كتبه المرحوم سالم الحتاوي كان باللهجة الخليجية، إلا أنه بسيط وواضح تقبله الجمهور متنوع الجنسيات بسهولة وفهم كل كلمة منه. وقد اعتبره البعض أشبه بمونودرام، فهو يسلط الضوء على شخصية الرجل ونظرته للأوضاع، البطل هو من يستحضر المرأة وقتما يشاء، بمجرد التفكير فيها حتى تظهر على الركح. الخلخال هي قصة حب بين شاعر في العقد الخامس من عمره، وراقصة أعراس في مقتبل العمر. يتحديان المجتمع وأحكامه ويقرران الزواج، لكن الرجل لا يتحمل مقاسمة زوجته مع الآخرين فيضيق عليها الخناق خائنا لوعوده الأولى لها، علاقة تبدأ عشقا وهياما لتتحول إلى صراع ينتصر فيه الظلم، وهو ربما حقيقة الواقع المعيش. الديكور الذي صممه محمد العض تمثل في حائط أسود ونخلة، مما جعله سوداويا بعض الشيء وربما تعمد ذلك ليرافق النهاية المتفردة عن غيرها من المسرحيات. المؤثرات الصوتية واكبت الأحداث الشاعرية للعرض، وتصميم عبير رياض للكوريغرافيا زاد من جمالية العرض عبر ثماني راقصات يتمايلن بسلاسة مع الموسيقى وأضفى عليه نوعا من البهجة، حتى خلال اللقطات الحزينة. رمزية العرض تمثلت في الخلخال، الذي يمثل الأنوثة، ذلك الطوق الذي يريد كل رجل الحصول عليه، وجعله له وحده دون غيره. فعشق الشاعر كان للخلخال أكثر من كونه للراقصة، ففي النهاية يحبسها ويجبرها على الرقص له وحده ليسمع رنين الخلخال في قدمها، الرنين الذي لطالما استمتع بصوته منذ صغرها. وقد اعتبر العديد من المسرحيين هذا الصراع خير مثال لما يحدث في المجتمعات العربية اليوم.