قال وزير الدولة وزير الداخلية والجماعات المحلية، الطيب بلعيز، أول أمس، بمناسبة الإعلان عن النتائج الأولية لرئاسيات 17 أفريل، إن نسبة المشاركة التي قدرت ب 51.07، معقولة خصوصا وأنها تأتي في سياق انخفاض عام للمشاركة في أغلب دول العالم المسجلة حديثا، مؤكدا على اللجوء إلى المختصين لتفسير هذه الظاهرة، لكن أستاذ علم الاجتماع الدكتور الزبير عروس يرى أنه "لا يمكن أخذ نسبة المشاركة الوطنية في سياق عام، لأن ذلك سيفقدها كل دلالاتها". عرفت نسبة المشاركة في مختلف الاستحقاقات الجزائرية، حسب النتائج التي تعلن عنها المصالح المختصة، تذبذبا كبيرا، وميزها الانخفاض إلى مستوى النصف أو أقل في العديد من الاستحقاقات الأخيرة، بداية من تشريعيات ماي 2012 التي بلغت نسبة المشاركة فيها 42.36 بالمئة، فالانتخابات المحلية ل 29 نوفمبر 2012 التي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 44.26 رغم ارتباطها المباشر بحياة ويوميات المواطن، ها هي رئاسيات 2014 تسجل نسبة 51.07 بالمائة، وهنا يبدو الفرق ملموسا بينها وبين رئاسيات 2009 التي كانت نسبة المشاركة فيها قد قدرت ب 74.11%، هذا الانخفاض الذي أرجعه وزير الداخلية إلى ظاهرة عالمية تشهدها مختلف الدول على المختصين البحث في أسبابها، إلى جانب ضرورة الأخذ بعين الاعتبار تداعيات الربيع العربي و"الظرف غير العادي الذي تتواجد فيه الجزائر التي تعيش في جوار فوار، ووسط حزام أمني وقلاقل أمنية في الداخل والخارج"، فهل هذه الأسباب كافية لتسجيل هذه النسبة، رغم أن السلطات قد مددت، الخميس المنصرم، التصويت لساعة إضافية في 36 ولاية لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من الناخبين للإدلاء بأصواتهم؟ يعتقد أستاذ علم الاجتماع، الدكتور الزبير عروس، أنه لا يجب قراءة نسبة المشاركة الانتخابية في سياق عام، لأن "السيد وزير الداخلية يعرف تماما الاختلاف والوعي السياسي بين المجتمع الجزائري وأي مجتمع عربي، مقارنة بالمجتمع الأوربي أو الأمريكي"، إلى جانب الفروقات التي تنتجها الخصوصية والبنية الاجتماعية نفسها، ما يجعل المقارنة خاطئة، لأن "المجتمعات العربية تنتخب بصيغة الجماعة وقيمها تجعلها تُقبل على الفعل الانتخابي وكل فعل من منطلق جماعي"، لذلك يعتقد الدكتور عروس أن "طرح نماذج أو مقاربات مشابهة في هذا المجال، هو مجرد محاولة لتبرير موقف قائم"، متسائلا حول النسبة نفسها "المشاهدة الميدانية تثبت العزوف القوي، وتجعل حتى من فكرة غياب المرأة في الصباح عن مكاتب الاقتراع، بسبب أداء واجباتها المنزلية وتأجيل تأدية الواجب الوطني إلى المساء، مبررا لا معنى له". ويرى الدكتور زوبير عروس، أن ظاهرة العزوف الانتخابي "باتت قناعة عامة وسائدة عند الجزائريين"، وذلك -حسبه- لأنهم "أدركوا أن الانتخابات لم تعد وسيلة للتغيير، بل وسيلة للتثبيت"، وهذا "أمر اكتسبوه من تجربتهم في المواعيد الانتخابية السابقة التي تمت على هذا الأساس"، لافتا إلى أن "حتى من ذهبوا للانتخاب هم فئة عمرية معينة ما تزال تعاني الخوف من الإدارة"، وبالتالي "تذهب للحصول على ختم (انتخب/ت) على البطاقة لتواجه به "غول" الإدارة الذي يظل يخيفها، وهنا لا يجب أن نغفل التصريحات التي أدلى بها والي العاصمة حول السكن والانتخابات". من جهة أخرى، في تفسيره لظاهرة العزوف، ركز أستاذ علم الاجتماع، الزوبير عروس، على ظاهرة أساسية في نظره، وهي المشاركة السلبية، التي ربما يمكن احتساب من يخافون الإدارة ضمنها، ولكنها تجعل رقم العزوف ملفتا إذا ما احتسبت في صياغه"، حيث حسبه "إذا حسبنا الأصوات الملغاة مع المتغيبين أساسا عن المشاركة في العملية، فقد نصل إلى 15 مليون رافض للاختيار"، وهذا حسب المتحدث "له دلالة سوسيولوجية مهمة وعميقة". بهذا المشهد، يؤكد الدكتور زوبير عروس، أن "ثقافة الانتخاب في الجزائر أخذت في الرئاسيات الأخيرة ضربة قاضية"، لأنها حسبه "كان هناك نفور من العملية الانتخابية، لكن محاولة شرعنة أمور غير قابلة للشرعنة عمّقت ذلك النفور أكثر".