احتضنت قاعة المسرح الوطني محي الدين بشطارزي، زوال أول أمس، العرض الشرفي لمسرحية "القرص الأصفر" التي قدمها المسرح الجهوي لولاية "معسكر"، من إخراج "ربيع قشي"، وتأليف "فتحي كافي. يبدو أن العرض المسرحي "القرص الأصفر" الذي قدم للمرة الأولى على ركح المسرح الوطني محي الدين بشطارزي، زوال أول أمس، ترك أثرا إيجابيا لدى الجمهور المتنوع (رغم قلته). حيث لم يختلف رأيان حول جودة العمل الدرامي الذي قدمته مجموعة المسرح الجهوي لولاية معسكر... تدور أحداث العرض في المستقبل البعيد، وتحديدا بعد سبعة قرون من الآن، لتصور للمشاهد حقبة غاب فيها نور الشمس ليغيب معه دفء المشاعر الإنسانية، وزمنا استبيح فيه أكل لحوم البشر لغياب كل غذاء حيوي آخر، غير أقراص صغيرة جافة لا تسمن ولا تغني من جوع... زمن أسود تحكم فيه المرأة بيد من حديد وتستبد بالرجل لتضربه وتعذبه وتستعبده، حقبة باردة مقفرة لا حياة فيها إلا لمن تخلصوا من صفاتهم البشرية ليطغوا في الأرض ويعيثوا فسادا. رغم أن النص الذي كتبه "فتحي كافي" كان بلغة عربية فصحى، إلا أنه لبس معالم عالمية من خلال استعمال صاحبه لأسماء رومانية، عربية، ويهودية. حيث يصب العمل المسرحي في القالب الشكسبيري من خلال تطرق الكاتب إلى التراجيديا الإنسانية، واستعانته بموضوع الصراع الأبدي بين الخير والشر في الطبيعة البشرية، صراع تجسد في شخوص العرض وخاصة من خلال شخصيتي السيدة "ايفا" وحفيدها "أديل". حيث يسائل العرض في الطبيعة البشرية ليصل إلى حدودها، هل يفقد البشر إنسانيتهم ويستسلموا لظلمات أنفسهم كما فعلت "ايفا" وأتباعها، أم يحافظون على الأمل والدفء الانساني كما فعل "أديل" ومجموعة "warm light" التي تنبئ بمستقبل إنساني بلون دفء الشمس. النظرة الإخراجية لربيع قشي كانت الخيط الذي يجمع بين أدوات العرض، بدءا بالرمزية التي غمرت العرض سواء من ناحية بعض عبارات النص (مثل "فينيسيا" حبيبة أديل التي اشتق اسمها من آلهة الحب، ومجموعة "warm light" أو "الضوء الدافئ" التي تمثل أمل الإنسانية في الحياة) أو من ناحية تقنيات العرض التي تماشت مع السينوغرافيا المتميزة التي صممها "عبد الرحمن زعبوبي" (مثل تقاطع لوني الأسود والأصفر، يد "جوستا" المتحجرة، الخالية من الحياة والعطاء، التي ترمز لتحجر السلطة التي يمثلها، وكيفية امتدادها ببرودة للشعب مصورة له شكل الموت. وأيضا استعانة المخرج بكرسي متحرك تجلس عليه الحاكمة التي تصاب لاحقا بشلل نصفي، وهي صورة أثارت تساؤلات الجمهور ليترك خلالها المخرج المجال لهم لإطلاق العنان لقراءاتهم الخاصة). أما الكوريغرافيا التي صممها "عيسى شواط" كانت معبرة ومتماشية مع موضوع العرض، اعتمدت بشكل كبير على الإضاءة الخافتة، التي صممها كل من "سمير عمامرة" و«بلقاسم سفيان" حيث اعتمدا على ثنائية الأبيض والأسود أو الضوء والظلام، إلا أنه بدا من الواضح أن عرض أول أمس عانى من مشكلة في ضبط الإضاءة في بعض المشاهد. الطاقم التمثيلي لمسرحية "القرص الأصفر" جمع بين 22 وجها، بعضها من الهواة والبعض الآخر من المحترفين. وقد تناغم أداؤهم مع بعضهم البعض، حيث أبدع الفنان القدير "عبد الله جلاب" في دور المسن المستنسخ الفاهم لمعنى الحياة والإنسانية، وكل من "نوارة براح" و«إيمان العربي" في دوري "ايفا" و«فيكتوريا"، إضافة إلى "بشير بن سالم"، "حسين مختار"، "فؤاد بن دوبابة"، "يزيد بكاري"، "بوحجر بوتشيش"، "ربيع وجاوت"... وباقي الممثلين الذي أجادوا تقمص أدوارهم. رغم أن العرض المسرحي "القرص الأصفر" نال ما لا يستهان به من التغطية الإعلامية، إلا أن المسرح الوطني "محي الدين بشطارزي" شهد صياما جماهيريا عن العرض فلم يحضره سوى عدد قليل. وقد يعود هذا لاعتكاف المسرحيين على العروض المقدمة في المهرجان الوطني للمسرح المحترف بولاية سيدي بلعباس، واشتغال الشباب بمباراة الكأس أول أمس.