في إطار فعاليات المهرجان الوطني لموسيقى الديوان الذي يقام بمدينة بشار حتى التاسع والعشرين من هذا الشهر، نظمت فرقة (ديوان عمي براهيم) قعدة ديوان تقليدية، لتكون أشبه بلوحة تشرح للوافدين هذا الطقس المقدس في عالم الديوان وأهميته في هذه الثقافة العميقة. ضربت إدارة المهرجان الوطني لضيوفها موعدا مساء أول أمس، بدار الثقافة لولاية بشار، للحضور لما يسمى في ثقافة الديوان (الليلة) وهي أشبه بقعدة ديوان تقليدية تتم خلالها تأدية بعض الطقوس الروحية بهدف الوصول إلى غاية محددة. وقد سطرت هذه المبادرة لتسهيل فهم هذه الطقوس المقدسة وكل ما يتعلق بثقافة الديوان لمن يجهل أعمدتها. حوالي الساعة السادسة تم الإعلان عن بدء الليلة أو الوعدة التي أحيتها فرقة (ديوان عمي براهيم) من بشار، يتقدمها المقدم ابراهيم (المقدم هو لقب يطلق على صاحب أعلى مرتبة في فرقة ديوان)، أطلقت المجموعة العنان للاحتفال الذي بدأ بصوت الطبل المدوي في أرجاء الساحة الواسعة، يرافقه القناديز بآلات القرقابو (القندوز هو القارع على آلة القرقابو) منشدين العديد من المقاطع من مختلف أبراج الديوان (البرج هو المرادف للأغنية وتتكون من عدة مقاطع)، تكتنفهم رائحة الجاوي العبقة (الجاوي هو نوع من البخور يستخدم في طقوس الديوان) التي ملأت أرجاء المكان لتضفي طابعا روحيا خاصا بموسيقى الديوان. على أنغام الأبراج والآلات الإيقاعية تم التحضير للوازم الوعدة، طبق توسطه وعاءان للحناء والروينة، إضافة لكوبي ماء وحليب وحبة بيض. استخدمت لغاية (تطهير) الأضحية قبل الإقبال على ذبحها، في جو احتفالي صاخب، وجده البعض عنيفا ودمويا، بينما يراه آخرون رمزا أساسيا للانطلاق في الاحتفال، ووصلة لا يمكن الاستغناء عنها في سلسلة الطقوس التي تؤدى في الديوان. بعد الانتهاء من الأضحية تم توزيع الشاي والأكل على الضيوف الذين جلسوا مشكلين حلقة كبيرة كانت أساسها فرقة ديوان عمي براهيم، لتبدأ المرحلة الثانية من طقوس ليلة الديوان. حيث افتتح أعضاء الفرقة القعدة بمقطع (صلو على نابينا)، ثم (سيدي اليوم)، يليه كل من (لعفو مولانا)، (مبيريكة)، و(بوري) يرافقها أعضاء الكويو (الكويو هو الذي يؤدي الرقصات الخاصة بأبراج الديوان)، برقصات تعبيرية تمثل قصة كل واحدة منها. لم تمر الوعدة التي قدمتها فرقة ديوان عمي براهيم على كل المراحل التي تعرفها الأصلية عادة، حيث كانت مجرد صورة أو تمثيلية تشرح للحضور أهم طقوس الليلة في الديوان، حيث تمتد الليلة الأصلية من وقت العصر إلى غاية الفجر، يمر فيها أفراد الفرقة على مختلف أبراج قبائل الديوان السبعة، تتخللها رقصات الكويو، ومختلف أنواع الطعام التي تقدم للوافدين. بينما امتدت الوعدة التي احتضنتها ساحة دار الثقافة لمدينة بشار حوالي ساعتين من الزمن. بعد الانتهاء من العرض الذي قدمته الفرقة، شرح رئيسها المقدم (ابراهيم) أهم الطقوس والغاية المبتغاة منها، حيث وصف الوعدة المقدمة ب (المغزاوة) وحسبه فإنها تقدم لما يريد أحد الانضمام لفرقة ديوان ليثبت مقدرته لأبناء الديوان، أو لينتقل إلى مرحلة أعلى إن كان ضمن فرقة. كما يستخدم هذا النوع من الليلات بهدف الانتقال من مناسبة إلى أخرى مثل الانتقال من شهر شعبان إلى رمضان، أو من رمضان إلى شوال. ليختتم شرحه لقبائل الديوان وتصنيفاتهم كما صرح أنهم بصدد التحضير لكتاب يجمع أبراج القبائل من الحوصة، البمبارة، النساويين والخلاويين. بعد افتتاح المهرجان الوطني لموسيقى الديوان، الذي شهده ملعب النصر، مساء الجمعة، انطلقت المنافسة الرسمية للفرق المشاركة في المهرجان، مساء أول أمس وسط حضور متنوع من عشاق موسيقى الديوان الذين اجتمعوا من مختلف ولايات الوطن. سهرة أول أمس افتتحتها فرقة (ناس الواحات) القادمة من ولاية ورقلة، حيث قدمت نوعا موسيقيا يجمع بين الديوان والمدائح الدينية الملحونة، جامعة بين آلات الطبل، القرقابو، والقمبري الذي يعتبر دخيلا على الطابع الورقلي. المزيج الفني الذي قدمته فرقة ناس الواحات في أول أيام المنافسة تميز عن غيره بطابع شجي، يعطي الأفضلية لرخامة الصوت المؤدي، لينال هذا التلاقي بين النوعين الروحيين إعجاب الحضور، إلا أن استخدام القمبري في الوقت نفسه مع الطبل، جعل صوت الأخير يطغى على الأول ويخفيه. الفرقة الثانية داخل المنافسة كانت فرقة سيدي بلال القادمة من تندوف. يؤكد أعضاء الفرقة أن ولايتهم لم تعرف موسيقى الديوان في تراثها، وتأثرهم بالفرق التي تمت لهذه الموسيقى بصلة جعلهم أول من يجلب هذا التراث لمنطقتهم ليصبحوا أول فرقة تشجع على الديوان في تندوف وتسعى لنشره منذ أربع سنوات. ورغم كون أعضاء الفرقة نوعا ما غرباء عن هذا التراث إلا أنهم استطاعوا افتكاك المرتبة الثالثة في المنافسة لسنة 2011، ليعودوا في الطبعة الثامنة هذه السنة وينالوا إعجاب كل من سمع وشاهد أداءهم على ركح ملعب النصر. المنافسة شهدت غياب فرقة أهل القناوة من غيليزان مما أدى إلى استبعادها من غمار التصفيات، ليبقى سبب غيابها مجهولا. واختتمت السهرة الثانية من عمر الطبعة الثامنة للمهرجان الدولي لموسيقى الديوان، فرقة قناوة نورة من بشار، التي تشارك خارج منافسة المهرجان. حيث قدمت سليلة بشار لجمهورها باقة من الأغاني التي تصنف ضمن أغنية الفيزيون أكثر من الديوان، كما استعانت بالعديد من المقاطع المغربية في الحفل الذي دام أكثر من ساعتين، الأمر الذي أعجب بعض جمهورها الذي عبر عن تفاعله بالرقص على أنغام المقاطع التي قدمتها، كما أثار استياء بعض معلمي الديوان الذين أشاروا إلى أن الريبرتوار الجزائري أغنى من المغربي وكان يجدر بها الاستعانة بتراثها ونشره على الوقوع في خطأ التقليد.