يبدو انه كتب على جبهة التحرير الوطني أن لا يكمل فيها أي أمين عام عهدتين متتاليتين خاصة منذ ولوج عالم التعددية، فمهري ابن الحركة الوطنية تمت إزاحته و رضي أن يخرج من الباب الواسع بتقديم استقالته قبل أن تهوي عليه القاعدة بمعاولها و هي التي تعبأت وقتها بكون مهري هرب بالحزب و أخذه إلى "سانت جيديو" أين اجتمع خصوم الأفلان التاريخيين، و إذ اختار مهري الخروج من الباب الواسع لم يكن لديه أية عقدة في الحضور للمؤتمر السابع الذي ارتقى من خلاله بن حمودة كأمين عام و ألقى مهري كلمة استمع لها الجميع باهتمام بالغ و صفقوا لها مطولا، و حذا بن حمودة المجاهد حذو سابقه حينما شعر بأن الحزب سيخرج من بين يده و رضي بالإستقالة عوض الإقالة و بقي مناضلا وفيا للحزب يحضر مؤتمراته و تجمعاته و تنازل لبنفليس عن الأمانة العامة ، و ظل هذا الأخير متحكما في زمام الأمور إلى أن ظهرت "الحركة التصحيحية" و كابر بنفليس و رفض الإذعان لمن وصفهم بالشرذمة من المنشقين و المناوئين، و رغم أن أعضاء اللجنة المركزية و اغلب النواب كانوا يدعمونه إلا أن من وصفوا ساعتها بالمنشقين و على رأسهم بلخادم تمكنوا من إسقاطه و إخراجه من أضيق الأبواب، و اعتلى بلخادم صاحب المقولة الشهيرة "لا نريد جبهة ضرعا يحلب أو ظهرا يركب" قيادة الحزب و فعل ما أراد أن يفعله بأن أعاد أسماء من الأرشيف و أعطاها فرصة الظهور مجددا و صنع الخير بظهر الجبهة و ضرعها، لأن هذا الإسم أو ذاك استقبله و ضيوفه و أقام له مأدبة فاخرة، دون اعتبار للنضال أو القناعة الحزبية و لا حتى للطاقات الحية التي يزخر بها الحزب، و ها هي الكأس التي رفض أن يشرب منها مهري و بن حمودة و عاقرها بنفليس حتى الثمالة تظهر للمرة الرابعة ، و ها هو بلخادم ينعت مناوئيه بنفس الصفات التي أطلقها بنفليس على المنشقين، و السؤال الملح هل ينتظر بلخادم دعم الرئيس كي يتوقف اتساع رقعة المعارضة؟؟ إذا كان الجواب نعم ، فهذا اكبر دليل على أن بلخادم لا قاعدة له و يستحق أن يشرب من الكأس التي رفضها كل من مهري و بن حمودة و فضلا الإستقالة و تركاها لبنفليس و بلخادم الذي سيشرب منها حتما، فلو كان فعلا الرئيس لا يزال يدعمه و يرغب فيه لما تحرك أي طرف و لما تحرك وزيران لا يزالان يؤديان مهامهما إلى غاية اليوم رفقة ترسانة من وزراء سابقين و نواب و سيناتورات فضلا عن قاعدة عريضة، و ما تكرار الهادي خالدي النصيحة لبلخادم بأن يحذو حذو مهري و بن حمودة إلا دليل على انه "نحر يوم نحر الثور الابيض" فبلخادم ليس اذكى من مهري و بن حمودة و لا يقارن أصلا بوزنهما. لقد اتخذ بلخادم قرارا يقضي بمعاقبة الغاضبين عن طريق لجنة الإنضباط التي لم تشتغل منذ سنة 1988 ، و حينما أحياها أراد أن يعاقب بها شخصيات تاريخية و وجوه قيادية متناسيا الكوارث التي يقوم بها مؤيدوه من المحافظين و المشرفين، كما نتساءل هل كان يرضى بلخادم بان يقف أمام لجنة الانضباط سنة 2003 حينما شق الحزب نصفين و خرج ضد الأمين العام، أم انه "لا يرينا إلا ما يرى"؟؟ . لقد فقد الأفلان بريقه و سمعته في عهد بلخادم بفعل جهله لقواعد التسيير الحزبي و فقدان شخصيته للكاريزماتية و انتهاجه لخطابات التسويف و انصياعه وراء المفلسين السياسيين و تصديقه لأكاذيب المحافظين و اتكاله على قياديين أضعف من أن يقنعوا أنفسهم فما بالك بشعب يؤمن بأن استقرار الجزائر من استقرار الأفلان.